06-فبراير-2019

لا يعلق اللبنانيون آمالًا كبيرة على الحكومة الجديدة (Getty)

في اليوم الأخير من شهر كانون الثاني/يناير 2019، أعلن سعد الحريري، رئيس الحكومة اللبنانية المكلّف، عن تشكيلة الحكومة اللبنانية الجديدة. وهذه هي الحكومة الثانية التي يشكلّها الحريري في عهد رئيس الجمهورية ميشال عون، بعد استقالة حكومته الاولى مع انتهاء مدة المجلس النيابي السابق، وانتخاب المجلس النيابي الجديد في آيار/مايو الماضي، والذي نجح حزب الله وحلفاؤه في الحصول على غالبية مقاعده. وقد تألفت الحكومة من  ثلاثين وزيرًا، وضمّت للمرة الاولى أربعة نساء، من بينهن ريا الحسن وزيرة الداخلية الجديدة، وهي المرة الأولى التي تتولى فيها امرأة وزارة الداخلية في العالم العربي.

كان لافتًا للمراقبين، أن شكل الحكومة اللبنانية الجديدة وملامحها، قريب جدًا من الصيغ التي تمّ تداولها في الأشهر الأخيرة، وبالتالي فإن التأخير لم يكن مبررًا

وأنهى تشكيل الحكومة فترة زادت عن التسعة أشهر من الفراغ الحكومي، عكست عجز الساسة اللبنانيين عن تسيير أمور البلاد، والقيام بأبسط المهام المنوطة بهم، كملء الفراغات والتعيينات الإدارية والالتزام بالمهل الدستورية وتعطيل الحكومات وإجراء الإنتخابات في مواعيدها. ويذكر أن هذه هي ثاني أطول فترة يتأخر فيها تشكيل الحكومة في تاريخ لبنان الحديث.

اقرأ/ي أيضًا: جنوب لبنان تحت سطوة المطاوعة

وكان سعد الحريري قد رفع السقف قبل أيام من تشكيل الحكومة، وهدّد بإجراءات سيقوم بها في حال تعذّر الاتفاق على الصيغة الحكومية. وقد لفتت عدة مصادر إلى أن تهديدات من عدة دول غربية وصلت للساسة اللبنانيين، طالبتهم بالتسريع في تشكيل الحكومة، لأن انهيارًا اقتصاديًا ونقديًا يلوح في الأفق.

ما جاء لافتًا للمراقبين، أن شكل الحكومة الجديدة وملامحها، قريب جدًا من الصيغ التي تمّ تداولها في الأشهر الأخيرة، وبالتالي فإن التأخير في التشكيل وإغراق البلد في الفراغ، مع ما ترتّب عليه من انكماش في الاقتصاد اللبناني، والتخوف من انهيار سعر الليرة، لم يكن له مبررات ومسوغات مقنعة، وهو نتيجة لطمع الأفرقاء والأحزاب الحاكمة في الحصول على أكبر حصة من قالب الجبنة، ووضع اليد على أكبر عدد ممكن من الوزارات، الأمر الذي يؤمن لهم أبواب جديدة لتوظيف المستلزمين والمناصرين، وتمرير الصفقات المشبوهة التي تعود عليهم بمبالغ طائلة، على حساب الميزانية العامة للدولة.

في هذا السياق، أعاد تشكيل الحكومة اللبنانية خلط الأوراق من جديد. حيث حصل حزب الله وحلفاؤه على الأغلبية المطلقة من الوزراء، من بينها عشر وزراء للتيار الوطني الحر الذي يرأسه جبران باسيل وزير الخارجية، إضافة إلى وزارة مشتركة، شغلها حسن عبد الرحيم مراد، تمّ "تقاسمها" مع ما عرف باسم اللقاء التشاوري الذي جمع النواب السنة الموالين للنظام السوري.

على الصعيد الشعبي، لا يعلّق اللبنانيون آمالًا جدية على الحكومة الجديدة، ولا يرون أي فارق بينها وبين سابقاتها، سواءً في الشكل أو في المضمون. وبالرغم من أن رئيس الحكومة أطلق تسمية "حكومة العمل" على تشكيلته الجديدة، وبالرغم من أن وزير الخارجية قد وعد بأن المعركة ضد الفساد قد انطلقت، فإن اللبنانيين لا يقيمون أي وزن لهذه الوعود، والتجارب السابقة خير دليل أمامهم، سواء في البرامج الانتخابية التي تسبق الانتخابات، أو بالبيانات الوزارية التي تتضمن وعودًا بالإصلاحات ومكافحة الفساد، والتي لا يتحقق شيء منها في الغالب.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا يستعيد اللبنانيون ملف النفايات مع الشتاء؟

وقد استخدم اللبنانيون وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن تشاؤمهم من الوضع الحالي، وانعدام ثقتهم بالطبقة الحاكمة حتى لو تشكّلت حكومة جديدة، على قاعدة أن "من جرّب المجرب كان عقله مخربًا"، ولم تغب النكات والتعليقات الساخرة التي تعكس يأسهم من الوضع المزري الذي يعيشونه. وقد عابوا على التشكيلة الجديدة غياب الكفاءات واختيار وزراء في وزارات بعيدة عن اختصاصهم العلمي والعملي، كما كان لافتًا استحداث وزارة جديدة تحت اسم "وزارة تأهيل المرأة والشباب"، وهو اسم اعترضت عليه الجمعيات النسوية وناشطو المجتمع المدني لأنه يتضمن إساءة كبيرة  للمرأة. ومن أبرز المعترضين على التسمية كانت النائب بولا يعقوبيان من خلال صفحتها على تويتر.

استخدم اللبنانيون وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن تشاؤمهم من الوضع الحالي، وانعدام ثقتهم بالطبقة الحاكمة حتى لو تشكّلت حكومة جديدة بوعود شبيهة

ومن المفارقات المضحكة المبكية، كان إلغاء وزارة مكافحة الفساد، والتي استُحدثت خلال حكومة الحريري الأولى في عهد عون، وفشلت في وضع اليد حتى على ملف واحد، فيما الفساد ينخر في جسد الدولة اللبنانية، وفي كافة المجالات، وفي وضح النهار وعلى مرأى من الجميع. وقد برّر باسيل القرار هذا بأن الوزارات جميعها ستعمل على مكافحة الفساد، وأن العمل بدأ من اليوم. وهو كلام لا يأخذه اللبنانيون على محمل الجد، كما بينوا في غير مقام.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لبنان.. فضيحة بـ2.8 مليار ليرة مسروقة من "الضمان"

لبنان كما لا نعرفه.. جرائم بمساحة الوطن