24-يناير-2017

صورة تعبيرية (getty)

كتب هيوارد (ويل سميث) بطل فيلم "الجمال المواز" أو Collateral Beauty رسائله إلى الموت والحب والوقت. واخترت رسائلي الخاصة أيضًا: إلى الوعي والحرب والذاكرة.

(1)
رسالة إلى الوعي

أين كنت أيها الوعي وأنا أضع باقة الورد تلك على بوابة بيته؟ صورة الفيضان البركاني في جزر هاواي وهو ينطلق من قبل جبل عجوز إلى معدة نهر، ذكرتني بتلك الباقة التي وضعتها على باب بيته. لم أنم ليلتها. هل أفزعه كل هذا الحب؟ هل كان حبًا أو مراهقة؟ هل كانت صلاتي لاحقًا وأنا أبكي لأتجاوزه، وعيًا متأخرًا بالكارثة؟

رسالة إلى الحرب: اتركِ ما تبقى من ذكريات جيلي وأحلامهم. اتركينا نحلم ولو أمنيات باهتة، أن كان لنا في الأوطان محبون وقبور

أتت ابنتي إلى العالم تحب ألّا تفعل "ماما" أي شيء سواها. أتت وأنا أحارب طواحين الهواء لأجد نفسي. أتت وأنا أراهن الخوف أنني أنا من سيكسب المعركة. جاءت إلى العالم تريدني وقد انتهيت من معاركي أو على الأقل عقدت هدنة مع المعارك كلها، فما كان مني إلّا أن حملتها على كتفي، ورفعت الكتف الآخر ألحق بكل قطار يمكن أن يوصلني ولو حتى متأخرة. فكان كل شيء مضاعفًا. الألم والإحساس بالشيخوخة. ربما هذا هو معروفك الوحيد.

(2)
رسالة إلى الحرب

لا تخافِ، لن أبدأ رسالتي بألفاظ قبيحة، أنتِ أبشع من أي لفظ قبيح أقوله. غادرِ عقلي الباطن على الأقل. غادرِ مستقبل بلدي. اتركِ الشام وما يحيط بها. اتركِ ما تبقى من ذكريات جيلي وأحلامهم. اتركينا نحلم ولو أمنيات باهتة، أن كان لنا في الأوطان محبون وقبور. أيتها البغيضة البائسة.

اقرأ/ي أيضًا: في المترو يمكن أن تموت وحيدًا

كيف لكِ أن توشمِ زمننا القادم بوشم الموت، وجبهات محنية على المشانق في الشوارع، ترقد جوار المشهد اليومي للحياة باردة رطبة؟ ألا يكفي كل هذه الأجيال من اللاجئين، الذين قطعوا الأرض حبوًا، يحملون سنين عمرهم كالجثث فوق ظهورهم؟

ثم صنعتِ يا بنت الشر تاجًا من لحم الموتى، ومن عظامهم، لتتوجِ بها رجال نراهم كل يوم في صور النشرات والموجز. وقلتِ كلمتك الأخيرة في كتاب سيرة كل طفل وشاب. ثم سألتِ مرآتك عمن يغير وجه العالم؟

(3)
رسالة إلى الذاكرة

أهلًا بكِ. لماذا لا يجوز أن نفقدِك –ولو لبعض الوقت- كلما اشتهينا، كنوع من الهدنات المُعلنة بيننا؟ ولماذا كل هذا العذاب كلما قررت الذهاب للنوم؟ أهو ثأر أزلي بينكما جعلتما ساحته رأسي المسكين؟

أنتِ سر عذاب العالم، ومحفظة الوقت التي يضع فيها أشيائه، التي لا يريد أن ينساها. لكن الأمر مرعب حقًا أن يظل كل شيء حاضرًا إلى هذه الدرجة. الصوت والرائحة، والملمس والأنفاس، والضحكات، واللهفة التي لا زيف فيها، وتلك الموسيقى آه منها، وسفيرة الحكايات في رأسي، كلما أطفأتُ نارها، اشتعلت.

رسالة إلى الذاكرة: لماذا لا يجوز أن نفقدِك - ولو لبعض الوقت - كلما اشتهينا، كنوع من الهدنات المُعلنة بيننا؟

ولكِ أسنان تنهش كقط جائع. تتمترس في مشاهد بعينها وتعيدها. مرّات ومرّات كتعذيب معتقل أو كبرد نسيته الشمس في ديسمبر. وأنا آكل وأنا أشرب وأنا أعمل. والكلمات كالمطارق الحديدية فوق رأسي. ولا تعجبك سوى الأفعال الماضية وكأن بينكما نسب.
ولماذا تهاجمين المنام؟ ما علاقتك بعقلي الباطن المسكين؟ إنه المكان الوحيد الذي أصرف إليه أشباحي. فلماذا تذهبين إلى هناك؟

ولماذا أفضل ذاكرة أملكها هي "ذاكرة الإساءة"؟ ألا يمكنني أن أحظى بشيء أفضل من هذا؟ أن أنسى من أساؤا لي وأكون طيبة حسنة النية؟ ألا يكون العبء هكذا أقل؟ من أين أتيتِ لي بكل هذه الأحمال الثقيلة؟ ولماذا يجب أن أتحرك بها كلما فكرت في الانصراف عن التفكير بالأذى وأهله؟ ألا يكفي أنني أصنع لهم القوائم السوداء وأتصرف وفقها، ألا يمنحك ذلك شيئا من "الفخر"؟

اقرأ/ي أيضًا:
نكرهُ العمل.. يا رفيق لينين ما العمل؟
كديناصورٍ شارفَ على الانقراض
الأمل بين فيلم Love Rosie وفيلم 500 days of summer