30-مارس-2018

الرقص سمة مميزة للانتخابات الرئاسية المصرية الأخيرة (APA)

انتهت عملية التصويت على اختيار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. ولا يُعرف على وجه الدقة طبيعة هذه العملية، هل هي اقتراع لاستفتاء بروح الانتخابات؟ أم انتخابات يلتزم فيها المواطن باختيارات الاستفتاء؟ كما طالب الرئيس المصري ذو الخلفية العسكرية عبدالفتاح السيسي: "انزل واختار نعم أو لا". 

كانت الانتخابات المصرية الأخيرة مزيجًا من "الهَبْد" و"التهجيص"، وهما تعبيران يستخدمان للإشارة للشيء في غير موضعه والتحايل والتلفيق

في النهاية نحن أمام واحدة من أكثر العمليات الاقتراع بلاهة، ويمكن وصفها بالتعبيرات الجديدة الدارجة في مصر "هَبْد"، والتي تعني الحديث أو الكتابة والتصريح بأي كلام في غير موضعه، وهكذا كانت انتخابات الرئاسة المصرية الأخيرة مزيج من الهبد والتهجيص، والتهجيص تعبير يستخدم للإشارة إلى الكذب والتحايل والتلفيق.

اقرأ/ي أيضًا: "احتيال وفبركة".. ماذا قالت الصحف الأجنبية عن الانتخابات المصرية؟

سبَقَنا إعلان الهيئة العليا للانتخابات، عن فوز السيسي بشكل رسمي، وسأحاول الإشارة لبعض الخاسرين والفائزين من تلك الانتخابات الهزلية، كما سأحاول أن أختصر الأيام الثلاثة للتصويت، وأرصد ما حدث في مصر. سأبتعد عن عناصر السياسة والتحليل العميق لما حدث، فالأمر لا يحتاج أكثر من رواية ما حدث لتعيش أحداث سيناريو كوميدي، لا يضحك أحيانًا، حيث وصلات الرقص المستفزة، والانتهاكات المتكررة من استخدام الدعاية وقت فترة الصمت الانتخابي، واستخدام تلاميذ المدارس وتأجير العارضات، والتخويف بالغرامة، وانتشار الوشايات، لدرجة قيام صحفية بمؤسسة صحفية تابعة للدولة، بالإبلاغ عن مراسلة صحفية أجنبية.

ستشاهد أكبر عملية تزييف ببلاهة، وصلت لدرجة التزييف في الأرصاد الجوية لأغراض سياسية، وذلك بتصريح أحمد عبدالله رئيس هيئة الأرصاد الجوية، خلال مداخلة مع حمدي رزق، على قناة صدى البلد مساء يوم الثلاثاء الماضي: "جماعة الإخوان بتقول إن بكره في عواصف وأتربه ومتنزلوش من بيتكم علشان التراب ميدخلش في عنيكم". قهقه رزق، فقال عبدالله: "ييجي في عنيهم إن شاء الله"، ثم أخذ الاثنين في الضحك، قبل أن يضيف عبدالله بشكل حاسم: "مفيش عواصف ولا أتربة والجو جميل". ثم جاء يوم الأربعاء بعواصف ترابية غطت المحافظات باللون الأصفر القاتم!

"فين الناس يا عباس؟"

زُيّف الرصد الجوي، وفشل عباس أيضًا فشلًا واضحًا للجميع. ولم لا يعرف عباس كامل، فهو الرجل الأكثر نفوذًا في مصر، ليس فقط لأنه مدير مكتب السيسي وحامل أسراره، وذراعه اليمنى، ولكن أُضيفت لهذه إدارته للاستخبارات العامة حتى تعيين آخر بدلًا من خالد فوزي. وعباس أيضًا هو المسيطر الرئيسي على وسائل الإعلام والنخبة المصرية، و"مدير كل شيء".

المهم أن عباس فشل، وظلت اللجان خاويه إلا من بعض كبار السن، فلم يفلح ما فعله الرجل قبل الانتخابات بداية من استخدام الداخلية في الضغط على المواطنين وتهديدهم بضرورة النزول للانتخابات وإلا ستحرر لأصحاب المحلات التجارية محاضر إشغال طريق، وهي الطريقة التي استخدمت لإجبار البعض على وضع لافتات تؤدي الرئيس قبل الانتخابات.

مرورًا بالضغوط على الموظفين الحكوميين للمشاركة في "العرس الانتخابي"، ولعل فيديو مدير المدرسة الذي أكد المعلمين أن أسماء الممتنعين عن التصويت، سترسل للأجهزة الأمنية دليلٌ على ذلك. 

وعمومًا كان للمدارس دور بارز في التمهيد للانتخابات، بالقرار غير المعلن من وزارة التربية والتعليم، بتعميم أغنية "قالوا إيه علينا دول"، والتي سبقت الانتخابات بنحو شهر. لم يتوقف الأمر عند ذلك فقط ولكن انتشرت ظاهرة خروج طلاب المدارس في مظاهرات تأييد للسيسي خلال أيام الانتخابات!

 

 

لا فائدة من الرشوة والتخويف

عباس أصدر توجيهات للجميع بالمساهمة في حشد المواطنين، فصدر عدد لا متناهي من التصريحات الحكومية العجيبة، مثل تصريح خالد عبدالعزيز، وزير الشباب، قبل الانتخابات بعدة أيام، حين قال إن الوزارة رصدت خمسة جوائز مالية للمحافظات التي تحقق أعلى نسبة مشاركة في الانتخابات الرئاسية!

أما محافظ مطروح، فقد أعلن قبل الانتخابات عن منح 500 عمرة للمواطنين المشاركين في الانتخابات الرئاسية يدفعها رجال أعمال، ومحافظ أسوان أعلن عن تخصيص جائزة مالية للوحدات المحلية التي ستحقق أعلى نسبة تصويت في الانتخابات الرئاسية، كمكافأة لموظفي الوحدات المحلية، بينما قالت نادية عبده، محافظة البحيرة، في تصريحات صحفية، إن القري الأعلى مشاركة في الانتخابات ستحظى بحل مشاكلها في المياه والصرف الصحي، ومحافظ القليوبية أعلن عن مكافأة تشجيعية، بتخصيص 100 ألف جنيه لأعلى أبرشية (جزء من النظام المركزي للكنيسة) يشارك أقباطها في الانتخابات. وبالنسبة للمسلمين، فأعلن عن عمرتين في شهر شعبان، لإدارة الحي أو المركز الذي يحقق نسبة 40% من المشاركة في الانتخابات.

وفي محافظة الوادي الجديد، أعلن المحافظ عن مكافأة بقيمة 15 مليون جنيهًا، لأعلى خمسة قرى تصويتُا في الانتخابات، فيما أعلن سكرتير عام محافظة المنوفية عن مكافأة مالية بنحو 350 ألف جنيه للمركز أو المدينة الأعلى مشاركة في الانتخابات.

مع كل ذلك، لم يشهد اليوم الأول للانتخابات مشاركة قوية، فدفع عباس الإعلام إلى تخويف المواطنين والضغط عليهم بقضية الغرامة، وكذلك استخدام النواب في الحشد في دوائرهم، ولكن ضعف ضعبية النواب دفعهم لتقديم رشاوى انتخابية، رصدت بعضها في مقاطع فيديو، كان أبرزها للنائب عصام خلاف، الذي وعد من سيشارك في التصويت في اليومين الثاني والثالث بحقائب تموينية.

 

 

وقد أدت الرشاوي وعمليات تخويف المواطنين للمشاركة في الانتخابات، إلى مهازل في أوراق الاقتراع، التي وجد في بعضها ألفاظًا خارجة، وصورًا ورسومات ورسائل. وقد رصدت صحيفة المصري اليوم بعضها.

لم تنجح محاولات الرشوة العلنية ولا التخويف في مصر، من الوصول ولو لنسب المشاركة التي كانت عليها الانتخابات الرئاسية السابقة

مع كل ذلك، ومع التخويف بالغرامة التي قيل إنها ستقتص من رواتب الموظفين؛ لم تصل نسبة المشاركة حتى إلى ما كانت عليه في الانتخابات السابقة، ويعطي ذلك مؤشرًا واضحًا لاضمحلال شعبية السيسي، الذي لم تعد نحنحته دافعًا لشرائح من المواطنين للمشاركة في أعراسه السياسية.

اقرأ/ي أيضًا: "وهم الرئيس".. فيلم السيسي الممل لإقناع المصريين بشبه الانتخابات

أقوى وشاية

أسماء البكري الصحفية في صحيفة الأخبار التابعة للدولة، تمكنت من التقدم على الجميع فيما يخص الوشاية، في سابقة لم تحدث في مصر من قبل، لتُبلّغ على الهواء مباشرة (الدقيقة 19:40) خلال مؤتمر للهيئة الوطنية للانتخابات، عن مراسلة الإندبندنت البريطانية، فقالت إنها نشرت شهادات عن تكرار التصويت لأكثر من مرة، والاعتماد على حشد الكنيسة في الانتخابات. وطلبت أسماء بكري بلهجة تحريضية التعاون بين الهيئة العليا للانتخابات وهيئة الاستعلامات لسحب تصريح المراسلة الأجنبية. 

 

ما قامت به أسماء لم يكن إلا بداية، فمع انتهاء أيام الاقتراع بدأت حملة شبه منظمة ضد صحيفة المصري اليوم بسبب عنوان خرج عن أدبيات التملق المعتاد من الصحف المصرية. وهي حملة متوقعة من نظام يصنع مواطنين بدرجة مخبرين، حيث يتقمص المواطن دور ضابط المباحث. 

 

التحول هذه المرة في استهداف الصحافة بشكل مباشر في عمليات وشاية صريحة، وقد تحول صحفيون لنجوم جدد في سماء المخبرين.

وبدأت الوشاية على المصري اليوم من صحيفة الدستور التي كانت صاحبة السبق في الهجوم الصحيفة الزميلة، بعد أن نشرت في اليوم الثالث للانتخابات مانشيت رئيسي: "الدولة تحشد الناخبين في آخر أيام الانتخابات"، لتخرج الدستور بتقرير أقرب للتقارير الأمنية منه للتقارير الصحفية، كتبته سمر عبدالله، جاء تحت عنوان "بعد فضيحة المانشيت.. لمصلحة من يعمل صلاح دياب؟" (صلاح دياب رئيس مجلس إدارة المصري اليوم).

وتركز تقرير الدستور على كشف الدور المزعوم للمصري اليوم في تنفيذ "مخطط أهل الشر لإفساد الانتخابات!". الغريب أن الدستور هو أول موقع يحصل على تصريح من المحامي سمير صبري حول تقدمه ببلاغ للنائب العام ضد المصري اليوم، وهو الأمر الذي تم في صباح اليوم التالي (الخميس)، وقد أحال النائب العام البلاغ للتحقيق. 

أمّا الحادث الثالث المتعلق بـ"الوشاية"، فجاء من طرف أحد "المواطنين الشرفاء" كما تحب أن تطلق عليهم الدولة، وهي سيدة مؤيدة للسيسي، حاولت تحريض المواطنين على فريق عمل "بي بي سي" أثناء تغطيته للانتخابا في منطقة السيدة زينب بوسط القاهرة.

الهَبْد الصحفي والسوشيال ميديا

الفراغ الذي استمر لثلاثة أيام في مراكز الاقتراع، دفع بعض الصحفيين المصريين لصنع أخبار بلا أي معنى أو سبب، وبصياغة صحفية مبالغ فيها، وكذلك نشر أخبار دون تحقق منها، كانت سببًا في السخرية من إعلام عباس كامل.

وكانت أبرز لقطات "الهبد" الصحفي، خبر "وفد الكونغرس" الذي يراقب الانتخابات في المنوفية، ويؤدي فقرة رقص ويأكل الفطير والجبن والعسل. انتشرت لقطات مصورة لهذا الوفد المزعوم على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن يكشف موقع المنصة حقيقة ذلك الوفد المزعوم، وهما رجلان تم استدعاؤهما لتمثيل دور الرقابة من الكونغرس. عقب ذلك حُجب موقع المنصة في مصر! 

قصة أخرى طريفة من قصص الهبد الصحفي، نشرتها صحيفة اليوم السابع عن "بريطانيتين" خلال مرورهما على لجان الانتخابات في الأقصر، تحدثتا إلى مراسل اليوم السابع، وصرحتا بأن "السيسي يقدم لمصر أكثر من رئيس أمريكا لبلاده". ولا نعرف ما العلاقة بين بريطانيا وبين أمريكا، أو ما وجه المقارنة بين الرئيس المصري والرئيس الأمريكي. ومع انكشاف حقيقة قصة "وفد الكونغرس"، تبرز الشكوك أيضًا حول قصة السيدتين البريطانيتين.

وبعيدًا عن الأجانب، وقريبًا من اللجان الانتخابية، كان الرقص سمة مميزة لانتخابات هذه المرة، أضيف إليها ظاهرة العارضات اللواتي يتم استئجارهن باليوم للرقص أمام اللجان.

 

 

الطريف، وهو ما يدخل في إطار "الهبد" الصحفي، أن الإعلامي المصري عماد أديب، وجد تأويلًا غير مسبوق لظاهرة الرقص، وهو: "الرقص أمام اللجان زي استقبال الرسول في الهجرة"! 

وليس الرقص وحده الذي انتشر أمام اللجان، وإنما أيضًا الصراخ في حب السيسي! كما يظهر مقطع فيديو لسيدة ظلت تصرخ "يا سيسي.. يا سيسي"، ثم تفقد الوعي قليلًا، وتظل مع ذلك تصرخ بصوت خافت "تحيا مصر.. تحيا مصر"!

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

السوشال ميديا في مصر.. سخرية واسعة من انتخابات المرشح الوحيد

كيف يعمل "دماغ" الثورة المضادة في مصر؟