19-سبتمبر-2018

إن آخر ما يحتاجه الأطفال الآن هو حشو المعلومات، وبدلًا من ذلك يحتاجون إلى تعلم الفهم والتفكير (SN)

ألترا صوت - فريق التحرير

توشك البشرية على دخول عصر ثوري لم يسبق له مثيل، وكل ما نعرفه اليوم سيصبح بدون فائدة على الأرجخ، ولذا فإن إعداد أنفسنا وأطفالنا لمثل هذا العالم المزدان بالتحولات الجذرية هو في غاية الأهمية.

توشك البشرية على دخول عصر ثوري لم يسبق له مثيل، بعد أن باتت التكنولوجيا قريبة من هندسة الأجسام والأدمغة والعقول الذكية

فما الذي يجب أن نتعلمه لنستطيع البقاء والازدهار في العصر الجديد؟ وما نوع المهارات التي يحتاجها أطفالنا من أجل الحصول على وظيفة، وفهم ما يحدث من حولهم، والتنقل في متاهات الحياة؟

اقرأ/ي أيضًا: بفضل التطور التكنولوجي.. 3 أشياء لن يضطر إليها مواليد 2018 في المستقبل

بما أنه لا أحد يعرف كيف سيبدو العالم في 2030، ناهيك عن عام 2050، بعد أن باتت التكنولوجيا قريبة من هندسة الأجسام والأدمغة والعقول وأنظمة الحياة ككل، فإننا لا نعرف الإجابة على وجه الدقة عن هذه الأسئلة.

لكن ما هو مؤكد في المستقبل، هو حصول تغيير غير مسبوق، حتى أنه "إذا وصف شخص ما عالم منتصف القرن 21 لك، ولم يكن الأمر كما لو كان خيالًا علميًا، فهو بالتأكيد غير صحيح". وكل ما نستطيع الاستعداد له هو طريقة التكيف مع التغير الشديد في منظومتنا الحياتية.

هذا ما يحاول استكشافه الكاتب المرموق، يوفال نواح حراري، في كتابه الجديد "21 درسًا للقرن الواحد والعشرين"، الذي يقول إنه "لمواكبة عالم 2050، ستحتاج إلى أكثر من مجرد ابتكار أفكار ومنتجات جديدة، ولكن قبل كل شيء، عليك إعادة اختراع نفسك مرارًا وتكرارًا"، ويضع مجموعة من المفاتيح تمهد لنا ولأطفالنا الطريق إلى المستقبل.

غلاف كتاب نواح حراري "21 درسًا للقرن الواحد والعشرين"
غلاف كتاب نواح حراري "21 درسًا للقرن الواحد والعشرين"

فهم المعلومات

في الوقت الحاضر، تركز الكثير من المدارس على حشو المعلومات في أدمغة الأطفال. في الماضي، كان هذا منطقيًا، لأن المعلومات كانت نادرة، ولا تصل سوى إلى فئة قليلة جدًا من الناس القادرين على القراءة أو الوصول إليها عمومًا. كان من الصعب عليك أن تعرف الكثير عن العالم، فلم يكن هناك راديو، أو تلفاز، أو صحيفة يومية، أو مكتبة عامة. ثم أتت المدارس الحديثة في القرن الـ19 والـ20، وعلّمت كل طفل أن يقرأ ويكتب وينقل الحقائق الأساسية للجغرافيا والتاريخ والبيولوجيا والعديد من المعارف، ما أدى إلى تحسن واضح.

وفي القابل، في القرن الـ21، تغمرنا كميات هائلة من المعلومات، لدرجة قد تأخذ منا أعمارًا فوق أعمارنا لقراءتها على شبكة الإنترنت أو في المكتبات العامة، بل أصبحت وسائل الإعلام تغرقنا كل يوم بمعلومات غزيرة ومتضاربة أحيانًا، مما يشتت انتباهنا فيقلل استفادتنا من بحر المعلومات المهمة، فعندما تبدو السياسة أو العلوم معقدة للغاية، فمن المغري التحول إلى بعض مقاطع الفيديو المضحكة، أو قصص الفضائح أو المشاهير.

في عالم كهذا، يقول يوفال نواح حراري، إن آخر ما يحتاجه المعلم لإعطائه للتلاميذ هو مزيد من المعلومات، إذ لديهم بالفعل الكثير من المعلومات. وبدلًا من ذلك، يحتاج الناس إلى القدرة على فهم المعلومات، لمعرفة الفرق بين ما هو مهم وما هو غير مهم، وتعلم دمج أجزاء صغيرة من الحقائق لتشكيل صورة شاملة ومتماسكة وذات مغزى حول العالم.

التعلم المستمر

منذ مئات السنين وحتى وقت قريب، كان الناس يعرفون ماذا يجب أن يتعلم أطفالهم لإعدادهم للمستقبل، فكان الفقراء يعلمون أبناءهم الفلاحة ونسج الحرير والصيد، والأغنياء يعلمون أولادهم التجارة والتسيير والفروسية، أما البنات فتتم تنشئتهن كربات بيوت، وذلك لأن السمات الأساسية للمجتمع البشري لم تكن تخضع لتغير يذكر.

في حين اليوم، قد يجد كثير من الطلاب أنفسهم بدون فائدة مستقبلًا، فربما يستولي الذكاء الاصطناعي والبرمجيات الإلكترونية على التخصصات التي يدرسونها حاليًا. ولذلك يعتقد بعض الخبراء التربويين أنه ينبغي التركيز على تعليم المهارات الحياتية، مثل التفكير النقدي والتواصل والتعاون والإبداع، والتقليل من تدريس المهارات التقنية في المدارس.

يحتاج الأطفال إلى فهم ضرورة التعلم باستمرار وإعادة بناء النفس من جديد كل مرة
يحتاج الأطفال إلى فهم ضرورة التعلم باستمرار وإعادة بناء النفس من جديد كل مرة

منذ زمن بعيد، كانت الحياة مقسمة إلى جزئين: فترة تعلم تليها فترة من العمل. في الجزء الأول من الحياة، يتعلم المرء بعض المهارات العملية ويتشرب رؤية وسطه الثقافي للعالم، ليبني هوية ثابتة. وفي الجزء الثاني يقضي الناس أعمارهم في العمل في الزراعة أو التجارة أو الجندية. كان الأمر بهذه البساطة.

لكن بحلول منتصف القرن الـ21، سيصبح التغير في البنى الاقتصادية والاجتماعية متسارعًا وجذريًا، ما يستدعي قدرة كبيرة على التكيف مع التحولات الطارئة وتعلم الجديد، فلا يمكنك البقاء في خانة الاستقرار، وإذا ما حاولت التمسك بهوية ثابتة، أو عمل، أو نظرة إلى العالم، فأنت تخاطر بأن تتخلف عن الركب وتتحول إلى أحفورة، بالنظر إلى التغير المتسارع الذي سيشهده العالم على جميع المستويات.

 ولذا ستحتاج إلى القدرة على التعلم باستمرار، وإعادة بناء نفسك من جديد في كل مرة، وإذا كانت هناك نصيحة يمكن تقديمها لمن هم في عمر 15 عامًا، يقول نواح حراري، فهي: لا تعتمد على البالغين كثيرًا، لأنهم لا يفهمون العالم القادم.

التعايش مع الغرابة وعدم اليقين

في بدايات القرن الماضي، كان الملايين من الناس يتركون مزارعهم في القرى ويذهبون إلى المدن الكبرى للعمل في المصانع، لكن عند وصولهم إلى المدينة الكبيرة، من غير المرجح أن يغيروا جنسهم أو يضيفوا حاسة سادسة. وإذا وجدوا وظيفة في بعض مصانع النسيج، فقد يتوقعون البقاء في تلك المهنة لبقية حياتهم العملية.

أما بعد بضعة عقود، فقد يضطر الناس للتعامل مع الهجرات إلى الفضاء السيبراني، والهويات الجنسانية السائلة، والخبرات الحسية الجديدة التي تولدها ومضات الكمبيوتر.

وهكذا سيتعين على الأفراد أن يتعاملوا مع أشياء لم يواجهها أحد من قبل، مثل الآلات الفائقة الذكاء، والهيئات الهندسية الغريبة، والخوارزميات التي يمكنها التلاعب بالعواطف بدقة متناهية، والكوارث المناخية الناجمة عن الإنسان، والحاجة إلى تغيير مهنتك كل عقد.

من أجل البقاء والازدهار في مثل هذا العالم، ستحتاج إلى الكثير من المرونة العقلية واحتياطيات كبيرة من التوازن العاطفي، لتستطيع التعايش مع الغرابة، والعيش مع عدم اليقين، والقدرة على التكيف مع التغير السريع.

اعرف نفسك جيدًا

لعلها أقدم نصيحة، حثّ عليها الفلاسفة والأنبياء منذ آلاف السنين، إلا أن هذه النصيحة اليوم هي أكثر إلحاحًا، لأنه على خلاف أيام لاوتزي وسقراط، لديك الآن منافسة جدية مع الشركات التجارية والحكومات، التي تتسابق لاختراق أجهزتك الإلكترونية وحساباتك الخاصة، بل واختراق ذاتك نفسها.

ينبغي تربية الأطفال من الصغر على اكتشاف الذات وقدرات النفس
ينبغي تربية الأطفال من الصغر على اكتشاف الذات وقدرات النفس

منذ آلاف السنين اخترع الإنسان الزراعة، لكنها أثرت فقط على نخبة صغيرة بينما استعبدت أغلبية البشر، فوجد معظم الناس أنفسهم يعملون من شروق الشمس حتى غروب الشمس في الحقول القاحلة تحت الحرارة المفرطة.

وكذلك هي التكنولوجيا، إذا كنت لا تعرف ما تريده في الحياة، فسيكون من السهل جدًا على التكنولوجيا صياغة أهدافك والتحكم في حياتك، بدلًا من أن تخدمك، تمامًا مثل هؤلاء الزومبي الذين يجوبون الشوارع أو يتسمرون في المقاهي ووجوههم ملتصقة بهواتفهم الذكية.

إنهم يراقبونك أينما تذهب، وما تشتريه ومن تقابلهم. وقريبا سوف يراقبون كل خطواتك، كل أنفاسك، كل دقات قلبك، فقط من خلال الخوارزميات الذكية الآخذة في التطور. وبمجرد أن تعرفك هذه الخوارزميات بشكل أفضل مما تعرف نفسك، فإنها تستطيع التحكم فيك والتلاعب بك، وتصبح رهنًا لجدول أعمالها، ولن تكون قادرًا على فعل الكثير حيال ذلك، سوف تعيش في المصفوفة إلى النهاية.

 إذا كنت لا تعرف ما تريده في الحياة، فسيكون من السهل جدًا على التكنولوجيا صياغة أهدافك والتحكم في حياتك بدلًا من أن تخدمك

وللنجاح في هذه المهمة الصعبة، كما يرى نواح حراري، ستحتاج إلى العمل بجد في التعرف على نظام التشغيل الخاص بك بشكل أفضل، لمعرفة من أنت وماذا تريد في هذه الحياة، ولا تكتف بالاستماع لنفسك بشكل سطحي، إذ غالبًا ما يصبح المرء بسهولة فريسة للتلاعب الخارجي نتيجة التعرض لدعاية الدولة أو أيديولوجيا أو بروباغاندا تجارية. ربما ستحتاج إلى تخصيص وقت لممارسة التأمل بين الفينة والأخرى.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ما المهارات التي يحتاجها الطفل ليكون جاهزًا لوظائف المستقبل؟

6 علامات تدل على أن طفلك قد يكون عبقريًا!

5 نصائح مجربة لتربية طفل يحب القراءة

ما يجب أن تتوقعه إذا ما قررت إنجاب الأطفال!