30-يناير-2018

موسى مصطفى موسى، كومبارس اللحظة الأخيرة في انتخابات الرئاسة المصرية (أ.ف.ب)

مرت 72 ساعة على القاهرة، من الشائعات والتسريبات والجدل حول شخصية المرشح المحتمل لأداء دور "الكومبارس" في الانتخابات الرئاسية المقبلة، أمام الرئيس عبدالفتاح السيسي، بعد اعتقال وانسحاب أبرز من أعلن عن نيته للترشح، ليبدو النظام فجأة أمام موقف مُحرج متمثل في أن يترشح السيسي وحده في الانتخابات.

في اللحظات الأخيرة، تقدم موسى مصطفى موسى رئيس حزب الغد بأوراق ترشحه للانتخابات الرئاسية، ككومبارس أمام السيسي

ولأسابيع، لم يفطن النظام لضرورة الاستعانة بـ"كومبارسات" من دولاب مبارك، واستمر النظام نحو ثلاثة أيام يبحث فيها عن سياسي مطيع يمكن السيطرة عليه، ليوافق على الترشح ليخسر بفارق كبير، لاستكمال "العرس الانتخابي" بصورة "ديمقراطية"، فأعلن السيد البدوي شحاتة رئيس حزب الوفد الترشح أمام السيسي، ثم انسحب لمّا رفضت الهيئة العليا للحزب، خاصة وأنه كان قبلها بفترة قصيرة قد أعلن تأييده للسيسي في الانتخابات.

اقرأ/ي أيضًا: سيرك الدكتاتورية: السيسي يستدعي "كومبارس" للمنافسة.. ومحاولة اغتيال جنينة

ثم في اللحظات الأخيرة، وقع الاختيار على موسى مصطفى موسى، رئيس حزب الغد، الذي وافق دون أن إعطاء مبرر منطقي لترشحه في آخر 15 دقيقة حرفيًا، كما لم يفسر لماذا تحول مؤسس حملة "مؤيدون" لحشد الشارع لتأييد السيسي إلى منافس له، ومتى حصل على توكيلات من نواب البرلمان، ومتى ذهب للكشف الطبي، وهذان شرطان أساسيان في الانتخابات.

والملاحظ في الاختيارات للكومبارسات، أنها جميعها تأتي من دولاب نظام مبارك، أي الشخصيات الغارقة في بحر سيطرة الجهات الأمنية، فهبط منحنى اختيارات نظام السيسي من السيد البدوي، الذي وإن كان محكومًا عليه في قضايا فساد مالي وإصدار شيكات بدون رصيد، إلا أنه يظل رئيس حزب عريق هو حزب الوفد؛ إلى موسى مصطفى موسى، المعروف بسارق الأحزاب، بعد أن سرق حرفيًا حزب الغد باستخدام بلطجية، من رئيسه ومؤسسه أيمن نور، في عهد حسني مبارك.

سارق الأحزاب

رجل الجهات الأمنية بامتياز، موسى مصطفى موسى، ينفذ ما يطلب منه بالنص. انضم لحزب الغد الذي أسسه أيمن نور، ليبدأ في عمله المُكلف به: شق الصف داخل الحزب، ثم إشعال صراع مدفوع من الجهات الأمنية، لوضع اليد على الحزب بالعنوة، بعد اقتحام مقره الرئيسي بالاستعانة بالبلطجية.

موسى مصطفى، وهو سياسي مصري مغمور، لا يُعرف عنه سوى واقعة سرقة حزب الغد، من المُؤكد أن ترشحه أمام السيسي هو انصياعٌ لأمر مباشر من النظام. ففضلًا عن أنّ التقدم بأوراق الترشح كان في آخر ربع ساعة من الفترة المسموح بها للترشح، لا يُعرف حتى الآن كيف استطاع جمع التوكيلات اللازمة لترشحه خلال فترة لا تتجاوز 12 ساعة، منذ إعلانه الترشح وحتى التقدم بأوراق ترشحه.

موسى مصطفى موسى، سياسي مصري مغمور، لا يُعرف عنه إلا سيطرته على حزب الغد في عهد مبارك، بالاقتحام والسرقة باستخدام البلطجية

وكان استدعاء موسى مصطفى موسى للترشح على عجل، بعد أن فشلت محاولات النظام السابقة لاستدعاء كومبارس مناسب، فبعد رفض الهيئة العليا لحزب الوفد ترشح السيد البدوي ممثلًا عن الحزب، ما دفعه للاعتذار عن أداء دور الكومبارس، الذي كان من الممكن بسببه خسارة رئاسة الحزب؛ لم يجد النظام بدًا من اللجوء لواحد من رجالات الأجهزة الأمنية المقربين والأوفياء، رغم أنه مغمور.

اقرأ/ي أيضًا: السوشال ميديا في مصر.. سخرية واسعة من انتخابات المرشح الوحيد 

والدلالة على عجلة استدعاء موسى مصطفى، أنه في الوقت الذي أعلن فيه نيته للترشح، كانت لا تزال صفحته على فيسبوك تحمل صور التأييد للسيسي في الرئاسيات المقبلة.

صورة لدعم السيسي في الانتخابات على حسام موسطى مصطفى موسى، قبل حذفها
صورة لدعم السيسي في الانتخابات على حساب موسى مصطفى موسى، قبل حذفها

مباشرة بعد الانتباه لذلك، بدأ موسى مصطفى موسى في حذف هذه الصور تباعًا. ثم صرح تصريحًا لافتًا في إحدى خطاباته، قال: "لست كومبارس". هكذا من نفسه، دون أن يتوجه إليه أحد بسؤال. ويقول المثل المصري: "اللي على راسه بطحة بيحسس عليها". الجميع يعلم أن موسى مصطفى هو كومبارس لتزيين المشهد الانتخابي لا أكثر، حتى مؤيدو السيسي يعلمون ذلك، ويُصرحون به.

والساخر في الأمر أن موسى مصطفى موسى لم يكن مؤيدًا عاديًا لترشح السيسي، كمعظم النخب السياسية في مصر، وإنما ربما أكثر تحمسًا من غيره، لتدشينه حملة "مؤيدون" تنظم تجمعات لدعم السيسي لفترة رئاسية ثانية. وعندما تم استدعاؤه للترشح، أعلن أن حملة "مؤيدون" ستتوقف، وقال: "مش داخلين الانتخابات مجاملة لأحد، ولن نقبل أن يجاملنا أحد. وإنما نريد منافسة حقيقية، ونعمل لصالح مصر فقط".

ضرورة "المحلل" وانقسام المعارضة

لا يُعرف على وجه الدقة، إذا ما كان السيسي شخصيًا يشعر بالحرج من الترشح وحده دون منافسة في الانتخابات الرئاسية، أم أنها محاولات واجتهادات من بعض رجال نظامه خوفًا من الانتقادات الغربية، خاصةً أنّه خلال الأعوام الماضية، لم يتحرج السيسي من خطوة اتخذها، لا من قتل واعتقال الآلاف، ولا حتى التنازل عن الأرض كما حدث في قضية تيران وصنافير.

بل إن بعض مؤيديه كانوا يُنظّرون لإمكانية الترشح دون منافس، مثل محمود بدر، مؤسس حركة تمرد وعضو البرلمان المصري الحالي، الذي غرّد على تويتر قائلًا إن "حالة المرشح الوحيد ليست مقصورة على مصر فقط، بل حدثت في أوقات التغيير الكبرى"، ضاربًا أمثالًا خاطئة تاريخيًا بشارل ديغول في فرنسا ونيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا وياسر عرفات في فلسطين!

لكن على كل حال، اختار النظام الدفع بمرشح "محلل" لرئاسة السيسي، استكمالًا للديموقراطية الصورية، التي يقتات بها نظام السيسي دوليًا هي والحرب على الإرهاب.

البحث عن "كومبارس" لمواجهة السيسي، كان المأزق الذي وضع النظام نفسه فيه، فبعد اعتقال رئيس الأركان الأسبق سامي عنان بتهمة التزوير والترشح دون إذن الجيش، وسبقه وتبعه انسحابات واعتقالات وتضييق لمرشحين محتملين كأحمد قنصوة الذي اعتقل، وأحمد شفيق الذي انسحب بعد ضغوط عليه، وخالد علي الذي انسحب، ومحمد أنور السادات الذي انسحب؛ بعد هذا وجد النظام نفسه في مأزق تمرير انتخابات بلا انتخاب.

وبدأ البحث عن مرشح بديل، أو ما أسماه نشطاء مصريون بـ"شحاتة" مرشح بديل، بتغريدات لإعلاميين مؤيدين للنظام، طالبوا حزب الوفد بالتقدم بمرشح، قبل أن يتراجع في اللحظة الأخيرة لرفض الهيئة العليا لحزبه الترشح باسم الحزب. أُعلن عن أسماء أخرى لكنها لم تكن مناسبة، مثل أكمل قرطام رجل الأعمال المعروف، قبل أن يُنفى الأمر، فيما يبدو بسبب توتر علاقاته بالنظام، ثم أُعلن اسم أحمد الفضالي، رئيس ما يعرف بتيار الاستقلال، وسواءً الفضالي أو تياره، فكلاهما غير مؤثرين، لولا أنه يعشق الظهور الإعلامي. وأيضًا في اللحظات الأخير تراجع أحمد الفضالي، ووقع الاختيار أخيرًا على موسى مصطفى موسى.

لا تزال المعارضة المصرية في انقسامها، فرغم الاتفاق على هزلية الانتخابات إلا أنّ التصريح بذلك جاء منقسمًا في بيانين منفصلين!

في المقابل، لا تزال المعارضة المصرية في انقسامها، فرغم الاتفاق الضمني على مسرحية الانتخابات الرئاسية، إلا أنّ الإعلان عن ذلك، وعن رفضها والتنديد بها والدعوة لمقاطعتها، جاء منقسمًا ايضًا في بيانين، أحدهما تضمن توقيع عبدالمنعم أبو الفتوح ومحمد أنور السادات وحازم حسني وهشام جنينة وعصام حجي، والآخر لمن أسمت نفسها بـ"القوى المدنية الديمقراطية"، تضمن أسماء خالد علي وحمدين صباحي وآخرين.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

من حكايات الجنرال الخطير

"الهيئة الوطنية" تزاحم الإشراف القضائي على الانتخابات في مصر