03-مارس-2024
التعلم النشط وما الإيجابيات والسلبيات

التعلم النشط والإيجابيات والسلبيات

يقول المثل الصيني المشهور "لا تعطني سمكة، بل علمني كيف أصطاد"، بمعنى آخر تشبعني يومًا إن أطعمتني سمكة وتشبعني كل يوم إن علمتني الصيد، ولما كان العلم للإنسان ـأو ما يجب أن يكون عليه- أمرًا غريزيًا جاء التشبيه السابق، ربما يسأل سائل وما تراها العلاقة بين المثل السابق والتعلم النشط؟ 

أجيب: إن التعلم النشط مصطلح يعني بالدرجة الأولى تعليم الطالب كيفية الحصول على العلم لا إعطاءه على طبق من ذهب كما جرت العادة، في التعلم النشط لم يعد المعلم هو مصدر المعرفة الوحيد وليس هو فقط من تقع على عاتقه العملية التعليمية، فكيف ذلك؟ وما هو التعلم النشط؟ وما هي إيجابياته وسلبياته؟ هذا ما سنجيب عنه في المقال الذي بين أيديكم.

 

مفهوم التعلم النشط؟

يعرف التعلم النشط بأنه مجموعة من الاستراتيجيات الخاصة بنظم التعليم الحديثة والتي تقتضي إشراك الطالب في العملية التعليمية خلافًا لما هو متعارف عليه سابقًا من كون الطالب متلقيًا فقط، فحسب مفهوم التعلم النشط على الطالب أن يكون فاعلًا من حيث جلب المعلومة ومناقشتها بطرق مبتكرة بعد الدعم اللازم من المعلم لإنجاح سير الطرح والنقاش والتحليل.

يحفز التعلم النشط الطلبة على التفكير الناقد وإبداء ما يجول بخواطرهم دون خوف أو تردد

التعلم النشط.. الإيجابيات والسلبيات

كأي شأن من الشؤون كان للتعلم النشط إيجابيات وسلبيات عديدة يمكن ذكرها على النحو التالي:

إيجابيات التعلم النشط

للتعلم النشط إيجابيات كثيرة منها:

  1. يحفز التعلم النشط الطلبة على التفكير الناقد وإبداء ما يجول بخواطرهم دون خوف أو تردد.
  2. يساهم في كسر الجمود داخل القاعة الصفية.
  3. يعمق ثقة الطالب بنفسه لكونه مشاركًا في النقاش وليس متلقيًا فقط.
  4. يطور مهارات الطلبة في حل المشكلات.
  5. يزيد من مهارة العمل الجماعي عند الطلبة.
  6. يتيح حيزًا للطالب لخوض التجربة والتعلم منها.

سلبيات التعلم النشط

للتعلم النشط سلبيات منها:

  1. يستغرق التعلم النشط في كل استراتيجية وقتًا أكبر مما هو متعارف عليه عادة عندما يتعلق الأمر بالتعلم التقليدي، يعود ذلك لإتاحة فرصة للطلبة في التحدث والنقاش فيما بينهم وتحت إدارة معلمهم.
  2. يعتمد التعلم النشط على المشاركة والحوار بين الطلبة بشكل كبير مما قد يتسبب في إهمال حفظ بعض المعلومات التي يجب على الطالب الإلمام بها بحذافيرها داخل المدرسة.
  3. يقتصر التعلم النشط غالبًا على استقطاب مجموعة الطلبة الذين يتمتعون بقدرة كلامية وشخصية تتمتع بالاستقلالية والقيادية، وغالبًا ما يكون هذا على حساب بقية الطلبة.

إيجابيات التعلم النشط وسلبياته
يستغرق التعلم النشط في كل استراتيجية وقتًا أكبر مما هو متعارف عليه عادة عندما يتعلق الأمر بالتعلم التقليدي

 

التعلم النشط..ما بين الأصالة والمعاصرة

أينما يممت ابحث عن الفلسفة، فهي طريق المعرفة الأول والأوسع. في إحدى أهم الروايات العالمية للكاتب الفذ جوستاين غاردر وهي رواية عالم صوفي، يوجه المعلم سؤالًا واحدًا مباشرًا لتلميذته: من أنت؟ سؤال واحد من كلمتين اثنتين كان بوابة للمعرفة ولجتها صوفي أمندسن معتمدة على السؤال "درب المعرفة الأول"، حتى وصلت للغاية المرجوة (استهلال طريق المعرفة بالاعتماد على العقل والتجربة). وفي بحثنا عن أصل مصطلح التعلم النشط سنلحظ حداثة المصطلح وأصالة الطريقة والأسلوب والتي ترتبط بشكل أساسي بالفلسفة.

انتشر مصطلح التعلم النشط ما بين سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، ويرتكز مفهومه بشكل أساسي على النظرية البنائية في الفلسفة والتي تشير إلى عملية بناء المعلومات عند البشر اعتمادًا على تجاربهم وخبراتهم وتفاعلهم مع المجتمع المحيط، مما يؤدي إلى الوصول للمعلومة الصحيحة -غالبًا- بشكل يستحيل معه نسيانها.

وهكذا دواليك منذ الأزل، فقد كان التعلم النشط قديمًا أسلوب حياة ومنهجًا فطريًا في التعامل مع الحياة واكتشافها وسبر أغوار معارفها، الآن، بتنا بحاجة إلى من ينظم لنا استراتيجيات واضحة وأساليب مبتكرة لنمارس أساليب التعلم النشط في مدارسنا وجامعاتنا، فهل تراها الفطرة التي تشوهت أم أننا فقدنا قدرتنا على السؤال "درب المعرفة الأول"؟

في الواقع صار التشديد على إدخال مفهوم التعلم النشط في المدارس والجامعات لزاميًا بعد ركون معظم المعلمين والمعنيين بالشؤون التعليمية إلى التعليم التقليدي المعتمد على التلقين فقط، والذي يجعل من الطالب عنصرًا مستهلكًا وغير قادر على التفكير السليم في استقصاء المعرفة والوصول إلى النتيجة، مما يعني تهدم أصيل في مفهوم العلم والتعلم عامة، الآن، تطالب معظم المدارس في مختلف دول العالم بأن يكون المعلم على أعلى درجة ممكنة من الابتكار في أساليب واستراتيجيات التعلم النشط، والكثير من المؤسسات تدعو إلى إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم، لعل هذا يكون سببًا في انتشال مؤسسات التعليم مما تعانيه من انحدار في السنوات القليلة المنصرمة.

على المعلم أن يكون إداريًا ناجحًا ليتمكن من إنجاح استراتيجيات التعلم النشط وأن يتمتع بجاذبية وشخصية قيادية تمكنه من السيطرة دون فرض وجهة نظره.

التعلم النشط..منظومة سهلة ممتنعة

على أن استراتيجيات التعلم النشط تتطلب إشراك الطالب في العملية التعليمية مما يخفف الحمل قليلًا عن كاهل المعلم، إلا أن هذا يخلق عبئًا من نوع آخر عليه، فهو مطالب بالتيقظ الدائم وسرعة البديهة التي عليه استخدامها للتعاطي مع ما يمكن أن يطرح من أخطاء في المعلومات المقدمة من الطلبة مثلًا، أو القدرة على احتواء الجلسة النقاشية بشكل فعال.

على المعلم أن يكون إداريًا ناجحًا ليتمكن من إنجاح استراتيجيات التعلم النشط عامة وأن يتمتع بجاذبية وشخصية قيادية تمكنه من السيطرة دون فرض وجهة نظره.

تجدر الإشارة هنا إلى أهمية تقديم الوسائل اللازمة من قبل المؤسسات التعليمية الرسمية في الدولة للمعلم من تزويده بالأدوات اللازمة تقنيًا مثلًا، كما يجب التنبه إلى إمكانية تطبيق استراتيجيات التعلم النشط من عدمه في ظل منهاج يعاني من الزخم المعلوماتي وصفوف مكتظة بأعداد كبيرة من الطلبة مما قد يؤدي إلى تحويل الجلسة النقاشية إلى ساحة تقاذف لوجهات النظر دون فائدة.

أهمية تقديم الوسائل اللازمة من قبل المؤسسات التعليمية الرسمية في الدولة للمعلم وتزويده بالأدوات اللازمة تقنيًا

التعلم النشط..تخوف مبرر وحذر واجب

حقيقة، يشكل استخدام استراتيجيات التعلم النشط تحديًا للمعلم والطالب والمؤسسات التعليمية على حد سواء، فكما أسلفت يتطلب تفعيل التعلم النشط في القاعات الصفية إلى الوسائل التي تدعم نجاحه، والذي قد يؤدي إلى نهضة حقيقية في مجال التعليم عامة، إلا أن التخوف الحقيقي يكمن في إمكانية استقطاب كل الطلبة فيه ودمجهم مع استراتيجياته دون حدوث أي نوع من التوتر لديهم، فالفئة المستهدفة تحوي شرائح مختلفة من أنماط الشخصيات، ولعل الشريحة الأكثر صعوبة في الاستهداف هنا هي الطلبة الانطوائيون، المتشككون في أنفسهم وآرائهم ويخشون الظهور إلى العلن، هنا إما أن يكون التعلم النشط سبيلًا لخروجهم من تحت ظلال خوفهم وتحررهم أو أن يكون سببًا في تعمق شعورهم بالضعف وانعدام الثقة بالنفس، على أن النتيجة غالبًا ما تكون مرتبطة بالمعلم واستراتيجياته في التعليم.

أضف إلى ذلك احتمالية ركون الطلبة إلى النقاش وطرح الأسئلة فقط دون حفظ بعض المعلومات التي يجب حفظها، وهذا الأمر إن لم تتم إدارته بطريقة سليمة و متيقظة قد يترتب عليه فوضى فكرية تحمل الطلبة على التخبط دون الوصول إلى نتيجة صحيحة.

 

يقال "إن الإنسان مركز كل شيء"، فكم هو جدير بنا تحري الحصول على المعلومة، ولطالما كان لزامًا علينا طيّ الأرض تحت أقدامنا جيئة وذهابًا للتمكن من الوصول إلى العلم الصحيح، العلم المستلهم من التجربة والخبرات المتعددة. أن تلهم إنسانًا ما طريقة تفكير جديدة، أن ترشده إلى أهمية إخراج ما يكمن في عقله -فلا عقل فارغ أبدًا- هو أنبل وسائل الخلود التي قد تحصل عليها في حياتك، وهنا تكمن أهمية وجود المعلم الملهم.

في الصف العاشر وحتى الثانوية العامة كانت معلمة الرياضيات ترفض استخدامنا للآلات الحاسبة تمامًا، كانت تجبرنا على استخدام أذهاننا في الحساب، وإن اضطررنا للمساعدة فليس غير الورقة والقلم، وعلى أنني كغيري من زميلاتي تذمرت كثيرًا من هذا في تلك الأيام، إلا أن معلمتي هذه كانت سببًا في تيقظ ذهني تجاه العمليات الحسابية، ما زلت حتى الآن أتجاهل في العديد من المرات استخدام الآلة الحاسبة وأحل المسألة ذهنيًا.