21-فبراير-2024
من مخترع الكاميرا

من صاحب الفضل في اختراع الكاميرا

 

يُعدّ امتلاك كاميرا ممتازة على الهاتف الذكي تتميّز بالسرعة وسهولة الاستخدام والقدرة على التقاط التجارب اللحظية التي يمر بها الإنسان من الأمور المُمتعة والتي أصبحت أمرًا مُعتادًا تمامًا. إذ أصبح بإمكان أي شخص التقاط صورة وتحريرها ومشاركتها مع العالم خلال دقائق معدودة؛ فقد أصبحت التكنولوجيا منتشرة بحيث لا يمكن للناس تصوّر حياتهم دون التصوير الفوتوغرافي. ولكن لم يكن الأمر كذلك قبل بضع عشرات من السنين؛ حين أمضى العديد من المخترعين وقتًا طويلًا من حياتهم في تطوير الكاميرا حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم. فمن هو مخترع الكاميرا؟

يُعدّ كُل من العالمين نيسيفور نيبس والعالم لويس داجير مخترعي الكاميرا؛ إذ كان الفضل في الأساس للعالم نيبس فهو صاحب فكرة الاختراع إلا أنّه توفي قبل استكمالها، واستكمل تنفيذ الاختراع لاحقًا العالم لويس داجير حتى تم اختراعها.

 

دور نيسيفور نيبس في اختراع الكاميرا

يُعتبر المخترع نيسيفور نيبس (Nićephore Níepce) مخترعًا فرنسيًا وخبيرًا في مجالي البصريات والتصوير الفوتوغرافي. كتب نيبس العديد من الرسائل التي يُوضّح بها كيفية التقاط صور حيّة، وبهذا كان أول من التقط صورة فوتوغرافية ناجحة. 

أوضح المخترع نيسيفور نيبس كيفيّة استخدامه لنسخةٍ بدائيةٍ من تصميم يوهان زان للكاميرا، وكيفيّة تطبيق الورق المطلي بكلوريد الفضة لالتقاط صورته، ومع ذلك تطوّرت الصورة لتُصبح سلبية حيث عُكست فيها البقع الداكنة والفاتحة.

استمر نيبس في التفكير والتخطيط حتى عام 1822 ثم ابتكر استخدام فكرة أطلق عليها اسم (الهليوغرافيا) والتي تعني (رسم الشمس). بدأ نيبس في تطبيق هذه الفكرة عن طريق طلاء لوحة من المعدن أو الزجاج باستخدام مادة القار -وهو شكل طبيعي من الأسفلت- وعندما يتعرّض هذا اللوح إلى أشعة الشمس ستتصلّب مادة القار مما يُنتج صورة. يتم بعد ذلك مسح الألواح باستخدام زيت اللافندر الذي يُثبّت القطع الصلبة/ الصورة الناتجة على الألواح. يجدر الذكر أنّ هذه الطريقة هي التي استخدمها نيبس في التقاط أول صورة. علمًا أنّه أتلف النسخة المطبوعة وحاول إجراء نسخ منها.

يجدر الذكر أنّ الصورة الأولى التي صورها ما تزال موجودة في جامعة تكساس أوستن وهي صورة من نافذة منزله في الطابق العلوي في فرنسا.

غيّرت فكرة الهليوغرافيا التصوير إلى الأبد؛ حيث ساعدت على تكوين صور واضحة ولكن المشكلة الوحيدة لها هي تعريض الصور للشمس لعدّة ساعات أو أيام. لذلك فكّر نيبس في العديد من الأفكار التي أدّت في النهاية إلى دخوله في شراكة مع لويس داجير (Louis Daguerre)؛ الذي كان يعمل مُصمّمًا لديكور المسرح. 

كان داجير طالبًا فضوليًا في علم البصريات والإضاءة والتي استخدمهما بمهارة في عمله، ممّا جعله يُصبح رسامًا بانوراميًا ماهرًا؛ كما أنّه حظي بالتقدير لاختراعه الديوراما.

أجرى نيبس مع داجير العديد من التجارب الفاشلة لإيجاد بديل للتصوير بتقنية الهليوغرافيا، ولكن في عام 1832 اختراعا تقنيّة تُدعى النمط الطبيعي (physautotype) وبها اُستخدمت بقايا زيت اللافندر كمذيب عند طلاء لوحة مصقولة وواصلوا استخدام التصوير بالهيلوغرافيا والتقطت الصورة بنجاح، ولكن المذيب لم يكن قويًا بما يكفي الأمر الذي تسبّب في تلاشي الصورة تمامًا مع مرور الوقت.

واصل نيبس وداجير في إجراء التجارب حتى تُوفي نيبس فجأة في عام 1833، الأمر الذي تسبّب في إنهاء الشراكة.

 

مخترع الكاميرا نيبس وأول صورة
الصورة الأولى التي صورها نيبس من نافذة منزله في الطابق العلوي في فرنسا.

دور لويس داجير في اختراع الكاميرا

استمر لويس داجير بعد وفاة صديقه في تجربة تقنيات مُختلفة لتطوير فكرة نيبس وتطبيقها على أرض الواقع. إذ أنتج أول كاميرا محمولة في عام 1839م. وكانت كاميرا صندوقية أُطلق عليها اسم "داجيروتايب"، تمتاز هذه الطريقة بعدم الحاجة إلى تعريض الصور وقتًا طويلًا للضوء مع الحصول على صور دائمة.

أما عن طريقة داجير للتصوير فكان يستخدام قطعة رقيقة من النحاس المطلي بالفضة لتبدو هذه القطعة كالمرآة، ثم يُرش عليها بُخار اليود الذي يجعلها حسّاسة للضوء. بعد ذلك يعرّضها إلى بخار الزئبق مما يسمح بظهور الصورة، ثم يستخدم كلوريد الصوديوم للتخلص من حساسيتها تجاه الضوء. وفور الانتهاء من التقاط الصورة بنجاح يجب حفظها خلف قطعة من الزجاج لحمايتها.

قرر داجير أن يُخرج عمله إلى النور لذلك أعلن عنه في عام 1939، واشترت منه الحكومة الفرنسية ملكية هذه العملية. ولكن ابن شقيق نيبس لم يكن سعيدًا بشهرة داجير وكان يشعر بأنّ الفضل يعود لعمه نيبس؛ لذلك طالب بحقوق عمّه في هذا الأمر. وفي النهاية وافقت الحكومة الفرنسية على دفع حقوق الملكية لكلٍ من داجير ونيبس. ولا بُدّ من الإشارة إلى أنّ نيبس لم ينل ما يستحق من التقدير لعمله وتطوراته بينما حصل داجير على كل الأضواء التي سُلّطت عليه.

مخترع الكاميرا المحمولة يوهان زان

في مرحلة سابقة للمخترعين نيبس وداجر، كان للمخترع يوهان زان (Johann Zahn) دور في اختراع الكاميرا الصغيرة المحمولة التي تُستخدم للتصوير الفوتوغرافي. إذ كان له دور كبير في تطور الكاميرا حيث أضاف عليها بعض الرسومات والكتابات التي تُعتبر في ذلك الوقت قفزة نوعية في عالم الكاميرا والتصوير. 

كتب يوهان زان كتاب يدعى “Oculus Artificialis Teledioptricus Sive Telescopium”، وكان يعرض في هذا الكتاب مجموعة من المُخطّطات والرسوم لصنع أدوات العرض البصرية المختلفة. وكانت رسومه التوضيحية مُفصّلة بشكلٍ لا يُصدّق؛ إذ صوّرت مئات الفرضيات والنظريات حول البصريات والإضاءة والتصوير الفوتوغرافي، ولا بُدّ من الإشارة إلى أنّ معظم هذه الفرضيات أُثبتت صحتها بعد مُدّةٍ طويلة من وفاته.

ظهرت العديد من الصور في كتابة للعديد من الأدوات ابتداءً من الكاميرا المُظلمة مرورًا إلى التلسكوبات، والمجاهر، وحتى العدسات نفسها، والكاميرا المحمولة باليد الأمر الذي فتح عالمًا جديدًا من الاحتمالات التي منحت الفرصة للمخترعين من بعده لاكتساب رؤيته وتطبيق بعض الأفكار.

صوّر زان الكاميرا المحمولة على شكل هيكل بسيط يستخدم مرآة عاكسة موضوعة بزاوية 45 درجة لالتقاط الصورة، كما أضاف رفرفًا من الجانب لمنع الضوء غير المرغوب فيه. يجدر الذكر أنه رغم استغراق هذا التصميم للكاميرا المحمولة ما يُقارب 150 عامًا حتى ظهر إلى الحياة، إلا أنّ زان كان من وضع حجر الأساس لتصميمه.

دور ابن الهيثم في اختراع الكاميرا

يُعدّ ابن الهيثم من أشهر علماء البصريات في العصر القديم، وقد كانت له بصمة كبيرة فيه؛ إذ ابتكر "قمرة" والتي تُعدّ تمهيدًا لمن بعده من العلماء لاختراع الكاميرا. وذلك في القرن العاشر الميلادي. 

اخترع ابن الهيثم "قمرة" والتي تعني "حجرة مظلمة" وهي أول كاميرا صنعها ابن الهيثم وكتب عنها في كتابه "المناظر"، وأوضح أنّ حجرة الكاميرا يجب أن تكون غرفة مظلمة أو صندوقًا صغيرًا مظلمًا يضم فتحة صغيرة تسمح بدخول الضوء، وبما أنّه ينتقل في خطوطٍ مستقيمة فإنّ الضوء الساقط من خارج الصندوق سيدخل القمرة باستخدام المرايا، التي تُساعد على تعديل هذه الصور وإظهارها بشكلها الصحيح لأن الصورة المنعكسة تكون مقلوبة. 

تمكن أيضًا من تطوير نوع آخر من الكاميرات يمكن حملها؛ على هيئة صندوق فيه مرآة مثبتة بميلان معين، ثم تسقط الصورة على سطح ورق شفاف موجود أعلى الصندوق على السطح الخارجي ثم تظهر الصورة عليها بهيئتها الصحيحة.

 

تعدّ الكاميرا التي أصبحت جزءًا لا يتجزء من حياتنا المعاصرة من أروع الاختراعات، ولكنها لم تكن لتوجد لولا أبحاث العالم ابن الهيثم الثورية؛ إذ إنّ اختراعه للقمرة كان أساسًا لاختراع الكاميرا حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم.