10-سبتمبر-2023
إيطاليا

نسمع الكثير من المحللين في أيامنا هذه، يتحدثون عن أسلوب لعب مدرب ما، أنه أسلوب إيطالي أو يتحول تكتيكه عندما يسجل الأهداف لاعتماد الطريقة الإيطالية في الحفاظ على تقدمه، فيتبادر إلى أذهاننا أن هذا المدرب يقوم بإغلاق منطقته بأكبر عدد من اللاعبين، ويتحول للمناطق الخلفية، لكن الحقيقة الكروية تقول إن الأسلوب الإيطالي هو من أكثر التكتيكات تعقيداً بل حتى أقدمها عبر التاريخ.

العبقري فيتوريو بوتزو وظهور أول تكتيك إيطالي

اتخذ الرسم التكتيكي للفرق في القرن التاسع عشر مع بداية كرة القدم الحديثة شكلاً واحداً، اعتمد عليه الجميع وهي خطة 2-3-5 "الهرم المقلوب"، حتى جاء الإنجليزي الشهير هربرت تشابمان الذي اعتمد على الهجوم المرتد، حيث غيّر القاعدة آنذاك التي كانت تتحدث "أن الفريق الذي يستحوذ على الكرة، هو من سيفوز"، فابتكر الرسم 3223 والتي تسمح له بجذب الخصم لملعبه، ثم لعب الكرات الطويلة للمهاجمين.

إيطاليا
فيتوريو بوتزو

تسلّم فيتوريو بوتزو تدريب منتخب بلاده إيطاليا مع بداية الثلاثينيات من القرن الماضي، وكان بوتزو من أنصار تكتيك تشابمان، لكنه أجرى عليه تعديلاً بالسماح لقلب الدفاع للتحرك بالكرة نحو منتصف الملعب، ثم توجيه التمريرات نحو الأطراف أو للمنتصف، وعرفت هذه الطريقة في إيطاليا باسم "الموتودو"، إضافة لعودة أحد لاعبي الهجوم للمنتصف " الميتزالا"، حيث حقق بوتزو من خلالها كأس العالم مرتين متتاليتين عامي 1934 و 1938، عندما أبهر العالم بأسلوبه الجديد الذي فاز به على أقوى المنتخبات آنذاك.

  نشأة الكاتيناشيو وعلاقته بالإيطاليين

ربما لا يعرف الكثيرون أن أسلوب لعب الكاتيناتشو "قفل الباب" تعود نشأته إلى سويسرا، وتحديداً للمدرب النمساوي كارل رابان، الذي ابتدع هذا الأسلوب ليمكّن فريقه سيرفيت السويسري من منافسة خصومه في أوروبا رغم قلة إمكانياتهم الفنية.

كارل رابان
كارل رابان

حيث اعتمد رابان على الرسم 1-4-2-2-1 أو 1-4-4-1 التي تضع لاعب خلف خط الدفاع يسمى "رجل القفل" وسمّي فيما بعد الليبيرو، توكل له مهمة تغطية أخطاء زملاءه عند الدفاع، وقيادة الهجمة عند استخلاص الكرة من الخصم. مكنّت هذه الخطة المدرب النمساوي من تولي زمام تدريب منتخب سويسرا، إذ أنه أقصى منتخب ألمانيا في بطولة كأس العالم 1938.

في منتصف الأربيعينيات من القرن الماضي استخدم المدرب الإيطالي نيريو روكو طريقة رابان، لكنه لعبها برسم مختلف 1-3-3-3، وكانت مهام اللاعب الليبيرو دفاعية بحتة دون التقدم للأمام أبداً، حيث نجح مع الفريق المغمور تريستينا بالحصول على وصافة دوري الدرجة الأولى الإيطالي خلف تورينو موسم 1947/1948، كما نال مع الميلان بداية الستينيات ألقاباً عديدة منها دوري الأبطال للمرة الأولى 1963.

الكاتيناتشو بصورتها الحقيقية جاءت من المدرب الأرجنتيني هليينو هيريرا عندما كان مدرباً لإنتر ميلان، حيث اعتمد على الرسم التكتيكي 1-3-4-2 في حالة الهجوم، بينما لعب 1-4-3-1-1 في حالة الدفاع.

استخدام مدربي إيطاليا لأسلوب الكاتيناتشو مع تغييرات طفيفة حسب أفكار كل مدرب، جعلت هذه الخطة تتشعب لعدد كبير من الأشكال 4-3-2-1 و1-3-3-2-1 و4-2-3-1 كل هذه تم استخدامها بالفعل وحققت نتائج كبيرة على أرض الملعب، جعلت الكاتيناتشو تنسب لهم وبرز ذلك جلياً مع مدربين كثر.

البداية من كأس العالم 1982 والمنتخب الإيطالي الذي حقق المعجزة، وجعل الجميع يعيد حساباته في احترام المنافس قبل بداية البطولات. حيث نجح المدرب إنزو برزوت بالفوز بالبطولة بعد تطبيقه لخطة كاتيناتشو عظيمة، أوقف خلالها منتخب السامبا المرشح الأول للبطولة، إذ سجل روسي هاتريك كان كفيلاً بوضع حد للأحلام البرازيلية، معتمداً على إغلاق المنطقة أمام المنافس، والقيام بهجمات مرتدة هزت العرش البرازيلي، ثم تابع الآزوري طريقه بثبات نحو اللقب فهزم بولندا في نصف النهائي، كذلك فعل ضد ألمانيا الغربية في مباراة النهائي.

روسي

المشهد الثاني كان في كأس العالم 1998 عندما كان تشيزاري مالديني مدرباً للمنتخب الأزرق، تشيزاري طبّق الكاتيناتشو بأسلوبين 1-3-3-3 و1-3-3-2-1، وقد تمكن من اصطياد خصومه عبر المرتدات السريعة والاستفادة من أخطاء الخصوم، فلعب بثلاثة مدافعين هم مالديني ونيستا وكانافارو، بينما لعب كوستاكورتا في مركز الليبيرو، إيطاليا خرجت وقتها في الدور ربع النهائي على يد البطل فرنسا بركلات الترجيح.

إلى العام 2002 وتحديداً كأس العالم الذي استضافته كوريا الجنوبية واليابان، لعب الطليان عندها في المجموعة السابعة تحت قيادة المدرب جيوفاني تراباتوني، الذي قدّم للعالم كاتيناتشو من نوع خاص، حيث اعتمد على الرسم التكتيكي 4-4-2 و4-3-2-1، حيث لعب كانافارو دور الليبيرو إلى جانب مالديني ونيستا وبانوتشي وزامبروتا، لكن المنتخب الإيطالي ودّع البطولة أمام المستضيف كوريا الجنوبية، في المباراة الشهيرة التي حملت أكثر من علامة استفهام على الأداء التحكيمي فيها.

نسمع الكثير من المحللين يصفون أسلوب اللعب الدفاعي بأنه أسلوب إيطالي، لكن الحقيقة الكروية تقول إن الأسلوب الإيطالي هو من أكثر التكتيكات تعقيداً بل حتى أقدمها عبر التاريخ.

"الكرة الهجومية تجلب الانتصارات، أما الدفاعية تجلب لك البطولات"، هذه الكلمات التي اختصر بها مدرب منتخب الآزوري مارتشيلو ليبي طريقة لعبه في كأس العالم 2006، التي اتبع فيها كاتيناتشو بأسلوب 4-2-3-1، وحقق المنتخب الإيطالي اللقب للمرة الرابعة في تاريخه، بالاعتماد على الهجوم المرتد عبر خط وسط مؤلف من كامورانيزي وبيروتا وديل بييرو وتوتي، مع ثبات للمدافعين الأربعة في الخلف، إضافة للاعبي وسط مدافعين هم بيرلو وجاتوزو.

هل تخلت إيطاليا عن أسلوبها في عهد مانشيني؟

عدم نجاح إيطاليا في التأهل لكأس العالم 2018 قرع ناقوس الخطر في أرجاء البلاد، وكان لا بد من اتخاذ خطوات سريعة وصحيحة لتفادي إعادة هذا الكابوس، فعيّن الاتحاد الإيطالي روبيرتو مانشيني على رأس المنتخب.

الثورة التي أحدثها مانشيني لم تكن في الأسماء التي مثلت المنتخب، إنما كانت في أسلوب اللعب الذي اتبعه خلال بطولة اليورو 2020، عندما تخلى عن ثوب إيطاليا المعروف، ولعب بالرسم 4-3-3، معتمداً على الظهيرين في سرعة تنفيذ الهجمات.

مانشيني

تكتيك مانشيني الهجومي سنح للآزوري بالفوز بنسبة الاستحواذ في معظم مبارياته، بل وكان الطرف صاحب المحاولات الأكثر على المرمى في جلّ جولاته. مزيج الخبرة والشباب مع التكتيك الجديد يفتح فصلاً جديداً أمام مدربي إيطاليا، كتب مشهده الأول الأنيق مانشيني، لينتظر جمهور الأزرق ما سيفعله مدربوهم في الأيام القادمة لإعادة المجد للكرة الإيطالية، وفي مقدمتهم المدرب الجديد لوتشيانو سباليتي، وربما يحدث ذلك بأسلوب خاص يسجل براءة اختراع باسم أحدهم.