23-أبريل-2020

خدمت خطّة 4-4-2 أوتو ريهاغل الذي قاد اليونان الضعيفة للفوز بيورو 2004 (Getty)

تناولنا في الجزء الأوّل لسلسلة خطط كرة القدم مفهوم التكتيك في اللعبة، وكيف كانت تعاني من التخبّط والعشوائيّة في التخطيط، وكيف أصبحت بشكل تدريجي تميل للتنظيم، من خلال استحداث أساليب اللعب، وانتقلنا في الجزء الثاني إلى الحديث عن خطة 4-4-2، فحكينا عن تكييف منتخب إنجلترا سنة 1966 الخطّة بما يناسب طريقة لعبه، فكافأته بنيل كأس العالم الوحيد في مسيرته، ثمّ انتقلنا المدرّب السوفييتي فيكتور ماسلوف الذي وضع لمسته عليها، وطوّرها بشكل جعل منه أسطورة في عالم التدريب، ونتابع الآن أبرز التحديثات على هذه الخطّة، والفرق اتّخذتها سبيلًا للوصول إلى منصّات التتويج.

ساكي ... النسخة المطورة من ماسلوف:

شهد موسم 1987/88 منعطفًا تاريخيًا للكرة الايطالية على الصعيدين المحلي و الاوروبي، عندما تسلم أريجو ساكي مهمة تدريب الميلان، والذي كان متأثرًا بأفكار وأسلوب السوفييتي ماسلوف، فقدم نسخة مطورة عن خطة 442، حيث لعب ساكي خطة الجوهرة مع نفس الأسلوب المعتمد على الضغط العالي، لكنه عوّل على الجناحين و الظهيرين في آن معا، وركّز على قوة خط الدفاع، مع اعتماده على مصيدة  التسلل، دمرت الأخيرة الكثير من أسلحة الهجوم القوية للخصوم.

يأخذ سيميوني دومًا دور الضعيف في وجه الأقوياء، وتمنحه خطّة 4-4-2 المزيد من الخيارات لتفعيل فلسفته الدفاعية

تكتيك ساكي في رسم خطته بدأ من حارس المرمى،  فأصبح يشارك في بناء الهجمة من الخلف، ويسمح له بالتقدم قليلا ليأخذ دور الليبيرو خلف خط الدفاع، ويتألّف خط الدفاع من لاعبَين في العمق، لهما قوّة بدنية هائلة، ويمتلكان قدرة عالية في التحكم بالكرة وضبط مصيدة التسلل ، إضافة إلى ظهيرين لا يكتفيان بالدفاع والهجوم فقط، بل يتحكمان بكامل الخط الجانبي للملعب، يكون ذلك إما بزيادة العمق الدفاعي أو تبادل الأدوار مع الأجنحة اثناء الهجوم، ودور الجناحان في فكر ساكي كان مقتبسا من برازيل1958، وأسلوب ماسلوف، أي إن الجناحين يعودان للوسط لزيادة العدد في عمق الوسط، والذي يتألف من لاعبَين يطلَق عليهما اسم المحور ويلعبان بأسلوب (BOX TO BOX )، أي لاعب الوسط يدافع ويهاجم معا،  واختار ساكي ثنائي هجوم متكامل قادر على التسجيل من اشباه الفرص، ويتحرك كثيرًا في الثلث الأخير من الملعب.

أريغو ساكي

جعل ساكي من لاعبي فريقه كتلة واحدة تتحرك معًا بنفس الاتجاه، والفارق بين آخر مدافع و رأس الحربة لا يتجاوز الـ35 مترًا، كما خصص حصة تدريبية يلعب فيها لاعبو فريقه مباراة دون كرة (تدريبات الاشباح )، والتي حاول كشافو ريال مدريد خلالها فهم ما يحدث موسم1988/89، قبيل مباراتهم مع الميلان في نصف نهائي البطولة الاوروبية، والتي انتهت بخماسية نظيفة لمصلحة الروسونييري .

اقرأ/ي أيضًا: من العشوائيّة إلى التنظيم.. نشأة التكتيك في كرة القدم

أذهل الميلان حينها القريب والبعيد، ونال احترام الجميع، فحقق الدوري الايطالي موسم 1987/88 والسوبر الايطالي1988، وبطولة أوروبا موسمين متتاليين 1988/89و1989/90، إضافة لفوزه بالسوبر الأوروبي مرتين1989 و1990، كذلك الظفر بكأس الانتركونتيننتال مرتين1989 و1990، ولعب ساكي بالخطة نفسها عندما تسلم تدريب منتخب ايطاليا، لكنه خسر نهائي مونديال1994 أمام البرازيل.

أوتو ريهاغل ... عراب الدفاع:

عندما تريد التحدث عن خطة 442 وتطبيقاتها الدفاعيّة، فلابد لك أن تذكر واحدًا من أكثر المدربين تعلقًا بها، الألماني أوتو ريهاغل تميّز بأسلوبه الدفاعي المخيف، والذي جعله ينال إعجاب البعض وانتقاد الكثيرين.

لعب ريهاغل بطريقة 442،  لكن وفق مفهومه الخاص، والذي لا يمكن أن تقرأه بشكله المعتاد، فخلال المباراة قد تتحول الخطة الى ستة مدافعين أو حتى سبعة في بعض الاوقات، واعتمد على أسلوب الهجوم المرتد (COUNTER ATTACK ) في معظم مبارياته، معوّلًا على سرعة أحد الجناحَين، وهو ما شكّل ورقته الرابحة دائمًا.

اقرأ/ي أيضًا: خطة 4-4-2.. مُنقذة الإنجليز ومُلهمة السوفييت

طريقته هذه جعلته ينجح مع الفرق الصغيرة والعادية، لكنها فشلت تمامًا مع الأندية الكبيرة التي دربها (بايرن ميونيخ، بوروسيا دورتموند)، ولعل إنجاز يورو 2004 مع اليونان، والذي سمي بمعجزة اليورو، يمثّل مفاجأة كبرى أمام منتخبات أوروبا القوية، أقصى ريهاغل بخطّته منتخبات قويّة للغاية، وخصوصًا فرنسا حاملة اللقب، ومنتخب التشيك القوي هجوميًا، واستطاع إنهاء مسيرة أفضل جيل لمنتخب البرتغال مستضيف البطولة، والذي جمع فيجو مع كريستيانو ، جيل ذهبي فشل مرتين أمام ريهاغل، الأولى في المباراة الافتتاحية للبطولة، والثانية في المباراة النهائيّة.

أوتو ريهاغل

خطة الـ442 لها باعٌ عبر التاريخ، ولا زال عدد كبير من الأندية يستخدم هذه الخطة، لكن التطور الكبير الذي شهدته كرة القدم في مراكز اللاعبين، إضافة للأدوار الإضافية التي منحت لهم، جعل من نجاحها امرًا صعبًا، ويعد أتلتيكو مدريد مع مدربه سيميوني أحد أبرز الأندية التي تلعب بهذه الخطة حتى الآن، سيميوني حقق نجاحًا باهرًا بها، بسبب أسلوبه الذي يعتمد على إغلاق الملعب أمام الخصم وتضييق المساحات عند الدفاع، حيث يأخذ دومًا دور الضعيف في مواجهة الأقوياء، لكنّه في الحالات الهجوميّة، يضطر إلى إعطاء المساحات  خصوصًا أمام الاجنحة.

دييغو سيميوني

هذه الخطة مستمرة و يستخدمها الكثير من المدربين والأندية الكبرى،، تبعًا لهوية المنافس، رغم نقاط ضعفها الكثيرة، فعند لعب الخصم بمهاجم خارج الصندوق، أو مهاجم ثالث مهاري، فهو يتمركز بين قلبي الدفاع و لاعب المحور، يخلق ذلك فراغًا لصالح لمهاجم الاخر، وحتى في حال عودة أحد لاعبي الوسط للدفاع و الزيادة العددية، سيمنح ذلك الخصم فرصة في كسب خط الوسط،  واللعب عن طريق الأجنحة وفتح الثغرات،  وهذا ما فعله بيب غوارديولا، اتّبع هذا الأسلوب حينما واجه فرقًا تستخدم هذه الطريقة .

اقرأ/ي أيضًا:

حكاية اللونين الأحمر والأسود.. الثنائي برلسكوني-ساكي يقود الميلان لعصره الذهبي

حكاية اللونين الأحمر والأسود.. يومٌ للميلان وأيّامٌ عليه