05-مارس-2024
من اكتشف طريق رأس الرجاء الصالح

بارتولوميو دياس أول أوروبي يبحر حول جنوب أفريقيا ويرى رأس الرجاء الصالح

عند مواجهة سؤال من الذي اكتشف رأس الرجاء الصالح الموجود في الطرف الجنوبي من قارة إفريقيا، قد توهم العبارة بأن المنطقة كانت مهجورة ولا يسكن فيها أحد، حتى جاء من اكتشفها. ولكن الحقيقة أنها كانت مأهولة بالسكان منذ عشرات آلاف الأعوام، وتحديدًا منذ هجرة البشر إليها بعد نهاية العصر الجليدي الثاني حتى صارت موطنًا لقبائل الخويخوي والسكان الأصليين قبل الاستعمار البرتغالي والهولندي. ولكن المقصود بالسؤال من هو أول أوروبي اكتشف طريق رأس الرجاء الصالح.

يعود اكتشاف الرأس إلى عصر الاستكشاف الأوروبي بين القرنين 15 و16، حينما أرسلت القوى الأوروبية مثل الإسبان والبرتغاليين والهولنديين بعثات ملكية إلى الأراضي غير المستكشفة للعثور على الثروات وتوسيع إمبراطورياتهم ونشر المسيحية بين الرعايا الجدد.

تنبع أهمية اكتشاف الأوروبيين لرأس الرجاء الصالح في كونه نقطة تحول في التجارة الأوروبية. التي كانت قوافلها تقطع الطريق البري إلى الهند، يعني ذلك مرورها بالضرورة في أراضي الدولة العثمانية آنذاك، فصارت الحاجة ملحة بالنسبة إلي الأوروبيين من أجل إيجاد طريق تجاري بديل، عبر البحر.

 

من اكتشف طريق رأس الرجاء الصالح

في عهد الملك جواو الثاني أرسل مستكشفان أفونسو دي بايفا وبيرو دا كوفيلها، في رحلة برية للبحث للتحقق من وجود مملكة مسيحية في إثيوبيا أسسها راهب وفي أراضيها ينبوع للشباب لا ينضب حسب أسطورة يؤمن بها. لكن الملك أراد أيضًا إيجاد طريقة للالتفاف حول أقصى نقطة في جنوب الساحل الأفريقي، لذلك بعد بضعة أشهر فقط من إرسال المستكشفين البريين، أمر بإطلاق بعثة بحرية استكشافية إلى أفريقيا.، وأمّر عليهم بارتولوميوس دياس

في أغسطس 1487، غادرت سفن دياس الثلاثة ميناء لشبونة بالبرتغال. مسترشدًا بالطريق التي عبرها المستكشف البرتغالي في القرن الخامس عشر ديوغو كاو أبحر حول ساحل إفريقيا حتى كيب كروس الحالية في ناميبيا. وقد زرعت علامات من الحجر الجيري على الشاطئ وكانت بمثابة نقاط إرشادية للاستكشافات البرتغالية السابقة للساحل. كانت دليلًا لدياس في رحلته.

رسم بارتولوميو دياس
بورتريه للمستكسف والبحار البرتغالي بارتولوميو دياس

 

بارتولوميو دياس الشاهد الأوروبي الأول

معظم المعلومات عن حياة بارتولوميو دي نوفاس دياس قبل عام 1487 تكاد تكون معدومة، باستثناء أنه كان في بلاط الملك جواو الثاني (أو الملك جون الثاني ملك البرتغال)، وكان مشرفًا على المستودعات الملكية. كما يُشاع بأنه يتمتع بخبرة إبحار أكبر بكثير من الفترة التي قضاها على متن السفينة الحربية ساو كريستوفاو. ربما كان دياس في منتصف أو أواخر الثلاثينيات من عمره عام 1486 عندما عينه الملك على رأس رحلة استكشافية للبحث عن طريق بحري إلى الهند. وبذلك كان بارتولوميو دياس أول أوروبي يبحر حول جنوب أفريقيا ويرى رأس الرجاء الصالح، وقد خاض مغامرته المحفوفة بالمخاطر، ونلخصها في نقاط ليسهل تتبعها:

  • غادر بارتولوميو دياس على رأس 3 سفن من ميناء لشبونة بالبرتغال، في الربع الأخير من عام1487، وقد اتبع طريق المستكشف البرتغالي في القرن الخامس عشر ديوغو كاو، وضمت مجموعة دياس الاستكشافية ستة أفارقة أحضرهم مستكشفون سابقون إلى البرتغال. 
  • أنزل دياس الأفارقة في موانئ مختلفة على طول الساحل الأفريقي ومعهم بإمدادات من الذهب والفضة ورسائل "حسن النية" من البرتغاليين إلى السكان الأصليين. تُرك آخر أفريقيين في مكان أطلق عليه البحارة البرتغاليون اسم أنجرا دو سالتو، كما تُركت سفينة الإمداد التابعة للبعثة هناك تحت حراسة تسعة رجال.
  •  خاضت السفينتان الباقيتان بقيادة دياس في البحر قبالة ساحل في أوائل يناير عام 1488، وجرفتهما العواصف بعيدًا عن الساحل. انعطفت السفن نو الجنوب ولا يُعلم على وجه الدقة ما إذا كان السبب في انعطافها أن حرفتها العواصف بعيدًا عن الساحل، أم أن دياس أمر بالانعطاف إلى الجنوب بزاوية 28 درجة تقريبًا، لأن لديه معرفة مسبقة بالرياح الجنوبية الشرقية التي ستوجه سفينتيه حول طرف إفريقيا وتمنعهما من الانجراف على الشاطئ الصخري الشهير. وهذا ما حصل على الأرجح.
  • كان قرار دياس محفوفًا بالمخاطر، لكنه نجح في مسعاه. فقد رصد الطاقم يابسة يمكن الرسو فيها، وذلك في شباط من العام 1488، وكانت البقعة التي هبطوا فيها على بعد حوالي 300 ميل شرق رأس الرجاء الصالح الحالي.وأطلقوا على الخليج حيث وقفت السفينتان اسم ساو براس (خليج موسيل الحالي). لكن بطبيعة الحال لم يُستقبَل دياس ومن معه بالورود من سكان المنطقة الأصليين، بل كان استقبالهم برشقات من الحجارة الشاطئ، فأطلق أحد بحارة دياس سهمًا سبب مقتل أحد رجال القبيلة. 
  • سببت هذه الحوادث التوتر للطاقم بالإضافة إلى قلقهم بسبب تضاؤل ​​الإمدادات الغذائية فطالبوه بالعودة. فعقد بارتولوميو  دياس مجلسًا للبت في الأمر. واتفق الأعضاء على السماح له بالإبحار لمدة ثلاثة أيام أخرى ثم العودة. فاستجاب لهم ووصل إلى كواهيهوك، في مقاطعة كيب الشرقية الحالية، وهناك غرسوا النقاط الإرشادية، وعُدّت كواهيهوك أقصى نقطة للاستكشافات البرتغالية في الشرق، وكان ذلك في آذار .1488
  • اكتشف دياس وفي رحلة العودة أقصى نقطة في جنوب أفريقيا، والتي سُميت فيما بعد (رأس العواصف) بسبب الرياح العاصفة والتيارات القوية بين المحيط الهندي والقطب الجنوبي التي جعلت سفر السفن محفوفًا بالمخاطر.

 صورة لرأس الرجاء الصالح
رأس الرجاء الصالح من الجو

 

العودة المخيبة للآمال، وتغيير التسمية

بمجرد العودة إلى السفينة التي تركها دياس خلفه في أنجرا دو سالتو، صُعق ومن معه من مقتل 6 بحارين من الـ9 الذين تركوا لحراسة السفينة الطعام والمؤن المتروكة بسبب هجمات السكان المحليين، وأحد الثلاثة الذين نجوا فارق الحياة على إثر إصاباته. استغرقت الرحلة 

15 شهرًا في قطعت فيها سفن دياس حوالي 16000 ميل، وصل دياس إلى لشبونة واستقبل البحارة العائدون بالترحاب، لكن ليس من الملك.

لم يكن الملك راضيًا عن النتائج التي حققها دياس، وذلك اضطرّه إلى شرح فشله في الوصول إلى المستكشفين بايفا وكوفيلها ومقابلتهما، وهذا كان مغزى الرحلة. وعلى الرغم من إنجازه الهائل، كوفئ دياس بعدم توليته رحلات استكشافية مرة أخرى. ولكن رغم خيبة الملك فقد أمر بإطلاق اسم (كابو دا بوا إسبيرانسا) على رأس العواصف، أي رأس الرجاء الصالح، وأمر بأن يُسجّل المكان وتسميته في الخرائط الجديدة.

يعد اكتشاف رأس الرجاء الصالح اكتشافًا جغرافيًا غير نفوذ الكثير من الدول وأعاد رسم الخارطة اقتصاديًا وجغرافيًا وسياسيًا.

 

دياس مستشارًا لفاسكو دي غاما

بعد عزله عن قيادة رحلات الاستكشاف، استقر دياس لبعض الوقت في غينيا في غرب أفريقيا، حيث أنشأت البرتغال موقعًا لتجارة الذهب. بعدها كلّف الملك الجديد مانويل الأول، بارتولوميو دياس بالعمل كمستشار لبناء السفن في رحلة فاسكو دا جاما. وبذلك عاد دياس إلى البحر مع بعثة دا جاما حتى وصل إلى جزر الرأس الأخضر، ثم عاد إلى غينيا. وقد نجحت سفن دي غاما بالوصول إلى هدفها في الهند في مايو 1498، بعد ما يقرب من عقد من الزمن من رحلة دياس التاريخية السابقة حول طرف أفريقيا.

 

قدَر البحار مربوط في البحر

بعد نجاح بعثة دي غاما إلى الهند بعامين، أرسل الملك مانويل أسطولًا ضخمًا من 13 سفينة، إلى الهند بقيادة بيدرو ألفاريس كابرال، وكان معه دياس قائدًا لأربع سفن منها. وصلوا إلى البرازيل في آذار 1500، ثم اتجهوا عبر المحيط الأطلسي نحو جنوب أفريقيا، ثم إلى شبه القارة الهندية. 

خلال الرحلة وتحديدا في أيار من العام نفسه، تحطمت أربع سفن، بما في ذلك سفينة دياس، وفقد جميع أفراد الطاقم في البحر. وقد سُجّلت وفاة بارتولوميو دياس في 29 أيار 1500 قبالة رأس الرجاء الصالح. 

قد يكون اكتشاف رأس الرجاء الصالح فأل خير على الأوروبيين الذين استوطنوا فيه، لكنه لم يكن كذلك بالنسبة للسكان الأصليين

خطورة رأس الرجاء على السفن

يعد الإبحار في منطقة رأس الرجاء الصالح غاية في الخطورة، وذلك بسبب العواصف العاتية التي تنشأ في ملتقى مياه المحيط الهندي الدافئة ومياه المحيط المتجمد الجنوبي الباردة. مما سبب ضياع وتحطم عشرات السفن وقتذاك. هذا جعل اكتشاف منطقة رأس الرجاء مادة لخلق العديد من القصص الشعبية والأساطير الأوروبية، فقد تسبب تحطم السفن مرارًا وتناثر حطامها إلى ظهور أسطورة (الهولندي الطائر)، وهي سفينة أشباح محكوم عليها بالإبحار في المحيطات إلى الأبد بعد أن ضاعت في عاصفة شديدة.

 

وبعيدًا عن الأساطير فرأس الرجاء الصالح منطقة هامة، ورغم ما تكبده البحارة والمستكشفون من مخاطر حتى لقب بـ(مقبرة السفن) إلا أنه يعد اكتشافًا جغرافيًا غير نفوذ الكثير من الدول وأعاد رسم الخارطة اقتصاديًا وجغرافيًا وسياسيًا.

قد يكون اكتشاف رأس الرجاء الصالح فأل خير على البرتغاليين والأوروبيين اللاحقين الذين استوطنوا فيه، لكنه لم يكن كذلك بالنسبة للسكان الأصليين في المنطقة ولا غيرهم ممن امتدت إليهم يد البطش الاستعماري الأوروبي لاحقًا؛ إذ ترتب على اكتشاف رأس الرجاء احتلال الهولنديين للمنطقة وقتل سكانها الأصليين، ولاحقًا تملكت شركة الهند البريطانية حقوق التجارة في المنطقة وابتدأت تاريخها الإجرامي في تجارة العبيد من إفريقيا في القرن الثامن عشر. ولاحقًا كان لفتح قناة السويس 1869 المصرية أثر بالغ على التجارة العالمية، فقد اختصرت الطريق البحري على السفن التجارية ولم تعد تبحر في تلك المنطقة المحفوفة بالمخاطر.