05-أبريل-2024
دهاة العرب الأربعة

دهاة العرب الأربعة من صحابة رسول الله ومن سادة المسلمين

ورد في لسان العرب أن (الدّهْو) يعني العقل، والداهية يعني الرجل العاقل البصير بالأمور، وقد شاع في قول العرب حديث حول 4 من دهاتها، رجال اتصفوا بالعقل وامتلاك الحيلة والرأي السديد وحسن تدبير الأمور، وهؤلاء الأربعة من صحابة رسول الله، كان لحنكتهم وسداد رأيهم صيت واسع حتى صاروا مضرب المثل فيه. وفي المقال نبذة تعريفية عنهم.

 

دهاة العرب الأربعة

روى مجالد، عن الشعبي قال: "دهاة العرب أربعة: معاوية، وعمرو، والمغيرة، وزياد. فأما معاوية فللأناة والحلم، وأما عمرو فللمعضلات، والمغيرة للمبادهة، وأما زياد فللصغير والكبير". فدهاة العرب الأربعة هم: 

  1. معاوية بن أبي سفيان
  2. عمرو بن العاص
  3. المغيرة بن شعبة
  4. زياد بن أبيه

شاع في قول العرب حديث حول 4 من دهاتها، رجال اتصفوا بالعقل وامتلاك الحيلة والرأي السديد وحسن تدبير الأمور

  • معاوية بن أبي سفيان للأناة والحلم

هو معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي، صاحب مكانة رفيعة في التاريخ الإسلامي فهو أحد كتاب الوحي في عهد الرسول وسادس الخلفاء وأول ملك عربي أموي.

ولد في مكة المكرمة لأبيه سيد قريش أبي سفيان، وأمه هند بنت عتبة أيضًا سليلة سيد من ساداتها. ورغم كفر أبويه ومجاهرتهما بالعداء للإسلام إلا أنه أسلم وأخفى إسلامه قبل فتح مكة. ولما أعلن إسلامه قربه النبي وجعله من كتبة الوحي فقد حظي بتعلم الكتابة لكونه من عائلة رفيعة المستوى.

في عهد أبي بكر تولى قيادة الجيش الإسلامي تحت لواء أخيه يزيد، ففتحت مدن كثيرة من الشام. وفي خلافة عمر عُين واليًا على الأردن ومن بعدها دمشق ، أما في خلافة عثمان فقد وُلي خلافة الشام كلها وبذلك قضى أكثر من 20 عاما في ولاية الشام.

بعد مقتل عثمان رضي الله عنه ومبايعة علي بالخلافة، رفض المبايعة قبل أن ينفذ قصاص عثمان. وكان رأي علي كرم الله وجهه أن الأولى توحيد صفوف المسلمين ثم القصاص لعثمان. وعلى إثر ذلك وقعت معركة صفين التي قادت الطرفين إلى حادثة التحكيم، حيث تولى عمرو بن العاص النيابة عن فريق معاوية.

لم يسفر التحكيم إلا عن زيادة الشقاق بين المسلمين، فاستمر معاوية على موقفه ورفض مبايعة علي، وظل واليًا على الشام حتى اغتيل علي كرم الله وجهه، ولما بويع سبط رسول الله الحسن بن علي تنازل عن الخلافة لصالح معاوية حقنًا لدماء المسلمين ووقع معه معاهدة عرفت بـ(عام الجماعة).

بعدما استوثق معاوية بالخلافة جعل دمشق حاضرة العالم الإسلامي ومعقل الخلافة، وحرك الجيوش للفتح الإسلامي فأرسل حملة نحو القسطنطينية وفتحت سجستان والسند في عهده. وكثيرًا ما كان يقود جيوش الفتح بنفسه.

كان صاحب الفضل في تأسيس ديوان الرسائل والبريد، وأول من عين حاجبًا ملازمًا للخليفة، واستمر في الحكم حوالي 19 عامًا، ولما دنا منه الأجل نادى ببيعة ابنه يزيد، وكان ذلك أول حكم وبيعة تُمضى بغير الشورى بين المسلمين.

كان رضي الله عنه داهية فطنًا وحاكمًا فذًا تمكن من حكم الشام 40 عامًا 20 منها قبل الخلافة. وكان رغم سطوته وسلطانه تقيًا راجح العقل حليمًا مشهود له بالحلم حتى ذهب فيه قول العرب لمن يحسن المسايسة دون بطش بأنه يبقي (شعرة معاوية) فقد كان يقول: "لو أنّ بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدّوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها". وكان يقول موصيًا ابنه يزيد إن "أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة".

  • عمرو بن العاص للمعضلات

هو الصحابي الجليل الغني عن التعريف أبو عبد الله عَمْرو بن العاص بن وائِل السَّهْمِي القرشي الكناني، أدهى دهاة العرب وأنبغ من أنجبت قريش، كان من سادات قريش قبل الإسلام، ورغم عداوته في فترة الإسلام الأولى إلا أنه حين شرح الله صدره للإسلام حسن إسلامه . ووالده كان تاجرًا ومن سادة قريش وكانت تجارته تبلغ الشام واليمن والحبشة. فأهّله النبوغ والدهاء والعلاقات التجارية مع الحبشة ليكون مندوبًا من قريش إلى النجاشي ليرد المسلمين المهاجرين الملتجئين إلى حماية النجاشي، وصارت المواجهة الشهيرة بينه وبين جعفر الطيار رضي الله عنه، ووقتها أنصف النجاشي المسلمين ولم يرفع حمايته عنهم. وخان عَمرًا دهاؤه أمام حجة جعفر!

كان عمرو بن العاص صاحبًا لخالد بن الوليد رضي الله عنهما وتأخر إسلامهما، فشهدا بدرًا وأحدًا والخندق وهما في معسكر قريش. حتى شاء الله لهما الإسلام، فأسلم ابن العاص على يد النجاشي في السنة الـ8 للهجرة، وحين عاد من الحبشة اتجه إلى المدينة ولقي في الطريق خالدًا وعثمان بن طلحة. وقال رسول الله في إسلامهم "إن مكة قد ألقت إلينا أفلاذ كبدها".

بعد إسلامه شارك في السرايا الجهادية وعينه النبي واليًا على الزكاة والصدقات في عُمان بعدما أسلم ملكها، وفي عهد أبي بكر شارك في حروب الردة واستخلفه على الشام بعدما استشهد أبو عبيدة في طاعون عمواس. 

أما في عهد الفاروق فقد تولى مصر بعد فتحها، لكن عثمان عزله عن ولايتها. وحين اغتيل عثمان رضي الله عنه اصطف في معسكر معاوية مطالبًا بالثأر والقصاص لعثمان، وكان من قادة وقعة صفين، وممثلًا سياسيًا لجانب معاوية في التحكيم بينه وبين على كرم الله وجهه. وأرجعه معاوية واليًا على مصر، وفيها توفي رحمه الله عن عمر الـ88 عامًا.

ومما ورد عن دهائه قول عمر كلما رأى رجلًا لا يحسن الكلام والبيان "سبحان الله، خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد"، ولقبه الفاروق بأرطبون العرب، وأصل الاسم لقائد رومي معروف بالدهاء والعبقرية وقد حاججه عمرو بن العاص وقت حصار بيت المقدس وفتحها. فتفوق عمرو بن العاص على الرومي فقال عمر (لقد رَمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب).

  • المغيرة بن شعبة للمبادهة

هو صحابي جليل ولد في الطائف وأسلم عام الخندق، المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي، من دهاة العرب وقادتهم وأحسنهم رأيًا حتى كان يلقب ب (مغيرة الرأي) لرجاحة حكمه ورأيه. وقال عنه الطبري (كان لا يقع في أمر إلا وجد له مخرجًا، ولا يلتبس عليه أمران إلا أظهر الرأي في أحدهما). كان من الشاهدين لبيعة الرضوان، وكان مجاهدًا شارك في الغزوات والفتوحات حتى فقد عينه في اليرموك ويقال في القادسية.

كان إضافة إلى هيبة الرأي يمتاز بهيبة المظهر، فقد كان طويلًا عريض المنكبين وضخم القامة. ومن مآثره أنه وقت دفن النبي ألقى بخاتمه بعد أن خرج علي بن أبي طالب من القبر الشريف، فقال لعلي أن يناوله الخاتم فرد عليه بأن انزل فخذه بنفسك. فنزل المغيرة ولمس الكفن الطاهر وقال عن نفسه (كنت آخر الناس عهدًا برسول الله).

في خلافة عمر ولاه الفاروق على أهل النجير في اليمن، وولاه البحرين لكنه عزله لأن أهلها لم يتقبلوه، وفي عهد عليّ اعتزل الفتنة بين فريق عليّ ومعاوية، وكان يرى أن الرجاحة في ترك الفتنة وعدم الخوض فيها، وله عبارة شهيرة قالها لعمار بن ياسر رضي الله عنه لما استنفره لنصرة علي كرم الله وجهه فقال: "يا أبا اليقظان (يقصد عمار بن ياسر) إذا رأيت السيل فاجتنب جَرْيَتَه) أي أن الفتنة كالسيل العرم والعاقل من يتحاشى الوقوف في وجهه.

تولى إمارة الكوفة لما استتب الأمن وآلت الخلافة إلى معاوية، وبعدما مات بعمر الـ70 تولاها زياد بن أبيه، وهكذا استدعت الكوفة لحكمها وضبطها داهيتين من دهاة العرب!

  • زياد بن أبيه فللصغير وللكبير

ولد الصحابي الجليل زياد ابن أبيه في الطائف في عام الهجرة. ويقال إنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم. واختُلف في نسبه إلى أبيه، فقيل إن أمه كانت جارية عند الحارث بن كلدة الثقفي، وقيل إن أبا سفيان أقر ببنوته. ومهما يكن من الأمر، فذلك لا يغير من حقيقة كونه داهية من دهاة العرب وخطيبًا مفوهًا وسياسيًا محنكًا. 

في عهد الفاروق عمل زياد كاتبًا لدى الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري، وفي عهد عليّ رضي الله عنه عُين زياد واليًا على فارس وكرمان.

وعُين واليًا على العراق في عهد معاوية لما يمتاز به من حكمة وحنكة وسطوة رآها فيه معاوية، ووجد أنه أهل لجمع أهل العراق بعد تفرقهم بسبب الفتنة الحاصة على إثر اغتيال عثمان بن عفان رضي الله عنه والخلاف الناشب بين شيعة علي ومناصري معاوية. فتولى وقتها البصرة وخراسان وسجستان. ثم بعد وفاة المغيرة بن شعبة أُلحقت ولاية الكوفة بالبصرة تحت إمرة زياد، واستعان في فترة ولايته بخيرة الصحابة أمثال أنس بن مالك وعبد الله بن الحصين. وأمر بزيادة عدد الجند والشرطة ليسود الأمان وتندثر الفتن، وقد كان. مما أفسح المجال للبصرة وغيرها من المناطق التي ولّيها بالازدهار في العمارة والعلم والحياة عمومًا.

وهو صاحب الخطبة البتراء (المقطوعة) إذ كان من المتعارف عند العرب إذا خطب أحدهم أن يستهل بالحمد والثناء على الله والصلاة على رسوله، ولكن زياد ابن أبيه لما تولى البصرة خطب في أهلها خطبة أرهبتهم، فلم يسلك مسلكًا لينًا حتى في خطبته وابتدأها بلا تحية ولا حمد لله، ومما جاء فيها: (أما بعد: … وإني أقسم بالله لآخذن الولي بالمولى، والمقيم بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والمطيع بالعاصي، والصحيح بالسقيم، حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول: أنج سعد، فقد هلك سعيد. أو تستقيم قناتكم). يعني إما أنه سينكل في أهل البصرة لردعهم عن الفتن والمنكرات التي استفشت بينهم، أو أنهم سيختارون العودة إلى حكم الله والانصياع للخليفة الأموي، فيكفّ بطشه عنهم.

 

دهاة العرب الأربعة من صحابة رسول الله ومن سادة المسلمين جلهم من بني أمية إلا المغيرة من بني ثقيف. وهكذا استأثر بنو أمية بثلاثة أرباع الدهاء لو صح نسب زياد لأبي سفيان. ويقال إن الداهية الخامس هو الصحابي الجليل قيس بن سعد بن عبادة من الخزرج سادات المدينة المنورة، لقب بذلك لمكيدته في الحرب، وفروسيته وشهامته وكرمه وبذله.