18-يوليو-2017

جدارية في الدوحة (أ.ف.ب)

نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية مقالًا تحليليًا عن الحصار المفروض على قطر من الأخوة الأعداء، وجدواه بالنسبة للدول المحاصرة بعد مرور أكثر من شهر عليه. ويوضح التحليل كيف أنّ مساعي كل من السعودية والإمارات، اللتين تقودان الحملة الممنهجة ضد قطر، تبوء بالفشل، وبدلًا من أن تحقق أهدافها في إرضاخ قطر بعزلها، فتحت للأخيرة مجالات أوسع في العلاقات الإقليمية والدولية. وفي السطور التالية يقدم لكم "ألترا صوت" المقال مترجمًا بتصرف.


يصعب تصور أن قادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، تخيلوا أن الأمر سينتهي بهذا الشكل. وقد وصف مسؤولون من الحكومتين، بالإضافة إلى الشريكين المساعدين مصر والبحرين؛ الجزاءات العقابية التي فرضوها جماعيًا على قطر في مطلع شهر حزيران/يونيو الماضي، باعتبارها إجراءً "مؤسفًا لكن ضروريًا"، ويهدف إلى إخضاع القطريين المزعجين بالنسبة إليهم، مثلما لو كانت دولة قطر، التي يتهمها جيرانها بإثارة التطرف القريب والبعيد، طفلًا جامحًا يحتاج إلى تأديب.

تبالغ كل من السعودية والإمارات في تقدير فرص نجاحهما، ويبدو ذلك من حصارهما لقطر والذي لا يبدو أنه يحقق أهدافه

لكن في العالم المتنامي للجغرافيا السياسية، لا يبدو أن التحرك السعودي والإماراتي ضد الدوحة يحقق أهدافه، وبدلًا من عزل قطر، فقد عزز الحصار علاقاتها مع القوتين الإقليميتين تركيا وإيران، ولم تنضم إلى ذلك الحصار عمان والكويت، وهما دولتان في مجلس التعاون الخليجي، ولا تزال الإمدادات الغذائية وغيرها من السلع تتدفق إلى أرصفة قطر ومطاراتها، وبغض النظر عن الرسائل المختلطة الصادرة عن البيت الأبيض، يبدو أن الدبلوماسيين الأمريكيين يضغطون من أجل المصالحة والتفاوض مع قطر، بدلًا من السعي إلى موافقة الدوحة على المطالب السعودية والإماراتية.

اقرأ/ي أيضًا: اقتصاد قطر في ازدهار بعد شهر من حصار الأشقاء

يقول مارك لينش، الخبير في شؤون الشرق الأوسط بجامعة جورج واشنطن، إنه "مثلما فعلتا في حربهما الكارثية باليمن، بالغت السعودية والإمارات بشدة في تقدير فرص نجاحهما، وفشلتا في وضع خطة بديلة معقولة في حال لم تجرِ الأمور مثلما خططا"، مُضيفًا: "يبدو أن المجموعة الرباعية المضادة لقطر، قد بالغت في تقدير المخاوف القطرية من العزلة عن دول مجلس التعاون الخليجي، وفي قدرتها هي نفسها على إلحاق الضرر بجارتها".

وأشار تقرير نشرته واشنطن بوست هذا الأسبوع، إلى "الإحراج" الذي تواجهه الدول المقاطعة، فوفقًا لمسؤولين في المخابرات الأمريكية لم يُكشف عن أسمائهم، فقد كانت الإمارات وراء الاختراق المشين في أواخر شهر أيار/مايو لمواقع الحكومة القطرية الإخبارية، وصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو الاختراق الذي ساعد في تحريك الأزمة، إذ نسب اقتباسات كاذبة عن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، فيها احتفاء بإيران كـ"قوة إسلامية"، وإشادة بحركة حماس.

ورغم إنكار الدوحة الصريح، جعل الغضب كلًا من السعودية والإمارات والبحرين ومصر يقاطعون الإعلام القطري، ثم يقطعون العلاقات مع الدوحة ويفرضون مقاطعتهم التجارية والدبلوماسية. وقال كارين ديونج، وإيلين ناكاشيما، بالواشنطن بوست، إن المسؤولين الأمريكيين "أدركوا الأسبوع الماضي أن المعلومات التي تم تحليلها حديثًا، والتي جمعتها وكالات الاستخبارات الأمريكية، أكدت أنه في الثالث والعشرين من أيار/مايو، ناقش كبار أعضاء حكومة الإمارات الخطة وتطبيقها". وأضافا: "قال المسؤولون إنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الإمارات قد قامت بعمليات الاختراق بنفسها أو تعاقدت مع آخرين لتنفيذها".

الأزمة الحالية هي امتداد لخلافات وتوترات قديمة مع قطر، التي أثارت غضب السعودية والإمارات بسبب مسارها الدبلوماسي المستقل

وهناك سوابق كثيرة للشائعات والإساءات المبطنة، التي تأجج التوتر في هذا الجزء من العالم، فبعد توتر علاقات بعض دول الخليج مع قطر عام 2014، انتشرت تقارير إخبارية كاذبة بشأن منع المواطنين السعوديين والإماراتيين من ارتياد متجر هارودز، وهو متجر في لندن مملوك لصندوق الثروة السيادية القطري.

اقرأ/ي أيضًا: قطر تدفع ثمن الاستقلالية عن وصاية "شيخ القبيلة"!

ويوضح المحللون أن الأزمة الحالية هي امتداد لخلافات وتوترات قديمة مع قطر، ما أثار غضب جيرانها الأكبر باستخدام ثرواتها للعب دور كبير مُستقل على الساحة العالمية. وفي هذا الصدد، ثمّة مشاحنات حول دعم وكلاء مختلفين في نزاعات بسوريا وليبيا، بالإضافة إلى تغطية شبكة الجزيرة التي تمولها قطر، والتي ترغب الرياض وأبوظبي في إغلاقها.

واتخذت قطر مسارًا دبلوماسيًا مستقلًا عن الوصاية السعودية أو الإماراتية، فاستضافت مكاتب سياسية لجماعات مثل طالبان وحماس في محاولة للتوسط في النزاعات الإقليمية، وعن هذا كتب ديكلان والش من صحيفة نيويورك تايمز، أنه "إلى جانب سيارات الليموزين والمراكب الشراعية الراسية في الخليج، باتت الدوحة مقرًا لمجموعات مختلفة سياسيًا وأيديولوجيًا، فأصبحت مدينة محايدة شبيهة بفيينا خلال الحرب الباردة".

هذا ولا تزال الأزمة مستمرة في الخليج العربي، ففي الأسبوع الماضي، أجرى وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون جولة خليجية متنقلًا بين الكويت وقطر والسعودية، للوساطة في محاولة لتهدئة الأزمة، فالدول المتنازعة كلها من حلفاء الولايات المتحدة؛ فقطر تستضيف أكبر قاعدة عسكرية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتيلرسون يفضل أن يهدأ الجميع ويعودوا إلى القضايا الأخرى، لا سيما الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لكن جهوده لم تؤتِ ثمارها بعد.

نشرت السفارة السعودية في واشنطن حديثًا لترامب انتقد فيه قطر، ما يُؤكد على التنافر بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية

وفي الدوحة قام تيلرسون بمناورة علنية، بالتوقيع على مذكرة اتفاق تعهدت فيها قطر ببذل مزيد من الجهد لمحاربة تمويل الجماعات المتطرفة في الشرق الأوسط والمناطق الأخرى. وسرعان ما صار موقف الدول المقاطعة مثار سخرية، إذ كتب كارول موريلو من الواشنطن بوست: "تفاخر القطريون بأنهم أول من وقع على مثل هذا الاتفاق في المنطقة، وحثوا العرب المتحالفين ضدهم على فعل الشيء نفسه"، مُضيفًا: "نسبت الدول الأربع التي تقود الحصار الفضل لنفسها للضغط على قطر للتوقيع علي تلك الاتفاقية، وفي الوقت نفسه، رفضتها لكونها غير كافية بالنسبة إليها لإنهاء المقاطعة"!

اقرأ/ي أيضًا: سفير قطر في موسكو: بلادي محاصرة والمستهدف هو أحلام الشعوب العربية بالتغيير

من جهة أُخرى، شهد أمس الإثنين نشر السفارة السعودية في واشنطن تغريدات على تويتر تضم أجزاءً من مقابلة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، انتقد فيها قطر، ليكون ذلك مثالًا آخر على التنافر بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية، وربما أيضًا تذكير بأن أزمة العلاقات الخليجية لن تنتهي قريبًا، مع وجود إدارة مترددة ومنقسمة في الولايات المتحدة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الغاز.. العنصر الغائب في تفسير حرب السعودية على قطر

قطع العلاقات مع قطر.. كل شيء عن مؤامرة أبوظبي