18-أغسطس-2019

قلة الحنان أو زيادة التمجيد، كلاهما يتسببان في تعزيز النرجسية لدى الأطفال (Getty)

الترا صوت - فريق الترجمة

النرجسية هي الإصرار على الولع بالذات. وينطبق هذا الوصف على عددٍ لا بأس به من البشر، إذ إن اضطراب الشخصية النرجسية أمرٌ شائعٌ بنسبةٍ لافتة، فما يقارب 1% من التعداد الكلي لسكان الكرة الأرضية، طبقًا لمراجعة لجميع الدراسات المنشورة حول هذا الموضوع خلال الفترة ما بين 1980 و2010، مصابون بهذا الاضطراب، أي تقريبًا 700 مليون إنسان عام 2010. 

وجدت دراسة أن الأهالي الذين يفرطون في تمجيد أطفالهم يساهمون في تنشئة إنسان سيكبر ويصبح نرجسيًا

بل ربما تكون أنت ممن ظهرت عليه نزعات نرجسية، وإن لم ترقى إلى مستوى الاضطراب في حالاتٍ كثيرة. وفي كل الأحوال ليس من المستغرب القول بأن خصلة النرجسية تظهر في الإنسان منذ عمرٍ صغير، وربما يعود ذلك في جزءٍ منه إلى أسباب جينية أو سلوكية، لكن التنشئة أيضًا تلعب دورًا كبيرًا في إبراز وبلورة هذه النزعة غير المحمودة في الإنسان.

اقرأ/ي أيضًا: "الحب الخانق".. 4 نصائح لتربية طفل يمكنه الاعتماد على نفسه

تسلط السطور التالية، المنقول بتصرف من واشنطن بوست، الضوء حول الكيفية مساهمة الأهالي أنفسهم في غرس هذه الصفة بأطفالهم، دون دراستهم، وكيف يمكن تجنبهم ذلك. 


جميعنا يعرف في حياته، في مرحلةٍ أو أخرى، إنسانًا يتباهى بنرجسيته، وربما يكون هذا الإنسان هو زميلك المزعج في العمل، أو أحد معارفك الذي تحاول تحاشيه دائمًا، أو حتى شخصًا تعيش معه تحت سقفٍ واحد. 

في دراسةٍ كانت الأولى من نوعها، قرّر فريقٌ من العلماء البحث في سؤال: كيف وصل الحال بالنرجسيين إلى النرجسية؟ أو كيف كانت طفولتهم؟ وذلك بدراسة 565 طفلًا تتراوح أعمارهم بين سبع سنوات و11 سنة، وذويهم: 415 أمًا و290 أبًا.

نرجسية الأطفال

كانت النتائج واضحة كالشمس: الأهالي الذين يفرطون في تمجيد أطفالهم خلال هذه المرحلة العمرية، بمقولات مثل: "أنت الأفضل" و"أنت أحسن من الآخرين"، يساهمون في تنشئة إنسان سيكبر ويصبح نرجسيًا، إلا إذا تدخّل شخصٌ ما في الوقت المناسب.

"عندما يلحظ الأطفال نظرات التقدير المبالغ فيها من أهاليهم، وعبارات تشير إلى أنهم أكثر تميزًا وأوفر حظًا من غيرهم من الأطفال، فإنهم يصقلون هذه النظرة بداخل الأطفال، وهي طبعًا عنصر جوهري في الشخصية النرجسية"، كما نصّت الدراسة التي نشرت في مجلة "Proceedings of the National Academy of Sciences".

وتستدرك الدراسة: "ولكن عندما يلقى الأطفال معاملة حبٍّ وتقديرٍ من أهاليهم، فما سيستوعبونه في داخلهم من ذلك، هو صفة تقدير واحترام الذات".

القليل من الحنان الكثير من النرجسية!

ولعل هذا الكلام يتسق مع حدس القارئ، ولكن مؤلّفا الدراسة، براد بوشمان، الأستاذ في جامعة أوهايو ستيت، وإيدي برميلمان، الأستاذ في جامعة أمستردام وأوتريخت، ينوّهان إلى أن سببًا آخر لذلك يتأصّل في رأي قائمٍ على نظرية التحليل النفسي، هو أن النرجسية قد تكون ثمرة عدم حصول الطفل على الدفء والحنان الكافيين من أهله.

فما قام به الباحثان هو محاولة تقديم نظريةٍ على الأخرى، تفيد بأن الأطفال يتعلّمون من خلال الاقتداء السلوكي، وبنظرية التحليل النفسي، وجدوا بالفعل أن الأطفال يتعلّمون النرجسية من الأهالي الذين يعلّمونهم أنهم أشخاصٌ مميّزون.

النرجسية

وحاول الباحثان أيضًا إبراز الفرق بين النرجسيين الذين يلجؤون إلى العدوانية والعنف أكثر من الناس العاديين وأكثر عرضة للوقوع في مخاطر الاكتئاب والقلق وإدمان المخدرات، والناس الذين يتمتّعون باحترامٍ عالٍ للذات.

ويرى الباحثان أنه يتوافر اليوم أدواتٌ تساعد على تقييم سلوكيات الأطفال في هذا السياق، فخلال العام السابع أو الثامن يطور الأطفال القدرة على وصف مدى رضاهم عن أنفسهم، ومقارنة أنفسهم بالآخرين، "فهو عمرٌ يلعب فيه تأثير سلوك الأهل دورًا خاصًّا"، كما يقولان.

ويلفت الباحثان إلى أنهما لم يستطيعا إيجاد سببيةً مباشرة بين هذا وذاك. يقولان: "بكل تأكيد لا يمكن أن نقول إن تمجيد الأهل لطفلهم هو السبب الأول والوحيد للنرجسية. فكغيرها من الخصال الشخصية، تنتقل النرجسية بالوراثة، ولها أيضًا جذورٌ في الطباع المزاجية التي تظهر في عمرٍ مبكر. فبعض الأطفال أكثر ميولًا لتطوير صفاتٍ نرجسية وقت تمجيد أهلهم لهم بسبب طبيعة طبعهم".

زيادة نسب النرجسية بين المراهقين في الغرب

حسنًا، إذا لم تكن تعرف أحدًا ينطبق عليه كل ذلك، فما الذي يعنيك في هذا الأمر؟ الحقيقة أن نسب النرجسية في تزايد بين المراهقين والشباب في الغرب في السنوات الأخيرة، وهو ما أكّده بوشمان في مقابلة صحفية.

نرجسية الأطفال

يقول بوشمان: "أنا أدرس السلوك العدواني منذ ما يقارب ثلاثة عقود، ووجدت أن أكثر معتقدٍ يؤدّي إلى الضرر، هو اعتقاد المرء بأنه أفضل من غيره: الرجال أحسن من النساء/ عرقي يتفوّق على عرقك/ ديني أحسن من دينك. عندما يعتقد الناس أنهم أفضل من غيرهم، فسيتصرّفون على أساس هذه المقولات".

ويضيف بوشمان وزميلة برميلمان: "يشعر النرجسيون بأنهم أفضل من باقي البشر، ويستغرقون في أحلام نجاحهم الشخصي، ويؤمنون بأنهم يستحقون معاملةً خاصة. وإذا ما شعروا بالإهانة، فسيكون ردهم غالبًا العدوانية، بل قد يلجؤون للعنف".

إنقاذ الأطفال من النرجسية

هل هناك أملٌ في إنقاذ الطفل من فخ النرجسية؟ يبشرّنا الباحثان بالإيجاب بنعم، خلال الفترة العمرية ما بين سبع سنوات و12 سنة، وهو وقت تطور المشاعر لدى الطفل، أو في المراحل اللاحقة.

سبب آخر لتعزيز النرجسية، هو أنها قد تكون ثمرةً لعدم حصول الطفل على الدفء والحنان الكافيان من أهله

يقول الباحثان: "ربما نستطيع صياغة طريقة لمساعدة الأهالي على التعبير عن حبهم وتقديرهم لطفلهم دون المبالغة في تمجيده، دون أن يقولوا له أنه أفضل من باقي الخلق".

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف نتحدث مع أطفالنا عن الجنس؟

7 خرافات شائعة عن تربية أبناءٍ ناجحين

كيف أعرف أن طفلي ذكي؟.. 7 علامات توضح لك

إرشادات صحية جديدة من منظمة الصحة العالمية للأطفال تحت 5 سنوات