19-أبريل-2016

عكست صورة بوتفليقة وفالس عجز السلطة في الجزائر(إريك فيفيربارغ/أ.ف.ب)

لم تبرز الصورة التي ظهر بها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة مؤخرًا في لقاء مع الوزير الأول الفرنسي، عوارض المرض والعجز بالنسبة إليه فقط بل عكست كذلك عجز السلطة في البلاد. أمام سؤال الإصلاح السياسي الذي طُرح قسرًا في الجزائر بعد اندلاع الثورة العربية، جاءت إجابة من السلطة عنوانها تعديل الدستور، تعديل قاطعته القوى الأساسية للمعارضة ولم ترض بنتائجه. وفي النهاية، لم يكن التعديل إلا ورقة باهتة حيث لم تؤكد السلطة بعد جديتها في طرق باب الإصلاح السياسي، خاصة في بلد تتغير فيه الدساتير أكثر من القوانين.

لم يكن التعديل الدستوري في الجزائر إلا ورقة باهتة ولم تبرز جدية السلطة في طرق باب الإصلاح السياسي

اقرأ/ي أيضًا: الرئيس الجزائري ينهي معركة الدستور.. ما الفائدة؟

ففي ظرف 33 سنة وتحديدًا منذ الاستقلال وحتى 1996، تاريخ إصدار الدستور الحالي، شهدت الجزائر 4 دساتير، أي بمعدل دستور كل 8 سنوات وهو ما يمثل شاهدًا على حيوية المجال السياسي في الجزائر وكذلك أزماته. والتعديل الأخير هو التعديل الثالث منذ صعود بوتفليقة لسدة الحكم. ويعكس تعدد الدساتير في ظرف وجيز مدى غياب الاستقرار السياسي في البلاد، فكان كل دستور هو نتاج أزمة.

وتأكّد مع التعديل الأخير، الذي جاء في إطار عملية عنوانها الإصلاح السياسي، أن سقف خطاب أبريل/نيسان 2011 لم يكن ليقفز عمّا ضبطته حزمة إصلاحات يناير/كانون الثاني 2012، التي شملت قوانين أساسية مثل قانون الأحزاب والجمعيات، وما أنتجته عمليًا انتخابات البرلمان في مايو/أيار 2012. وبذلك لم يكن التعديل الدستوري إلا واجهة ترويجية للسلطة. فقد دامت مدّة إعداد تعديل الدستور قرابة خمس سنوات، في أطول مدّة إعداد للدستور في تاريخ الجزائر، وربّما في العالم. ويمكن الإشارة -من باب المقارنة- بأن دستور الجارة تونس ورغم حدة الخلافات بشأنه والمخاطر التي عرفتها البلاد خلال فترة إعداده فقد تم إنجازه في ثلاث سنوات فقط.

ولقد استفادت السلطة في الجزائر من النكبات التي عاشتها الثورة العربية، لتتحوّل هذه الورقة من مصدر خطر لها سنة 2011 إلى ورقة تستغلها للتشكيك في دعوات الإصلاح السياسي وجدواه في الداخل بعد خمس سنوات. وهذا التحوّل انعكس طيلة مرحلة إعداد الدستور. فبعد أن كان التعديل الدستوري هاجسًا يضغط ضد السلطة من أجل الإصلاح، تمثل كفرصة مناسبة لها لإعادة تنظيم نفسها وربما ذلك ما يفسر أساسًا تباطؤ عملية إعداده.

وبذلك، تجاوز التعديل الدستوري مظلة إطلاقه إلى أفق نطاق السلطة ليتمثل بالنهاية كأداة بيد السلطة لتقوم بعملية إصلاح سياسي وفق تصورها دون توفير الشروط الأساسية لذلك ومتجاوزة للأسئلة الحقيقة الواجب معالجتها. ولعلّ ذلك ما جعل السلطة تخيّر تمرير التعديل عبر البرلمان دون الحاجة لاستفتاء شعبي.

اقرأ/ي أيضًا: تعديل الدستور في الجزائر.. الوعد المنتظر

ورغم قدرة السلطة على التخفيف من عبء الضغط عليها مقارنة بما سبق خاصة مع القيام بتعديل للدستور الذي تروّج له بأنه وفاء لوعد سابق بالإصلاح السياسي، فهي لا تزال عاجزة بكل الأحوال عن ضمان الاستقرار وتأمين نفسها.

كل دستور في الجزائر هو نتاج أزمة

فلا تغيب الحالة الصحية الحرجة لبوتفليقة عن المشهد حيث لا تزال الصورة ضبابية فيما يتعلق بمرحلة ما بعد بوتفليقة مع حالة الصراع التي تعيشها قوى السلطة التي تمظهرت بإنهاء مهام الجنرال توفيق على رأس المخابرات العسكرية ولم تنته معه، وذلك بالإضافة إلى تواصل حالة الصراع بين أجنحة جبهة التحرير الوطني.

كما تعيش السلطة في الجزائر مأزقًا من خلال الصراع بين مراكز نفوذها فيما يتعلق بمسألة خلافة بوتفليقة وتواصل تكتّل قوى المعارضة وتوحدها والخشية من قدرتها على التعبئة خاصة مع استمرار انخفاض أسعار النفط وتأثيرها المباشر في نظام اقتصاد ريعي يمثّل تصدير الطاقة مصدر الدخل الرئيسي فيه.

ومع ذلك، فإن "حالة الطوارئ" التي تعيشها السلطة ليست بمستجدّة عليها، خاصة في ظل نظام تمثل صفة العجز فيه صفة ملازمة على الدوام بحكم خصوصياته وما أثبته التاريخ السياسي منذ الاستقلال. غير أن المتغيّرات والمحدّدات هذه المرة هي غير ما سبق، ليكون المأزق الحالي خطيرًا مع غياب آفاق معالجته أو تجاوزه ويبقى شبح انفجار الوضع وانفلاته على مختلف الأصعدة قائمًا في كل الأحوال، وفي النهاية، لم يمثل التعديل الدستوري ضمانة للاستقرار السياسي في البلاد.

اقرأ/ي أيضًا: 

الأمازيغية في الجزائر.. من السجن إلى الدستور

الجزائر- فرنسا.. عواطف مفخخة