22-فبراير-2020

تنفتح الخطوة المغربية على احتمالات عديدة (Getty)

في خطوة تم تأجيلها لأكثر من مرة، تمكن المغرب، أخيرًا، من بسط سيادته على المجال البحري في الأقاليم الجنوبية لأول مرة، ليصبح المجال البحري من طنجة (أقصى الشمال) إلى الكويرة (أقصى الجنوب)، بدل انحصاره في طرفاية (وسط الجنوب)، وذلك من خلال مصادقة البرلمان على مشروعي قانون قدمهما وزير الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة.

يسعى المغرب من خلال ترسيم حدوده البحرية إلى الاستفادة من الموارد الطاقية في المحيط الأطلنتي والبحر الأبيض المتوسط

يسعى المغرب من خلال ترسيم حدوده البحرية إلى الاستفادة من الموارد الطاقية في المحيط الأطلنتي والبحر الأبيض المتوسط، الأمر الذي أدخل المملكة في نزاع خفي مع الجارة الشمالية إسبانيا إحدى الدعائم الديبلوماسية للمغرب.

اقرأ/ي أيضًا: كيف أشعلت البوليساريو أزمةً جديدة بين المغرب وجنوب إفريقيا؟

تفاصيل القرار

تعود تفاصيل الحكاية إلى سنة 2001 عندما أعلنت شركة "ريبسول" الإسبانية التنقيب عن النفط قبالة السواحل المغربية في طرفاية، الأمر الذي اعتبره المغرب استفزازًا، فبدأ منذ سنة 2003 الاشتغال على مشاريع قوانين تُمكن المملكة من تحديد "حدها" البحري.

تروم عملية ترسيم الحدود إلى تحديد المجال البحري المغربي من السعيدية إلى الكويرة، مع تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة وتوسيع الجرف القاري. هذه العملية التي أثارت ردة فعل الجارة الشمالية للملكة إسبانيا والتي رأت في عملية ترسيم الحدود "قرارًا أحاديًا".

الخطوة المغربية التي أُعلن عنها سنة 2017، جرى الإعداد لها على مهل، واعتبرتها الحكومات المتعاقبة من بين المشاريع ذات الأهمية القصوى بالنسبة للمغرب، خاصة مع ازدياد حاجة المملكة إلى مصادر جديدة للطاقة وللموارد الطبيعية الأخرى التي تزخر بها المناطق البحرية.

 وبحسب الوزير بوريطة الذي صرح خلال جلسة التصويت على المشاريع، فإن "التحديات على المستوى الاقتصادي تعتبر من بين المحددات التي دفعت إلى ترسيم المملكة لامتداداتها البحرية، خصوصًا المنطقة الاقتصادية الخالصة".

الهدف الذي أعلن عنه الوزير المغربي نفسه حرك الجارة إسبانيا، التي حاولت، من جانبها، التنقيب عن النفط في المنطقة البحرية بين جزر الكناري وسواحل طرفاية المغربية، لكنها توقفت بسبب الاعتراض المغربي، الأمر الذي دفعها سنة 2014، إلى تقديم طلب إلى الأمم المتحدة لترسيم الحدود البحرية بين جزر الكناري والصحراء، لكن الأمم المتحدة اعترضت لأن الطلب بحجة أن النزاع حول الصحراء لا زال قائمًا.

غضب الجيران

مباشرة بعد المصادقة على قانوني ترسيم الحدود البحرية، أطلقت أرانشا غونزاليز لايا، وزيرة الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون بحكومة المملكة الإسبانية، تصريحات غاضبة من المغرب بسبب القرار، إذ قالت بأن هناك اتفاق بين بلدها والمغرب على أن ترسيم الحدود البحرية "لا يمكن أن يتم بشكل أحادي الجانب، بل عبر اتفاق بين الطرفين".

المغرب حاول احتواء غضب الجارة الإسبانية، خصوصًا أن البلدين تجمعها علاقة ديبلوماسية قوية، الأمر الذي دفع وزير خاريجة المملكة للتصريح بأن "القرار هو خطوة جاءت كضرورة لتحيين الإطار القانوني للحدود البحرية للمغرب، لكن هذا لا يمنع بكون المملكة اختارت كمرحلة ثانية الدخول في مفاوضات مع إسبانيا للتوصل إلى حل يرضي الطرفين حيال التداخلات البحرية المحتملة بين البلدين".

وبخصوص إمكانية نشوب نزاع محتمل بين مدريد والرباط في منطقة متنازع عنها، بين الوزير المغربي أن الإجراءات الأخيرة "تشمل كل الأقاليم البحرية الخاضعة للسيادة والحقوق السيادية للمملكة المغربية، على كامل السواحل الوطنية في البحر المتوسط كما في المحيط الأطلسي دون استثناء أو نقص".

وقال الوزير المغربي إن "المغرب يظل، كما كان على الدوام، حريصًا على حقوقه ومحترمًا لالتزاماته، منفتحًا على المواقف الوطنية لدول الجوار الصديقة وحقوقها المشروعة، ومستعدًا -عند الاقتضاء– للحوار البناء الكفيل بالتوصل إلى توافقات شاملة ومنصفة".

ورغم محاولته طمأنة الجيران إلى أن الوزير اعترف بأن هذه العملية قد تؤدي إلى "تداخلات" مع البلدان المجاورة وخاصة إسبانيا، وأن حلها يتم عن طريق مبدأ الحوار،مصنفًا الإجراءات التي اتخذها المغرب في مسارين: مسار السيادة الذي انتهى مع مصادقة مجلس المستشارين على القانونين؛ ومرحلة الحوار مع إسبانيا، والتي  قال إننها "سننتقل إليها الآن".

رد الاتحاد الأوروبي

من جهته دخل الاتحاد الأوروبي، على خط هذا القضية التي وصفها بـ"المشكل"، داعيًا الرباط ومدريد إلى الحوار والتوافق لإيجاد حل وسط، وذلك على لسان جوزيف بوريل وزير الخارجية في الاتحاد الأوروبي  الذي قال إن المملكتين المغربية والإسبانية قادرتان على معالجة المشكل القائم وذلك عن طريق المعالجة في المسار الثنائي، مضيفًا أن "الاتحاد الأوروبي" لا يمكنه التدخل حتى يعجز البلدان عن إيجاد حل بينهما.

وأضاف المتحدث في لقاء أجراه مع وزير الخارجية المغربي أنه من ضرورة الحوار، والتوافق، والتفاوض بخصوص النقاط الخلافية، التي قد تطرح بين البلدين بخصوص تداخل المجالات البحرية قبالة سواحل الكناري، أو بخصوص حصة كل بلد من "جبل الكنز الأطلسي"، الذي يبدو أن حصة المغرب منه أكبر من إسبانيا، نظرًا إلى أن هذا الموقع الطبيعي أقرب إلى السواحل المغربية منه إلى نظيراتها الإسبانية.

قرار ترسيم الحدود لايزال يثير الجدل في إسبانيا، إذ يطالب برلمانيون إسبان بجلوس حكومتهم مع المغرب من أجل تحديد نقطة وسط بخصوص التداخلات المجالية، كما أن بعض أحزاب اليمين استغلت القرار السيادي للمغرب لتصفية حساباتها السياسية مع رئيس الحكومة الإسبانية، إذ وصفه بعضها بالمتواطئ مع المغرب.

تعليقًا على "مشكل" الجارتين قال محمد الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة القاضي عياض، في تصريح لـ"الترا صوت"، إنه بمصادقة البرلمان بغرفتيه بالإجماع على ترسيم الحدود يكون المغرب قد أنهى الإجراءات الآنية اللازمة قبل عرض الملف على اللجنة المختصة في نزاع البحار التابعة للأمم المتحدة.

اقرأ/ي أيضًا: رسميًا.. المغرب يُعلق اتصالاته مع الاتحاد الأوروبي

وأضاف المتحدث أن "هناك ثلاثة خيارات لا رابع لها أمام المغرب: التفاوض مع إسبانيا أو الذهاب إلى محكمة العدل الدولية أو المواجهة، وهذه الأخيرة تبقى مستبعدة في الوقت الراهن في ظل العلاقات الممتازة بين البلدين، علمًا أن هناك من يعتقد أن الملف سيكون مصيره "التجميد"، وأن "المغرب قام بما يجب القيام به وفق القانون الجديد للبحار، والباقي مرتبط بالأمم المتحدة، نظرًا إلى أن الأمر يتعلق بنزاع في سواحل تابعة لمنطقة متنازع عنها".

قرار ترسيم الحدود لايزال يثير الجدل في إسبانيا، إذ يطالب برلمانيون إسبان بجلوس حكومتهم مع المغرب من أجل تحديد نقطة وسط بخصوص التداخلات المجالية

ويرى المتحدث أن النزاع أو التداخل البحري بين المغرب وإسبانيا قبالة جزر الكناري هو شبيه نوعًا ما بالنزاعين الحدوديين البحرين بين الصومال وكينيا وقبرص وتركيا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الدلالات السياسية لعودة المغرب للاتحاد الإفريقي

"طنجة تيك".. ماذا وراء تدفق الاستثمارات الصينية نحو المغرب؟