16-فبراير-2019

حظي الحريري بثقة النواب بعد فراغ حكومي غرقت فيه البلاد (Getty)

بعد انتظار دام أكثر من تسعة أشهر، غرقت فيه لبنان في الفراغ الحكومي، أعلن سعد الحريري نهاية الشهر الماضي تشكيل الحكومة اللبنانية، وهي الثانية في عهد الرئيس ميشال عون. وقد تشكلت لجنة لإقرار البيان الوزاري الذي يتضمن الخطوط العريضة لما يفترض أن يكون عليه عمل الحكومة في الفترة القادمة.

 نالت حكومة سعد الحريري ثقة 111 نائبًا من أصل 118 حضروا الجلسة النهائية، ليبدو واضحًا أن كل الخطب الرنانة في البرلمان، لم تكن إلا محاولات لذر الرماد في عيون المواطنين

 دعا رئيس البرلمان نبيه بري، المجلس النيابي لمناقشة البيان الوزاري، والتصويت لمنح الحكومة الثقة. وطلب 68 نائبًا التعليق في الجلسة من أصل 128 نائبًا يتألف منهم المجلس. وتجدر الإشارة إلى أن الغالبية العظمى من النواب ينتمون إلى تكتلات نيابية وأحزاب ممثلة في الحكومة، وبالتالي فلا وجود لمعارضة وازنة أسوة بالأنظمة الديموقراطية، تراقب عمل الحكومة وتحاسبها عند التقصير وتكشف مكامن الفساد، بل غن الأمر في لبنان لا يتعدى كونه خطابات فضفاضة واستعراضات كلامية لغوية، فيما تمر الصفقات المشبوهة وتُختلس الأموال بدون أن تتم محاسبة مسؤول واحد حتى.

اقرأ/ي أيضًا: رواتب الساسة في لبنان.. أرقام فلكية في بلد على شفا الهاوية

وبدأت مداخلات النواب يوم الثلاثاء، حيث تكلم 15 نائبًا، وأبرز هذه الكلمات كانت لنائب حزب الله حسن فضل الله، الذي قال إنه يمتلك وثائق ومعلومات عن صفقات مشبوهة من شأنها أن تزج برؤؤس كبيرة في السجن. مع العلم أن فضل الله كان قد قال كلامًا مشابهًا قبل سنة تقريبًا، وقد عبر جمهور المتابعين عن سأمه من الخطابات الفضفاضة والهلامية، والتي لا تسمّي الأمور بأسمائها، وبالتالي فإن فضل الله وحزبه هم على الأقل مدانون بالتغطية على الفساد، في حال لم يكونوا مشاركين فيه.

وتحدّث مساءً النائب جميل السيد، والذي استفاض في الحديث عن الفساد والفاسدين، في خطاب شعبوي من أحد أبرز رموز الحكم السوري في لبنان حتى العام 2005، حيث كان يتولى إدارة الأمن العام، ويتمتع بنفوذ كبير، في الوقت الذي كان النظام السوري يخنق الحريات ويضطهد المعارضين في لبنان، ويعزز ثقافة الاستزلام والرشاوى والتبعية، وبالتالي فإن ارتداء السيد نفسه لثوب الناشط المدني الثائر المناضل لأجل حقوق المواطن والخائف على مصلحته لا يبدو لائقًا، كما يقول متابعون. وقد شهد اليوم الأول سجالًا بين النائب ميشال معوض ابن رئيس الجمهورية السابق رينيه معوض، وبين نائب حزب الله نواف الموسوي، وهو سجال كسر الرتابة التي ميّزت اليوم الأول.

شهد اليوم الثاني مداخلتين لنائبين لا ينتميان إلى أحزاب وكتل ممثلة في الحكومة هما بولا يعقوبيان وسامي الجميل. حملت يعقوبيان على الحكومة وبيانها الوزاري بشدة، وشددت بشكل أساسي على موضوع محارق النفايات المزمع إنشاؤها، حيث ذكرت المخاطر الكارثية على البيئة وعلى صحة المواطن. أما سامي جميل فقد فرأى أننا في عهد حكومة حزب الله، الأمر الذي استدعى ردًا من نواف الموسوي، قبل أن يعيد بري الأمور إلى نصابها. وقد حجب كل من الجميل ويعقوبيان ثقتهما عن الحكومة. وقد تطورت الأمور وشهدت منصات التواصل حروبًا كلامية بين مناصري الكتائب والقوات اللبنانية من جهة، ومناصري حزب الله من جهة، أُعيد خلالها استحضار خطابات وأدبيات الحرب الأهلية التي يخاف قسم كبير من اللبنانيين العودة إليها. وصولًا إلى تجمعات لمناصري الكتائب في الأشرفية، الأمر الذي هدد السلم الأهلي بشكل جدي.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا يتوقّع اللبنانيون من حكومتهم الجديدة؟

بعد توقّف الجلسات يوم الخميس، كونه يوم عطلة رسمية لتزامنه مع الذكرى الـ14 لاغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، انعقد المحلس مجددًا يوم الجمعة، وكان بارزًا فيه اعتذار النائب محمد رعد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة، التي تمثل حزب الله في الحكومة، عن استخدام زميله نواف الموسوي لمصطلحات لا تمثل الحزب حسب زعمه، حيث اعتبر رعد أن كلام الموسوي كان انفعاليًا ومتسرعًا، وطلب من الرئيس بري شطبه من محضر الجلسات.

تجدر الإشارة إلى أن الغالبية العظمى من النواب اللبنانيين ينتمون إلى تكتلات نيابية وأحزاب ممثلة في الحكومة، وبالتالي فلا وجود لمعارضة وازنة أسوة بالأنظمة الديمقراطية

في المحصلة، وكما كان متوقعًا، نالت حكومة سعد الحريري ثقة 111 نائبًا من أصل 118 حضروا الجلسة النهائية، ليبدو واضحًا أن كل الخطب الرنانة، لم تكن إلا محاولات لذر الرماد في عيون المواطنين، وإمعانًا في تنويمهم، فيما ستعطي الثقة هذه الحكومة الفرصة مرة أخرى للاستمرار في وضع اليد على مقدرات البلد، وإفقار المواطنين أكثر فأكثر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لبنان.. ولاية الفراغ

فرنجية-عون.. بين الحقل والبيدر