09-أغسطس-2019

قد يتحول الحب والحماية المفرطة إلى عائق أمام تنشئة سوية للطفل (Getty)

الترا صوت - فريق الترجمة

"الأمومة حيث يبدأ كل الحب وينتهي،" ربما تكون هذه الجملة البسيطة للشاعر الإنجليزي روبيرت داونينغ أفضل ما يختزل جلال وجمال حبّ الأم لأطفالها الذي يستعصي بكل تأكيد على الوصف.

مهمة الأهل يجب أن تكون أسهل بمرور الوقت، لا أن تصبح أصعب. ودورك يجب أن يتمثّل في الانسحاب التدريجي من هذه المسؤولية

ومن البديهي أن يرافق هذا الحبّ غريزة ذوي الطفل بإحاطته بكل ما أوتوا من رعايةٍ وحماية. لكن، وعلى صعوبة فهم وإقرار ذلك، قد يصل الحبّ والحماية إلى مراحل خانقة تصبح بحد ذاتها عائقًا في طريق نمو الطفل إن لم تؤتي بنتائج عكسية، فضلًا عن أنها قد تتحوّل إلى قيدٍ يمنع أهل الطفل أنفسهم من عيش حياةٍ متوازنة.

اقرأ/ي أيضًا: كيف نتحدث مع أطفالنا عن الجنس؟

مع مرور الوقت، يجب أن تصبح وظيفة الأمومة أسهل وليس أصعب، كما توضح المقالة التالية لديزي تورنبول مديرة المركز النفسي في مدرسة سينت كاثرين الخاصة للفتيات في العاصمة الأسترالية سيدني، والتي ننقلها لكم بتصرف عن صحيفة الغارديان.


مهمة الأهل يجب أن تكون أسهل بمرور الوقت، لا أن تصبح أصعب. ودورك يجب أن يتمثّل في الانسحاب التدريجي من هذه المسؤولية.

ترك أطفالنا بحالهم هي فكرة جيدة. فيرى كثيرٌ من مؤلّفي الكتب التربوية أن الأطفال أصبحوا أقل صلابة وأقل قدرةً على تهذيب أنفسهم وأقل احترامًا وتحمّلًا للمسؤولية، وكل ذلك بسبب التنشئة الخانقة.

التربية الخانقة للأطفال
لا تمنع طفلك من الانطلاق بذريعة الحب والحماية

جوديث لوك، ترى أن هذا نتيجة الاستجابة الفورية من الأهالي لمطالب أولادهم الذي يقلّل من الواجبات على الأبناء مما يؤثّر على قدرة الطفل على تطوير مهاراتٍ أساسية سيحتاجها في حياته.

فيما يرى جوناثان هايدت، أننا لا نعطي أطفالنا فرصةً كافيةً للعب في الخارج، إذ يُشير مؤلف أحد أبرز كتب التربية في الولايات المتحدة، أن معدّل العمر الذي يُسمح فيه للأطفال باللعب خارجًا دون إشراف هو ما بين 10 و12 عامًا، مقارنةً بخمسة إلى ست سنوات فيما مضى، مع أن الزمن الذي نعيشه أكثر أمانًا مما سبقه على جميع الأصعدة.

اليوم، بات الآباء يخافون من إعطاء أطفالهم الحرية، خشية أن يوصفوا بالتهاون، كما يرى هايدت أن حتى الأطفال اليوم لا يُقدِمون على ما يكفي من مخاطرات بسبب الذعر المستمر من "الفشل". 

إن الفشل لا يجعلنا أكثر ضعفًا، وإنما أكثر قوة، وعقليةٌ كهذه أدّت بالطلاب الجامعيين اليوم إلى المطالبة بـ"مساحاتٍ آمنة" لعدم قدرتهم على ضبط أمنهم بأنفسهم بسبب طفولةٍ افتقرت للتجارب والمخاطرة!

فيما يلي، أربع نصائح قد تُعين الأهالي على إطلاق العنان لأطفالهم لكي يجرّبوا ويسقطوا ويتعلّموا:

1. لا تستجب بسرعة

كم من السهل على الأم أن ترمي كل شيءٍ من يديها لحظة سماعها لطفلها وهو يناديها. ولكن يجدر بالأم أن تعرف الفرق بين "ماما، ممكن تفاحة؟" و"ماماااا! لقد وقعت من أعلى الدرج".

هل فكّرتِ يومًا لماذا اعتدتي على القيام والذهاب إلى طفلك، مع أن قدميه تتمتّع بنفس كفاءة قدميكي؟! لا تستجيبي دائمًا لصرخات طفلك.

حصل هذا مع ابنتي أليس البالغة من العمر ثلاث سنوات، ففي إحدى الأيام، تركت أليس لعبتها في المطبخ وذهبت إلى غرفةٍ أخرى وطلبت مني اللعب معها.

لم أستجب لمطالبها وطلبت منها باستمرار أن تأخذ لعبتها من المطبخ. وبين هذا وذاك، ذهبت أليس لتفعل شيئًا آخر. وهكذا، عندما لا تستجيبين لطفلك، فإنه يتعلّم تدبر أموره بنفسه، وهذا أمرٌ إيجابي.

تربية الأطفال
علم طفلك كيف يتعلم مهارة جديدة

2. أعطهم الحرية في المنتزه

المنتزهات اليوم أصبحت أكثر أمانًا من ذي قبل، وأقول هذا وأنا أمٌّ لطفلٍ كُسرت يده وهو في عمر الثانية حين كان يتسلّق إحدى الألعاب. لكن هذا لم يكن خطأ المنتزه، بل سوء حظه وثقته المفرطة بنفسه. الخبر الجيد أن يده الآن بخير وأنه توقّف عن لعب هذه الألعاب.

لكن، لا زلت أرى بعض الأهالي الذين يحومون حول أبنائهم تحسبًا لحصول أي مكروه، مع أنه لو كنت بعيدًا عنهم فسيتعلّمون القدوم إليك عند حاجتهم لك، وسيعرفون القواعد التي عليهم اتباعها.

3. علّمهم كيف يتعلّمون مهارةً جديدة

يملك الأطفال ملكة التعلم، فأحيانًا يتعلّمون بأنفسهم، وأحيانًا يجب أن تكون أنت من يعلّمهم، وقد يكون ذلك أمرًا صعبًا.

كان طفلي جاك يبلغ من العمر ثلاثة أعوام ولم يبقَ من إجازة الأمومة سوى شهرٍ واحدٍ بعد إنجابي لطفلتي أليس. خضت وقتها معركةً حامية الوطيس مع جاك وأنا أعلّمه كيف يرتدي ثيابه بنفسه، وقد فاز علي معارك الأيام الأولى، ولكن كنت أنا من ظفرت النصر بالحرب؛ فقد تعلّم كيف يرتدي ثيابه قبل الذهاب إلى الحضانة مع انتهاء إجازة الأمومة.

عندما ترى أطفالًا في المدرسة لا يعرفون كيف يربطون أحذيتهم أو كيف يرتبون حقائبهم أو كيف يفتحون علبةً ما؛ فاعلم أن أهاليهم لم يصبروا عليهم كي يفشلوا بضعة مرات قبل تمكنهم من تعلم مهارةٍ جديدة.

صحيحٌ أن ذلك أمر مجهدٌ جدًا، ويستغرق وقتًا، لكن متى ما تعلّموا مهارةً جديدة، فإن وظيفتك التربوية تصبحت أسهل. لهذا فلا تقم بذلك وأنت مشغولٌ في عملك أو لأي أسبابٍ أخرى، بل ركّز على ذلك وقت العطل أو عندما تعطيك الحياة متنفسًّا. ولا يقتصر ذلك على الأطفال، بل أيضًا على تعلم الطهي أو الغسيل أو تنظيم لوجستيات العائلة.

4. اجعل طفلك يلعب مع أطفال آخرين

ربما تكون هذه النصيحة أصعب قليلًا، وتعتمد بالكامل على عمر طفلك ومكان معيشتك. ولكن أعطِ طفلك المساحة لصناعة صداقاتٍ جديدة واستكشاف الأشياء الممتعة التي كنا نقوم بها ونحن صغار في الخارج، قبل أن يكبروا ويستحوذ عليهم شبح ألعاب الفيديو.

الأطفال
اجعل طفلك يلعب مع أطفال آخرين

بإمكانك العمل ببعض الاحتياطات، فعلّم طفلك الصغير رقم هاتفك، وتأكّد من أنه يعرف عنوان المنزل، واسأله مثلًا عن طريق العودة إلى المنزل كي تضمن أنه يعرفه.

أعطِ طفلك المساحة لصناعة صداقاتٍ جديدة واستكشاف الأشياء الممتعة التي كنا نقوم بها ونحن صغار في الخارج

إن التغير من الطرق التربوية القديمة إلى الطرق التي نعرفها اليوم لم يكن محض طفرة، وإنما كان تدريجيًا. وبنفس الطريقة فإن عملية تحرير الأطفال من قبضة الحب الخانق ستكون بطيئةً أيضًا، ولا يعتمد ذلك فقط على نضج الأطفال مع مرور الزمن، ولكن أيضاً على بلورة توقعاتنا لما نرتضي لهم أن يكونوا عندما يكبرون.

 

اقرأ/ي أيضًا:

5 نصائح للتعامل مع الطفل العنيد

كيف أعرف أن طفلي ذكي.. 7 علامات توضح لك

هل يحتاج المراهقون اليوم إلى دروس في "مهارات النوم"؟

حليب الأم.. هل سيكون موضة في عالم التغذية للكبار قريبًا؟!