13-فبراير-2019

تساهم رواتب المسؤولين العالية في لبنان في الأزمة التي تعيشها البلاد (رويترز)

في الوقت الذي يعاني فيه لبنان من أزمة اقتصادية ومالية خانقة، وفي ظل التهديد الذي تواجهه مالية الدولة نهاية كل شهر، لتأمين رواتب الموظفين والاستحقاقات المالية، طفا إلى السطح مجدّدًا الحديث عن الرواتب والمخصصات التي يتقضاها الرؤساء زالوزراء، والنواب والرؤساء السابقون، والتي تفوق الأربعين مليون دولار سنويًا، بدون أي مسوغ منطقي لاستمرارهم في تقاضيها بعد انتهاء ولاياتهم.

لا يتوقف راتب المسؤول في لبنان بعد انتهاء مدة ولايته، بل إن زوجته تستمر في الحصول على الراتب حتى بعد وفاته، ما يشكل عبئًا على خزينة الدولة

علمًا أن رواتب الرؤساء والنواب زادت بشكل كبير بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب قبل سنتين، الأمر الذي يثقل كاهل خزينة الدولة. ولا يتوقف راتب المسؤول في لبنان بعد انتهاء مدة ولايته، بل إن زوجته تستمر في الحصول على الراتب حتى بعد وفاته. ويوجد اليوم في لبنان أكثر من 300 نائب سابق، إضافة إلى رؤساء جمهورية وحكومة ومجلس نواب سابقين، وأكثر من 100 نائب متوفي لا تزال أسرهم تتقاضى مخصصاتهم حتى اليوم.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا يتوقّع اللبنانيون من حكومتهم الجديدة؟

في هذا السياق، قدّم النائب سامي الجميل قبل أسابيع مشروع اقتراح إلى مجلس النواب، يقضي بإلغاء تعويضات النواب السابقين، والاكتفاء بـ75% من رواتبهم، لمدة سنة واحدة فقط بعد انتهاء ولايتهم. وقد استشهد الجميل ببعض الأمثلة، ففي أستراليا يحصل النائب على راتب بعد انتهاء ولايته لمدة 3 أشهر فقط، أما في فرنسا وبريطانيا فيتقاضى راتبًا لمدة 6 أشهر. وقد أكد الجميل أن ما يتقاضاه النواب والوزراء السابقون في لبنان، يساوي ثلاثة أضعاف ميزانية وزارة الصناعة!

من جهتها اقترحت النائب بولا يعقوبيان تخفيض مخصّصات النواب والوزراء السابقين وتعويضاتهم، كالهاتف والسيارة والسائق وغيرها. وكانت يعقوبيان قد تقدّمت بإقتراح في السابق لتخفيض رواتب النواب إلى النصف، إضافة إلى حسم مبالغ من رواتبهم في حال تغيبهم عن الجلسات. وقد شرحت موقفها، قائلة إن الأزمة الاقتصادية كبيرة في البلد، إذا لم نستطع مكافحة الفساد، فأقله يمكننا ضبط الإنفاق. وأكدت يعقوبيان أن قرارًا كهذا من شأنه أن يوفّر على الدولة 25 مليون دولارًا في السنة

ويعرف المتابعون أن حظوظ تمرير قوانين كهذه في مجلس النواب تبدو معدومة، فاللبنانيون لا ينتظرون من النواب أن يصوتّوا على قانون يمس بمصالحهم أنفسهم، حتى لو كان يصب في خدمة المصلحة العامة.

ينص القانون الساري في لبنان على أن النائب الذي ينجح في ثلاث دورات، يحصل على 75% من راتبه بعد انتهاء مدة نيابته، ويتحول هذا الراتب إلى عائلته بعد وفاته. فيما يتقاضى النائب الذي نجح في دورتين 65% من راتبه، والنائب الذي فاز في دورة واحدة يحصل على خمسين بالمئة. علمًا أن راتب النائب والوزير اليوم حوالي 8 آلاف دولار أمريكي شهريًا، بعد الإفادة من سلسلة الرتب والرواتب،  ناهيك عن المخصصات والحوافز، فيما يحصل كل من الرؤساء الثلاثة على راتب يفوق الـ11 ألف دولار في الشهر، وهي أرقام عالية جدًا في بلد يرزح تحت ديون هائلة ويعاني من اختناق اقتصادي، فيما يتغنى الساسة في الليل والنهار بأنهم موجودون في السلطة لمحاربة الهدر والفساد، والمحافظة على الأموال العامة، وانتشال البلد من الحفرة التي يقبع فيها.

وقد نشرت منظمة "المفكرة القانونية" تقريرًا حول رواتب النواب والوزراء في لبنان، فأظهرت أن رواتبهم هي من الأعلى في العالم، وتساوي حوالى 18 ضعفًا للحد الأدنى من الأجور بالرغم من الإنتاجية شبه المعدومة لهؤلاء الساسة، الذين يفترض أن يكونوا في خدمة الشعب. ويتقاعس معظم هؤلاء عن القيام بواجباتهم تجاه ناخبيهم، ويتغيبون عن الجلسات بدون أسباب موجبة، ويقتصر تحرك غالبيتهم على المناسبات الاجتماعية وتلبية الدعوات والولائم وتشكيل زعامات من خلال حشد المستزلمين حولهم، والسكن في بروج عاجية حيث لا يصلهم أنين المواطن.

اقرأ/ي أيضًا: لبنان.. فضيحة بـ2.8 مليار ليرة مسروقة من "الضمان"

ومن الأمور المضحكة المبكية، أن فضائح تظهر للعلن كل فترة، عن تهرب هؤلاء من دفع الرسوم المتوجبة عليهم، من خلال الالتفاف على القوانين والاستفادة من العلاقات، ولعل أبرز هذه الأمور كانت فضيحة إدخال سيارات فارهة بدون استيفاء الرسوم الجمركية، ما يحرم خزينة الدولة من ملايين الدولارات.

في الوقت الذي يعاني فيه لبنان من أزمة اقتصادية خانقة، وأزمة تأمين رواتب الموظفين، طفا إلى السطح مجدّدًا الحديث عن الرواتب الكبيرة التي يتقضاها الرؤساء والوزراء

في الوقت الذي تثقل فيه الضرائب والرسوم كاهل المواطن اللبناني، لا يبدو أن هناك ما يُشبع نهم الساسة للمال والجاه، في ظل غياب أية وسيلة المواطن لمحاسبتهم مع احتمائهم بالحصانة الممنوحة لهه، والقوانين الطيعة التي يلوونها بما يناسب مصلحتهم. فلمن يشكو المواطن اللبناني وجعه من مسؤوليه، وهم الخصم والحكم في آن؟

                                                                                                                  

اقرأ/ي أيضًا:

لبنان والبطالة.. هل من حل في الأفق؟

هل صحافة بيروت في موت غير معلن؟