30-أبريل-2018

مشهد من الانتخابات المصرية (حمادة الرسام/لوموند دبلوماتيك)

ترجمة  وإعداد ألترا صوت - لوموند دبلوماتيك

لماذا يقدم نظام قمعي كاره للديمقراطية أو لأي من المطالبين بها، على إجراء انتخابات؟ هذا السؤال بدا ملحًا بعد مسرحية الانتخابات المصرية، التي فاز بها الدكتاتور العسكري المصري عبد الفتاح السيسي، قبل أن تبدأ. في هذا التقرير المترجم عن صحيفة "لو موند دبلوماتيك" الفرنسية، نتطرق إلى هذا الموضوع المثير للجدل.


تساءل عمرو علي، المتخصص في علم الاجتماع: "لماذا تحب الأنظمة القمعية إجراء الانتخابات؟" في إشارة إلى إعادة انتخاب رئيس مصر الحتمي، عبدالفتاح السيسي، الذي عُرف "بالدكتاتور الأكثر قمعًا في التاريخ المصري الحديث". يواصل حديثه قائلًا: "لا يزال هناك عامل ثابت خفي"، ويضيف من خلال الكتابة في الموقع الإلكتروني المستقل الجديد والمحظور "مدى مصر"، عشية أيام التصويت من 26 إلى 28 آذار/مارس: "لا ينظر النظام إلى الانتخابات كآلية ممؤسسة في إطار عملية حكم خاضعة للمساءلة، بل كحدث مُنسق بعناية يغطي على المشهد العام لإعادة تعزيز قوة النظام، واختبار تيارات المعارضة".

استُبعد المنافسون الجادون للسيسي باستثناء "مرشح دمية" غير معروف ظهر في الدقيقة الأخيرة

يكاد يشبه ذلك الحرب الكلامية في وقت السلم، فالحرية هي العبودية، والجهل هو القوة. إن التحقيق الصادم الذي أعده علي يحمل في طياته معضلة معقدة: انتخابات بدون ديمقراطية. على سبيل المثال، اُستبعد المنافسون الجادون للسيسي من السباق الانتخابي واحدًا تلو الآخر، على خلفية العنف والفساد حسب ما هو ظاهر، بل بالاعتقال والملاحقة القضائية أيضًا، باستثناء "مرشح دمية" غير معروف ظهر في الدقيقة الأخيرة، وهو موسى مصطفى موسى، الذي صرح لصحيفة الغارديان قائلًا "لا يختلط عليكم الأمر. فقد كان حزبي يؤيد السيسي قبل أن نقرر خوض الانتخابات. ومن ثم قررنا المشاركة بعد أن اُستبعد الجميع".

اقرأ/ي أيضًا: العثور على الكومبارس أخيرًا.. سارق أحزاب سابق "ينافس" السيسي في الانتخابات

كما هو متوقع، أظهرت النتائج النهائية التي أُعلنت في الثاني من نيسان/أبريل أن السيسي قد فاز بأكثر من 97% من الأصوات الصحيحة، وهو الرقم الذي يذكرنا بفوزه الكاسح عام 2014، بينما لم يحصل موسى إلا على أقل من 3% من الأصوات. وكان الأمر المثير للدهشة، أن نسبة الأصوات الباطلة، ربما لإظهار المعارضة أو عدم الاكتراث تحت الضغط، بلغت 7% من إجمالي الأصوات.

تحب الأنظمة الاستبدادية تحقيق انتصار ساحق مضمون، أي إجراء "انتخابات صورية". وأهم ما في الأمر، أن يظل الرئيس محتفظاً بابتسامته، وإن كان كل هذا مجرد مسرحية سياسية. هذه المسرحية السياسية التي تسلي بعضهم تعني المأساة لآخرين.

قالت منى سيف، المدافعة عن حقوق الإنسان، والتي يقبع شقيقها، علاء عبدالفتاح، في السجن منذ سنوات بموجب القانون المصري المناهض للتظاهر، إنني "لا أريد الحديث عن الانتخابات"، فهي "تشرعن" سلطوية النظام. وقالت في هذا الصدد من خلال مواقع التواصل الاجتماعي الشهر الماضي، إن "السيسي جعل من السجون، وأقسام الشرطة، والمشارح جزءًا لا يتجزأ من حياتنا. فأخبار الموت، والإعدامات، والتعذيب، والاختطاف، وأحكام السجن التي تصل إلى خمس وعشر وخمسة عشر سنة، أصبحت من المفردات العادية المتكررة المستخدمة في حياتنا اليومية".

تحب الأنظمة الاستبدادية السجون أيضًا. إذ تشير تقديرات منظمات حقوق الإنسان إلى وجود عشرات الآلاف من السجناء السياسيين في سجون السيسي. فعلى الرغم من تأكيد السيسي للشعب أن "الناس يجب أن يتحدثوا بحرية". وأنه "إذا استمر الناس بتكرار مزاعم قبض الشرطة على الناس، فسوف يعتقدون أن ثمة مناخًا في مصر لا يسمح للناس بالحديث بحرية".

اقرأ/ي أيضًا: السوشال ميديا في مصر.. سخرية واسعة من انتخابات المرشح الوحيد

 

تظهر بعض الصور أجواء الانتخابات، في وسط مسيرة مؤيدة للسيسي وسط القاهرة، ووضع الديمقراطية، بينما يقبع آخرون في السجن أمام أسوار معتقل طرة المصري المُشدد سيئ السمعة، يذكروننا بقبضة الاستبداد الوحشية. تظهر في الصورة الأخيرة تغطية الصحفي حمادة الرسام بتاريخ 14 آذار/مارس 2017 للعفو الرئاسي لأكثر من 200 سجين، كانوا قد سُجنوا على خلفية "جرائم سياسية"، مثل مخالفة قانون حظر التظاهر.

جعل السيسي من السجون، وأقسام الشرطة، والمشارح جزءًا لا يتجزأ من حياة المصريين

شاهد المصور الصحفي حمادة الرسام مئات العائلات والأصدقاء ينتظرون لساعات، بعضها لسنوات، خارج أسوار مجمع سجون طرة. سأل الرسام نفسه "إذا كان هؤلاء السجناء بالغي الخطورة حقًا، لماذا يطلق السيسي سراحهم إذًا؟" وبالنظر إلى موعد إعلان هذا العفو الذي لم يأت بعد فترة طويلة من تبرئة المستبد المخلوع حسني مبارك من تهم إصدار أوامر بقتل 239 متظاهرًا خلال ثورة 2011 التي استمرت 18 يومًا، استنتج المصور الصحفي أن "النظام كان يحاول تهدئة قليل من الغضب العام: فهل من المعقول أن يتحرر مبارك، بينما يظل كل هؤلاء المتظاهرون خلف الأسوار؟".

بعد طول انتظار، عانق المحتشدون أحبابهم المحررون. يسأل الرسام نفسه ثانيةً: "هل هناك من يستحق عفوًا - ينال حريته- من بين عشرات آلاف المعتقلين أيضًا؟".

 

اقرأ/ي أيضًا:

مختصر "الهَبد" و"التهجيص" في انتخابات مصر

كيف يعمل "دماغ" الثورة المضادة في مصر؟