15-مايو-2018

لم يستغل بوتفليقة سنوات البحبوحة المالية في تحديث الأجهزة الإدارية في البلاد (أ.ف.ب)

لطالما راودني هذا السّؤال: لماذا لم يجلب الرّئيس عبد العزيز بوتفليقة الشّغف بالأناقة في المنشآت والتّكنولوجيات الحديثة، وتحديث التّسيير الإداري من الفضاء الخليجي، وهو الذي عاش فيه ما بين عام 1979، حيث أجهض فيه حلمه بأن يكون رئيسًا للجزائر خلفًا للرّئيس الرّاحل هوّاري بومدين، وعام 1999 حيث عاد رئيسًا خلفًا للرّئيس المنسحب اليمين زروال؟ هنا علينا أن ننتبه إلى الرّنين الخاصّ، الذي تحدثه كلمة "المنسحب" عند اقترانها بالرّئيس في الفضاء العربي والأفريقي.

يقول الواقع المعزز بالوقائع، إن هناك دولًا أفريقية باتت تتفوق على الجزائر في تحديث أجهزتها الإدارية ومؤسساتها الحكومية

هل كان يملك الرّغبة في ذلك، ثمّ اصطدم بجملة من الإكراهات في الواقع، فأبقى الوضع على ما كان عليه في حقول أناقة المنشئات وحداثة التّكنولوجيات والإدارة، والدّليل أنّه استقدم بعض الشّركات الخليجية في البداية، ثمّ انسحبت فارّة بجلدها من التعسّفات البيروقراطية المختلفة؟

اقرأ/ي أيضًا: مناورة بوتفليقة حول الضمير الديني للجزائريين

لنفرض أنّ الأمر كذلك، فمن هي الجهات الضّاغطة لجعل التخلّف الجزائري في مجالات التّحديث المختلفة واقعًا مستمرًّا؟ هل هي مدنية أم عسكرية؟ داخلية أم خارجية؟ وما مصلحتها في ذلك؟ لماذا نجح السيّد بوتفليقة في إخضاع كلّ الأجنحة الأمنية والعسكرية والمالية والإعلامية، بما فيها صقور المخابرات والجيش، فباتت كل المؤسّسات تحت تصرّف محيطه، وفشل في تذليل العقبات المتعلّقة بتحديث الحياة في البلاد؟

لماذا لم يستغلّ البحبوحة المالية، التي رافقت سنواته العشر الأولى، حيث كان سعر البرميل الواحد يفوق 100 دولار أمريكيّ في مباشرة هذا التّحديث؟ لماذا لا يفعل الآن، في ظلّ تجاوز احتياطيّ الصّرف بالعملة الأجنبية 100 مليار دولار؟ لماذا فتح أبواب الاستثمار في المنشئات الإسمنتية للشّركات الصّينية واليابانية والتّركية والألمانية، وأبقى على باب الاستثمار في تحديث الأنظمة البنكية والتجارية والاقتصادية والتّكنولوجية مقفلًا، أو مبرمجًا على أمل أن يُفتح "في القريب المنظور"؟   

يقول الواقع المعزّز بالوقائع، إنّ هناك دولًا أفريقية، حتّى لا نوسّع نطاق المقارنة خارج القارّة، التي كان السيّد بوتفليقة واحدًا من مؤسّسي بعض منظّماتها المفصلية، باتت تتفوّق على الجزائر، في مجال تدفّق الإنترنيت، وفي مجال التّحديث البنكي، وفي مجال يُسر الإجراءات الاستثمارية، وهي التي لا تملك بترولًا ولا غازًا ولا كهرباء ولا معادن كثيرة. 

أمّا في مجال التعليم، الذي جعله الدّستور الجزائري إلزاميًا ومجّانيًا منذ فجر الاستقلال الوطني عام 1962، فقد رُتّبت الجزائر في جودته بعد الجارتين الجنوبيتين مالي والنّيجر، رغم قيامها بعدّة إصلاحات فيه خلال العشريتين، اللّتين تولّى فيهما الرّجل مقاليد الحكم.

الغريب في الأمر أن بعض رجالات الرّئيس، منهم والي ولاية الجزائر العاصمة السيّد عبد القادر زوخ، ورئيس الحزب الحاكم السيّد جمال ولد عبّاس، لم يقوموا بأدوارهم في الإجابة على الأسئلة السّابقة، وهي أسئلة بات يطرحها الجيل الجديد من الشّباب في المجالس الواقعية والافتراضية، وراحوا يقولون إنّ الجزائر أفضل من الدّول الغربية، منها الولايات المتّحدة الأمريكية، في بعض مجالات التّنمية!

تفطّن الشباب الجزائري لأكاذيب المسؤول الجزائري مبكرًا، ومع ذلك لا يزال المسؤول مصرًا على كذباته!

هل ينتظر هؤلاء من شابّ جزائريّ يملك من المهارة في التّعامل مع التّكنولوجيات الحديثة، إلى درجة أنه يستطيع أن يُقرصن حسابات بنكية أجنبية، أن يؤمن بما يقولون؟ هو الذي يعرف الفوارق الصّارخة بين بلاده والبلدان الأخرى كما يعرف خطوط راحته؟ وإلا كيف نفسّر قبوله بالموت غرقًا في طريق هجرته غير النظامية نحو "أوربّا والدّول المتطوّرة" بتعبير عادل إمام في فيلم "الإرهاب والكباب"، على أن يبقى في الفضاء الجزائري؟ لماذا لم ينتبه هؤلاء "المسائيل" إلى شعار الشّابّ الجزائري "يأكلني الحوت وما ياكلنيش الدّود"؟

غنّت وردة الجزائرية، بدعوة من الرّئيس الشّاذلي بن جديد أغنية "عيد الكرامة والفدا"، التي لحّنها حلمي بكر بمناسبة الذّكرى العشرين للاستقلال عن فرنسا. وقد حوّل الشباب الجزائريون عبارة "احكي لأولادنا احكي" إلى "احشي لأولادنا احشي"، وهي تعني في اللهجة الجزائرية في ما تعنيه: "استهزئ بأولادنا". كان ذلك عام 1983، ممّا يعني أن تفطّن الشابّ الجزائري لأكاذيب المسؤول الجزائري كانت مبكّرةً، مع ذلك ظلّ هذا المسؤول رافضًا لأن يُراجع علاقته بالكذب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عصر بوتفليقة.. من تقديس الوطن إلى تقديس الفرد

على درب الحلم الأوروبي.. قصة جزائري عائد من الموت