21-ديسمبر-2018

توسعت احتجاجات السودانيين فيما سقطت رمزية السلطة من المشهد (تويتر)

ألتراصوت- فريق التحرير

اندلعت يوم أمس الخميس ولليوم الثاني مظاهرات حاشدة في كافة مدن وأقاليم السودان، شملت العاصمة الخرطوم واتسعت رقعتها بصورة عنيفة جدًا، حيث سقط العديد من القتلى والجرحى، بعد مواجهات حادة بين المحتجين والقوات النظامية، لينسكب الدم السوداني على الطرقات معيدًا إلى الأذهان فاجعة أيلول/سبتمبر الأسود 2013.

سيطر المحتجون على الفضاء العام السوداني، طوال يوم الخميس لاذت السُلطة بالصمت، باستثناء منشورات متداولة للحزب الحاكم تندد بما أسمته عمليات التخريب

كان أكثر مشاهد يوم الخميس لفتًا هو التحام الجيش بالجماهير في مدينة القضارف، شرق السودان، حيث تعهد قائد الحامية العسكرية بحماية المتظاهرين من الاعتداءات المجهولة وهدأ من روعهم، بينما كان المشهد الثاني الأكثر اشتعالًا حرق مقار الحزب الحاكم من قبل الجماهير الثائرة في عديد المدن السودانية، بصورة بدت وكأنها سقوط لرمزية السُلطة.

توسعت احتجاجات السودانيين فيما سقطت رمزية السلطة من المشهد (ألترا صوت)

مدن السودان تنتفض

وفقًا لجولة قام بها "ألترا صوت" في مناطق مختلفة في العاصمة الخرطوم، فقد ارتفعت ألسنة الدخان وأغلقت المحالات التجارية أبوابها في وسط المدينة، واتسعت المظاهرات المنددة بالأزمة الاقتصادية والغلاء الطاحن، كما أشهر المحتجون هتافات تطالب بتأمين الخدمات المعيشية، وتعاملت القوات النظامية مع المشاركين بعنف مفرط، بعد أن رفعت درجة الاستعداد للون الأحمر، أي "وجود خطر بالغ"، لمواجهة آثار الغضب الشعبي. فيما انتفض طلاب جامعة الخرطوم والنيلين معًا، واحتشدت مواقف المواصلات بعمليات الكر والفر بين المواطنين وقوات الشرطة التي أطلقت الرصاص والغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين، قبل أن تنتقل الاحتجاجات إلى الحارات الشعبية، حتى وقت متأخر من ليل الخميس. كما اندلعت النيران في مدخل كبري النيل الأبيض بأم درمان جراء حرق الإطارات، وتعطلت حركة المرور نسبيًا، بجانب تفعيل هاشتاغ #مدن_السودان_تنتفض، والذي كان الأكثر رواجًا في السودان خلال الساعات الماضية.

اقرأ/ي أيضًا: محاولة جادة وأخيرة للقلق حول مصير البشير!

كانت ولاية القضارف شمال السودان هي المنطقة التي شهدت أكثر الأحداث دموية طوال ساعات الاحتجاج، حيث أورد مصدر طبي لـ"ألترا صوت"، سقوط 6 قتلى بالرصاص الحي، فيما ارتفع عدد المصابين إلى أكثر من مئة جميعهم من الشباب، وانتظمت حملة للتبرع بالدم لإنقاذ الجرحى، وأعلنت الولاية حالة الطوارئ وحظر التجوال اعتبارًا من الساعة السادسة مساء حتى الرابعة فجرًا، لتصبح الولاية الثالثة التي تلجأ للطوارئ لإحكام السيطرة على الأوضاع المتفجرة.

حضور سياسي متأخر

 رغم أن الاحتجاجات كانت شعبية محضة ولم تتبنها أية قوة سياسية، إلا أن حزب الأمة القومي بقيادة الصادق المهدي الذي وصل للخرطوم من منفاه الاختياري في لندن نهار الأربعاء، أعلن التعبئة العامة، ومشاركة أعضائه في الاحتجاجات. في المقابل أصدرت حركة الإصلاح الآن بيانًا تلقى "ألترا صوت" نسخة منه، حذر فيه الحكومة من التعامل مع الجماهير بالطرق غير المشروعة والقوة المفرطة، وحملها "مسؤولية أي ممارسة عنيفة لأي سلوك قمعي يتعرض له المواطنون بسبب ممارستهم لحقهم الدستوري". وقال البيان إن التردي في الأوضاع الاقتصادية وتفشي الظلم وانعدام العدل هو الذي دفع بالمواطنين للخروج للشارع والتظاهر، لافتًا إلى أن حركة الإصلاح الآن "تنحاز تمامًا إلى الشعب السوداني وتقف معه صفًا واحدًا في تظاهراته السلمية المشروعة"

توسعت احتجاجات السودانيين فيما سقطت رمزية السلطة من المشهد (ألترا صوت)

قطع خدمة الإنترنت

طوال يوم أمس لاذت السُلطة بالصمت، باستثناء منشورات متداولة للحزب الحاكم تندد بما أسمته عمليات التخريب التي تسبب بها مندسون، واتهم الوطني جهات معارضة لم يسمها بإثارة البلبلة وحرق مقاره. وبصورة مفاجئة أصدرت رئاسة الجمهورية قرارًا بإقالة مدير الهيئة العامة للاتصالات يحي عبد الله وتعيين اللواء أمن مصطفى عبد الحفيظ خلفًا له، ورجحت بعض الأصوات أن يكون هذا التغيير المفاجئ بسبب التباطؤ في قطع خدمة الإنترنت. هذا ما حدث بالفعل بعد ساعات قليلة من تعيين عبد الحفيظ، حيث تعطلت تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل "واتس أب" و"فيسبوك" بالكامل. بينما شهدت الصحف عودة مؤقتة للرقابة القبلية، ومنعت السلطات الأمنية إدارت الصحف من طباعتها قبل الاطلاع عليها والتأكد من عدم نشر أخبار التظاهرات.

كان أكثر مشاهد يوم الخميس لفتًا هو التحام الجيش بالجماهير في مدينة القضارف، شرق السودان، حيث تعهد قائد الحامية العسكرية بحماية المتظاهرين من الاعتداءات 

مصادرة حصة الولايات

 يبدو أن الحكومة التي استعصت عليها الحلول في توفير الاحتياجات الضرورية لجأت إلى حيلة مصادرة حصة الولايات من الدقيق والوقود لصالح الخرطوم، بهدف الحصول على انفراج نسبي في العاصمة السودانية، وهو غالبًا السبب الذي أثار غضب تلك الولايات، فخرحت الجماهير شاهرة هتافها، ما اضطر الحكومات المحلية إلى التراجع عن رفع الدعم عن الوقود والدقيق بالعودة للسعر القديم، رغم أن الرئيس البشير شدد على عدم وجود إصلاح اقتصادي حقيقي دون رفع الدعم، ولفت إلى عدم وجود منطق وراء دعم الوقود خاصة البنزين لأن الدعم يذهب للمقتدرين، على حد وصفه. مع ذلك، لم تراوح الأزمة مكانها، بسبب انعدام العملة الأجنبية، وعجز الدولة عن توفير موارد مالية لتأمين الاحتياجات الضرورية المستوردة.

اقرأ/ي أيضًا: أكتوبر 1964.. حين فشلت ثورة السودان

ومنذ أن أطلق الرئيس البشير حملة "صيد القطط السمان"، بدت طبقة ثرية متمكنة بالداخل تشعر بالخطر، وأدركت أنها مهددة، وثمة من يريد أن ينقض عليها من خلال وحدة مكافحة جرائم الفساد التابعة لجهاز الأمن الوطني، فكشرت عن أنيابها، ومن ثم انقضت ذات القطط وأكلت لسان المتحدث الرسمي باسم الحملة، على حد وصف المثل الشعبي، فكف عنهم، بعد تسويات صورية لم يظهر أثرها، ما جعل الحكومة تبدو وكأنها عاجزة عن إدارة البلاد، ولن تقدم في حربها الجديدة على الفساد العميق غير حرب على السلع الأساسية، (الخبز، الدواء، الوقود). يرجع ذلك، كما يرجح مراقبون، إلى أن الرئيس طعن ظله، لأن الحزب الحاكم لم يبد أي حماس لمجاراة خط رئاسة الجمهورية، وبدا خاضعًا بالكامل لمصالح الوكلاء السياسيين الذين يمثلون القوى والطبقات الاقتصادية، بكل ما ينطوي على ذلك من منع تمويل الحملة الانتخابية، التي تزمع تقديم البشير لدورة سادسة في العام 2020.

الرباط الخانق

لعل زيارة البشير إلى سوريا ولقاءه برئيس النظام السوري، بشار الأسد، جلب للخرطوم متاعب كثيرة أيضًا، وهى الزيارة المفاجئة التي أثارت حالة من الجدل السياسي، دون أن يعلم أحد بالضبط دوافعها الخفية وثمن كسر الحصار العربي على النظام. مع ذلك لم يتسع الرباط السعودي الإماراتي الخانق على عنق الخرطوم، مع تعنت أمريكي وانتهازية إسرائيلية تشد على هذا الرباط في الخفاء، وتبذل لحكومة البشير مخارج الطوارئ، كونها الخيار الوحيد الآن المتاح للنجاة، وهو ما يبدو ماثلًا في تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بخصوص التطبيع مع السودان والسماح لطائراته بعبور الأجواء السودانية.