28-فبراير-2019

يستخدم السيسي سردية التسامح الديني لتبرير الانتهاكات (فيسبوك)

الترا صوت – فريق التحرير

"إذا كان اليهود مهتمين بتأسيس مجتمع يهودي في مصر فإن مصر ستقوم ببناء معابد يهودية لهم وغيرها من المؤسسات المدنية لاستيعابهم".  هذا ما قال الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في تصريح أثناء اجتماعه بوفد أمريكي الأسبوع الماضي دام ساعتين. لكنها في حقيقة الأمر لم تكن المرة الأولى التي يصرح فيها السيسي تصريحًا بذات الفحوى، حيث قال في فعاليات مؤتمر شباب العالم في نسخته الثانية  في شرم الشيخ، الذي عُقد في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي أثناء إحدى الجلسات: "لو إحنا عندنا في مصر ديانات أخرى كنا هنبني لهم دور عبادة"، ثم أضاف موضحًا المعنيين بتصريحه قائلا: "لو في يهود سنبني لهم".

سائرًا على عادته القديمة الجديدة، يستثمر السيسي في سردية التسامح الديني، وهي السردية التي يمكن أن تجعله في عيون إدارات غربية عديدة، متسامحًا معتدلًا، رغم مسؤوليته عن أبشع المجازر الإنسانية

كان الوفد الأمريكي الذي حرص السيسي على "كسب وده" بهذه التصريحات، وفد ميدالية الكونغرس الذهبية الذي وصل القاهرة الثلاثاء الماضي لدعوة السيسي إلى حضور احتفال يتم فيه تسليم أرملة أنور السادات ميدالية ذهبية.

اقرأ/ي أيضًا: بروباغندا "التسامح الديني" وواقع "حماة" إسرائيل

"احتضان حار للغاية"

احتاجت الميدالية الذهبية ذات الوزن المعنوي الثقيل التي منحت لأرملة السادات من قبل نيلسون مانديلا وونستون تشرتشل، إلى مشروع قانون يحظى بموافقة ثلثي الكونغرس الأمريكي، أما الشخص الذي وقف خلف هذه الجهود فهو عزرا فريدلاندر، وهو مستشار أرثذوكسي يميني وأحد الناشطين في اللوبي الإسرائيلي في نيويورك. قاد عزرا حسب ما تذكر جورازليم بوست، جهودًا كبيرة من أجل أن يحصل اسم الرئيس الراحل على التكريم، وانتهت جهوده بتوقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالموافقة في كانون الأول/ديسيمبر.

وتذكر الصحيفة الإسرائيلية أن السيسي تحدث باعتزاز عن الجالية اليهودية القديمة في مصر، أما تركيز الصحيفة فقد كان عن تأكيده أنه في "حالة عودة الجالية اليهودية في مصر، ستقدم الحكومة كل الضرورات الدينية المطلوبة"، واصفة التصريح بأنه احتضان حار للغاية.

جاءت تعليقات السيسي بعد أسبوعين من اعتراف دولة الإمارات العربية المتحدة رسميًا بالجالية اليهودية الصغيرة، في خطوة يُنظر إليها على أنها كانت متوقعة في ظل الكثير من الخطوات وأشكال التعاون التي سبقتها من السعودية والإمارات بشكل خاص.

أما بالنسبة للسيسي، فالقضية لا تخرج عن إطار محاولات كسب ود إسرائيل، التي يحاول الرئيس المصري من خلالها تقديم نفسه للولايات المتحدة الأمريكية على أنه الحليف المثالي في المنطقة، أو "الحليف الذي لا يمكن استبداله". في هذا السياق قال فريدلاندر: "إن الاجتماع مع السيسي كان يعني التأكيد على الأهمية الكبرى التي يضعها أعضاء الجالية اليهودية الأمريكية فيما يتعلق بتعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر"، وأضاف أن "الرئيس السيسي هو زعيم في العالم العربي الذي يفهم أهمية الاعتدال، وربما هو حلقة الوصل التي يحافظ من خلالها الشرق الأوسط على استقراره".  ثم أردف مؤكدًا "أن هدف مثل هذه الميدالية هو تذكير العالم بأن هناك رجال دولة عظماء".

وعود السيسي "المتسامح"

أكد مؤسس اللجنة فريدلاندر أيضًا أن السيسي قدم لهم مجموعة من الوعود من بينها تنظيف مقبرة البساتين اليهودية، وبالفعل نشرت جريدة الأهرام في موقعها الإلكتروني، أن محافظة القاهرة قامت بتنظيف المقبرة اليهودية من القمامة وأنها أزالت أكثر من 2000 طن من المخلفات التي تراكمت في المنطقة لعقود مضت، بل إن المحافظة قالت إنها ستقوم بتسليم الجالية اليهودية بمصر مهمة ترميم وتجديد المقبرة، التي بدورها رحبت بالمسؤولية .

أما الجدير بالذكر فهو أن السيسي قد قام بتخصيص مئة مليون جنيه لاستعادة وتجديد التراث اليهودي في مصر، كما اهتمت أجهزة المحافظات المختلفة من بينها الإسكندرية بالتسجيل المتتابع للمعابد اليهودية في البلاد، من بينها معبد "يعقوب منشة بالإسكندرية"، هذا إلى جانب ثلاثة معابد أخرى.

 "حقوق الإنسان" غير الضرورية!

بسؤاله عن الانتهاكات التي تتعرض لها حقوق الإنسان في مصر، رد فريدلاندر بهذا الشأن بقوله إنه لا هو ولا أحد من وفده أثار موضوعات تتعلق بحقوق الإنسان، وتابع حسب جوروزاليم بوست: "في هذا الجزء من العالم، يسيء الناس استخدام مصطلح (حقوق الإنسان) ويستخدمونه كطريقة للإطاحة بحكومة واستبدالها بأخرى دون أي مظهر من مظاهر حقوق الإنسان". وأضاف: "لن يقنعني أحد بأن الذين ينادون بحقوق الإنسان في مصر يقدمون للعالم خدمة. أعتقد أنه ينبغي احتضان السيسي في الغرب، من قبل الإدارة وكل عضو في الكونغرس كحليف استراتيجي للولايات المتحدة".

اقرأ/ي أيضًا: البحرين وإسرائيل.. تطبيع بالعلن تحت غطاء التسامح الديني

تتضح الصورة أكثر فأكثر، ففي الوقت الذي تهدم فيه إدارة محافظة القاهرة وكالة العنبريين الأثرية، وإلى جانب استهتار وسوء معاملة لبعض القطع الأثرية الهامة في مصر، وفي الوقت الذي تُهدم فيه مبانٍ أثرية بالجملة في الإسكندرية، تُخصص مائة مليون جنيه لترميم المعابد اليهودية في مصر فقط، لأهداف سياسية، وفي الوقت الذي تُهمل فيه الكثير من الآثار الموجودة في البلاد، يتم التركيز على المعابد اليهودية حصرًا، فيتحول الواجب الأخلاقي تجاهها إلى نشاط مسيس، ضمن حملة دعائية تستهدف القفز عن آلاف الانتهاكات.

بالنسبة للسيسي، فقضية التسامح الديني لا تخرج عن إطار محاولات كسب ود إسرائيل، التي يحاول الرئيس المصري من خلالها تقديم نفسه لواشنطن على أنه الحليف المثالي في المنطقة

سائرًا على عادته القديمة الجديدة، يستثمر السيسي في سردية التسامح الديني، وهي السردية التي يمكن أن تجعله في عيون إدارات غربية عديدة، متسامحًا معتدلًا، رغم مسؤوليته عن أبشع المجازر الإنسانية التي تم ارتكابها في القرن الحادي والعشرين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

السعودية تستأنف رحلة تطبيعها الكامل مع إسرائيل.. تل أبيب محبوبة "العرب"!

تيران وصنافير في الصحف الإسرائيلية: "السعودية ملتزمة بمصالح تل أبيب"