13-فبراير-2017

الطالب الهندي المنتحر روهيث فيمولا (فيس بوك)

"صباح الخير

لن أكون معكم وأنتم تقرؤون هذه الرسالة. لا تغضبوا منّي، أعرف أنّكم كنتم قلقين من أجلي، وأنكم أحببتموني وعاملتموني بشكل حسن. لست أشتكي من أيّ واحد منكم. مشكلتي كانت دومًا مع نفسي. أشعر بهوّة بين نفسي وجسدي، لقد أصبحت وحشًا في الآونة الأخيرة. كنت دومًا أحلم بأن أصبح كاتبًا، وها أنا ذا أكتب على الأقل هذه الرسالة".

يقول كافكا في يوميّات له لم تترجم إلى العربيّة بعد: إنّ أولى علامات الفهم هي أن يمتلك الإنسان الرغبة في الموت. هذه الحياة تبدو أنّها لا تطاق، وليس في الإمكان نيل شيء منها. على الإنسان ألّا يخجل من رغبته في الموت.

إنّ أولى علامات الفهم هي أن يمتلك الإنسان الرغبة في الموت. هذه الحياة تبدو أنّها لا تطاق، وليس في الإمكان نيل شيء منها

قرأت رسالة الانتحار التي كتبها روهيث فيمولا التي نقلت لكم مطلعها هنا. روهيث طالب في مرحلة الدكتواره في الهند، قرّر قتل نفسه بعد أن حرمته الجامعة من منحته عقابًا له على نشاطه الطلابيّ ولعدم وجود ظهر له يدعمه لأنّه من طبقة دنيا في المجتمع الهندي. تذكّرت زينب مهدي، وغيرها من الطلبة والناشطين الذين تلاحقنا قصص موتهم وانتحارهم التي فضّلنا نسيانها. حاولت البحث عن رسائل كتبها آخرون. لم أجد الكثير. شعرت بشيء من الفضول بقراءة تلك الرسائل السريعة التي كتبها أشخاص استعجلوا موتهم. ملأني الأمر بالرهبة فجأة. قرأت أكثر عن روهيث وقصّة انتحاره. ما أصغر هذا العالم، وما أقرب التعساء من بعضهم رغم اختلاف حكاياتهم.

لقد بدأ الأمر مع روهيث منذ ولادته. كان مجرّد خروجه إلى هامش الحياة الضيّق الخانق الذي حاول عبثًا فهمه كافيًا لإدراك الفاجعة التي ظنّ أنّها ستكبر كلّما كبر مع الأيّام. لم يلق روهيث أيّ تقدير في حياته، لا طفلًا ولا شابًّا. كانت تلك الروبيات القليلة التي يأخذها من الجامعة هي علامة التقدير الوحيدة التي ربّما كانت له وهمًا وحيدًا يتعلّق به وهو غارق في كآبة العيش الدنيّ. وحين حرموه ذلك الدليل الأخير على قيمته كإنسان في المجتمع الذي يعيش به، كان ذلك مهربه من المأزق الذي تورّط به والخروج من وحدته إلى عالم يظنّ أنّه أفضل.

يقول روهيث: "إنّني أكتب هذه الرسالة لأوّل مرّة. إنّها المرّة الأولى التي أكتب بها رسالة أخيرة! فاعذروني إن كنت أكتب أشياء يصعب فهمها."

اقرأ/ي أيضًا: فلنجلس هذا المساء ونكتب نعي أحدهم

الحاجة الأزليّة للكتابة، لقصّة ما، تتضخّم ربّما في لحظة الموت.

لقد كان روهيث على عجل للخروج من ألمه، لم يستطع أن يستمرّ في انتظار اللحظة التي يخرج بها من موته إلى حياة مشتهاة يجد فيها ما ضيّعه المجتمع من إنسانه وروحه.

يقول: "لقد كانت ولادتي حادثة فاجعة. لا أستطيع أن أتعافى من وحدتي في طفولتي، وأن أتجاوز مأزق ذلك الطفل الذي لم يلق في حياته أيّ تقدير كان. ربّما كنت مخطئًا طوال هذه الفترة. ربّما لم أفهم الحبّ والألم، والحياة والموت. لم يكن ثمّة ما يستدعي العجلة، ولكنّي كنت دومًا على عجل، لا أستطيع أن أنتظر أكثر حتّى أبدأ حياة ما".

الحاجة الأزليّة للكتابة، لقصّة ما، تتضخّم ربّما في لحظة الموت

يقول الشاعر ماناش باتشارجي معلقًا على انتحار روهيث: "إن كان المجتمع في بنيته التعليمية والاجتماعية والسياسية يرسّخ عقليّة التمييز بناء على حالة تراتبية من اللامساواة بين أفراده، إلى الحدّ الذي يشدّ على خناق طالب جامعيّ ويرغمه على أن لا يتصوّر أي شكل آخر من المساواة عدا الموت، فإنّه لا بدّ من التخلّص من منطق هذا المجتمع برمّته."

وتقول الشاعرة سارة تيسدايل في مذكّرة قيل إنّها كتبتها قبل انتحارها:

"حين أموت، يظللّني أبريل البهيّ

يحرّكني في ذلك الكرسيّ المنتقع بماء المطر،

قد تميل عليّ منكسر القلب،

غير أنّي لن أهتمّ.

وذاك لأني سأكون في سلام.

في هدوء كما الأشجار المورقة

لا يثني المطر سوى غصن من أغصانها".

اقرأ/ي أيضًا:
تداع حر في عالم يتهاوى
لماذا نكتب؟