07-أغسطس-2019

صورة قديمة لـ بيروت (ويكيبيديا)

من خلال كتب التاريخ وسير رجالات عاشوا في بيروت أو من مذكرات الرحالة الذين قصدوها، أو مما كتبه الشعراء والمستشرقون عن مدينة بيروت، وفي أحاديث المسنين ومعايشتهم لماضي المدينة عن قرب يمكن التعرف إلى وجه بيروت الذي كانته عام 1900.

يذكر المؤرخون أن بيروت عاشت لقرون داخل سورها الذي هدم وأعيد بناؤه مرات عديدة

يذكر المؤرخون أن بيروت عاشت لقرون داخل سورها الذي هدم وأعيد بناؤه مرات عديدة، وكان طول السور 750 مترًا وعرضه 370 مترًا، وكانت المدينة تقع بين ساحة البرج وساحة رياض الصلح. ولم تكن أسوار بيروت منتظمة ولا مستقيمة، ومع ذلك عرفت المدينة عند بعض المؤرخين بالمدينة المربعة.

اقرأ/ي أيضًا: صراع البقاء في بيروت الأنانية

كان يحيط المدينة من الخارج المقابر والبساتين والأشجار، وكانت أسواقها تكتظ بالناس نهارًا ومنهم التجار والبائعون والزوار، ثم تعود لهدوئها ليلًا وتسلم مفاتيحها للوالي.

تشير الباحثة الفلسطينية مي علوش في بحثها "وجه بيروت 1900 - 2000 وتحولات القرن العشرين" إلى أنه "كان لبيروت مداخل معينة لا بد من التوقف عندها قبل الدخول إليها، ومن هذه المداخل مدخل من ناحية فرن الشباك ونهر بيروت والدكوانة والدورة وبرج حمود، وكان سكان حارة حريك والغبيري يقصدونها من ناحية قصقص ويدفعون على حمولتهم من الخضار".

بيوت بيروت

وصف قنصل فرنسا هنري غيز في لبنان بيوت بيروت في مطلع القرن وقال: "إن واجهات البيوت مبنية على الغالب بحجر غير منحوت، ولقد أخذت الأيام على عاتقها تلوينها، يعاونها في ذلك المطر والدخان والغبار، ولما كانت الأخشاب أيضًا تستعمل كما أوجدتها الطبيعة، أي بلا صقل، فالأبواب والنوافذ، تكون في أغلب الأحيان من لون الجدران".

تحوي البيوت بحسب القنصل "لا يجب أن نحسن الظن بتنسيق البيوت وترتيبها، فعلى من يريد الدخول إليها أن يحني رأسه قليلًا أو كثيرًا تبعًا لقامته، وإذا أراد أن يطل من النافذة أن يزج جسمه بانحراف إذا كانت بدانته تفوق المعدل قليلًا، فعلو الشبابيك على الأكثر متر واحد، وعرضها 75 سنتيمترًا، ويفصل بينهما حاجز صغير، وهذا التدبير الذي يلجأون إليه ضروري لحماية الصغار، إذ أن هذه الشبابيك تقوم على ارتفاع 15 سنتم من أرض البيت".

ويتابع غيز: "ومنذ مدة ليست بالبعيدة كاد الزجاج يكون غير معروف في بيروت، أما الآن فإننا صرنا نجده في منازل الأغنياء".

ومن إحدى الرسائل لمواطنة فرنسية تدعى بوجولا تقول: "إن منازل بيروت المبنية بالحجارة، عالية أكثر منها في أية مدينة من مدن سوريا، فقبابها وسراديبها السرية وممراتها المظلمة وشوارعها الضيقة والملتوية تبعث لأول وهلة نوعًا من الهلع في نفس السائح الذي يريد أن يطوف في أنحائها. إن كل بيت يؤلف مخبأ لا يقتحم، ويمكن القول إن كل واحد منها يصلح أن يكون مركز دفاع".

نقليات بيروت

وفي مذكرة صدرت في ذلك الزمن تتعلق بنظام الحوذيين يذكر التالي "قرأنا في جريدة سوريا الرسمية صورة التعليمات المخطوطة من جانب المجلس البلدي المصدق عليها من لدن مجلس إدارة الولاية، وهي منطوية على رد شكيمة الحوذيين وأرباب عجلات الكرا الذين يتجولون داخل البلدة بعجلاتهم".

كل بيت في بيروت القديمة يؤلف مخبأ لا يقتحم، ويمكن القول إن كل واحد منها يصلح أن يكون مركز دفاع

وتضيف أن الحوذي يجب أن يكون في السن الملائم لتعاطي هذه المهنة، خاليًا من الأمراض الوبيلة، بيده رخصة تخوله قيادة الخيل، وهذه الرخص لا تعطى إلا بعد الفحص المدقق، وعلى الحوذي أن يكون حسن الأخلاق والآداب، ومن كان فاسد الأطوار أو من ذوي السوابق في الجنح والجنايات لا يجوز على الإطلاق تعاطي الحوذية".

اقرأ/ي أيضًا: إخلاء أبنية بيروت القديمة.. من يطمس هوية المدينة؟

وتكمل المذكرة بالقول "بما ان الحوذيين في بيروت يستوفون أجورًا زائدة من الركاب قرر مجلس إدارة الولاية وضع التعريفة الأتية وتعليق نسخة منها في كل عجلة، وأن يؤخذ تحت المسؤولية كل حوذي يستوفي أجورًا زائدة عن القدر المعين، وقد أوعز حضرة ملاذ الولاية الجليلة بالأمر إلى رئاسة البلدية، وكانت الأجرة بالغروش والبارات وهكذا".

وأما تسعيرة النقل فقد كانت ستة غروش مقابل الساعة الواحدة حتى وقت الظهر ما عدا أيام الآحاد والأعياد. وسبعة غروش وعشرون باره بعد الظهر، وعشرة غروش أجرة الساعة بعد منتصف الليل، والمدة التي تتجاوز الخمس دقائق تحتسب ربع ساعة، وذلك بحسب الباحثة مي علوش.

حياة البيروتيين

جاء في قصص سلام الراسي "زوايا خبايا، سلسلة الأدب الشعبي" معروف أن اللبنانيين في الماضي حتى مطلع القرن العشرين كانوا يستعملون غالات خشبية لأبواب بيوتهم، وحتى مفاتيح هذه الغالات كانت من الخشب أيضًا، ولم تكن هناك نوافذ زجاجية للبيوت، والباب هو المنفذ الوحيد لا يغلق إلا عندما يأوي جميع أفراد البيت فينجر الرجل بابه وينام، وهكذا يقال (من الفجر للنجر)".

سوق قديم في بيروت

وعن أشجار بيروت قال سلام الراسي "في ذلك الزمان كانت الجميزة صديقة البيروتي، كل بيت في بيروت أمامه شجرة جميز يلعب تحتها الأولاد، وتجلس على مصطبتها كل مساء نساء العائلة يدخنون الأراكيل، يمضغن المسك ويشربن البيلسان والبابونج، بينما يصعد رب العائلة إلى عرزاله المشدود في قلب الشجرة فينام فيه سيدًا رفيع الجانب". وقد أمر محمد علي باشا بقطع أشجار الجميز لحاجته إلى جذوعها الخشبية.

ملابس بيروت

ويذكر المؤرخ كريمسكي في كتابه "بيروت وجبل لبنان على مشارف القرن العشرين" (ترجمة  يوسف عطالله) ما يلي: "كانت أزياء الرجال والنساء غريبة تليق بالمراسم منها بالبيوت، تشبه ملابس الأكراد، بعمائمها، وسراويلها، وقنابيزها المفقشة، وزرابيلها المقيطنة، وكان الرجال يلبسون القميص على أبدانهم، ثم السروال القطني المصبوع، والمنتيان، ثم يضعون العمة على رؤوسهم ويتباهون بحجمها، ويحتذون المداس من السختيان الأحمر".

ويضيف كريمسكي في وصفه أزياء النساء "كن يلبسن القميص الطويل والقمباز المفقش، ويضعن على رؤوسهن الربطات الكبيرة أو الطاسة أو القرص، وشاع الطنطور في لبنان وهو قرن مخروطي الشكل وكان يصاغ من الذهب أو الفضة ويوضع فوق الرأس على الطريق، وياتي فوقه الشنبير فيغطيه، ويسدل إلى الرأس كاسيًا معظم البدن".

حمامات

تمت إنارة بيروت بمصابيح الغاز عام 1887 وذلك بموجب اتفاق عقدته بيروت مع إحدى الشركات يتضمن 500 قنديل لإنارة المدينة، وأن تدفع لها البلدية لقاء ذلك ألفي ليرة عثمانية.

تمت إنارة بيروت بمصابيح الغاز عام 1887 وذلك بموجب إتفاق عقدته بيروت مع إحدى الشركات يتضمن 500 قنديل لإنارة المدينة

وقد كان سكان بيروت في تلك المرحلة يخرجون الماء من برك خاصة أو من حنفية واحدة جرت إليها مياه عين رأس النبع. وصورة السقاء الذي كان يحمل الماء في إناء جلد الماعز ما زالت موجودة. وفي تلك الأيام كان الناس يستحمون في الحمامات العامة التي تخصص بعض الأيام للرجال أو للنساء. وقد ظلت الحمامات العامة شائعة الإستعمال حتى إنتشر البناء الحديث الذي يؤمن فيه الماء الساخن.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا تهدد بلدية بيروت مساحة "الحرش" الخضراء؟

في خارطة بيروت القديمة داخل السور أشير في الرسم إلى ثلاثة أمكنة كانت تقوم فيها حمامات هي: الحمام الكبير، الحمام الصغير، حمام ادركة. وكان يوم الذهاب إلى الحمام من الأيام المميزة بالنسبة للمرأة البيروتية التي لا تخرج إلى مكان إلا للزيارة أو الحمام.

وتذكر الباحثة مي علوش أن "كانت الحمامات تتألف من ردهات حجرية تعلوها قباب تطل منها كوى صغيرة مدورة، من زجاج ملون، ينفذ عبرها الضوء". وتضيف: "أما أرض الحمامات فمن الرخام مصفوفة بألوان مختلفة ومرصوفة بفن وإتقانز وجدرانها أيضًا مكسوة بالرخام والفسيفساء أو بأشكال عربية الطراز وفي شكل بارز.

أعياد بيروت

ومن الأعياد التي عرفها سكان بيروت قديمًا عيد النهر أو عيد سيدنا الخضر، حيث كانوا يزورون كنيسة الخضر ثم يقضون النهار على ضفاف نهر بيروت. وسيدنا الخضر، كما تقول الأسطورة، هو الذي خلص سكان بيروت من التنين اللعين الذي كان يهاجم السكان ويلتهم منهم ما شاء.

وتعدد الباحثة بعض من المناسبات أيضًا مثل "إثنين الراهب" ويصادف بدء الصيام عند المسيحيين، وكان يأتي أحد الرهبان من الجبال راكبًا دابة فيزف الناس الراهب ويغنون له: "جينا وجينا وجينا.. جبنا الراهب وجينا".

من الأعياد التي عرفها سكان بيروت قديمًا عيد النهر أو عيد سيدنا الخضر، حيث كانوا يزورون كنيسة الخضر ثم يقضون النهار على ضفاف نهر بيروت

ومن الأعياد أيضًا عيد الربارة الذي يحتفل فيه الناس بذكرى القديسة بربارة، وفي ليلة العيد يطبخ الناس القمح ويقدمونه مع الجوز والزبيب، ويخرج الأولاد إلى الشوارع يقرعون بالدف ويغنون أغاني خاصة بالمناسبة.

اقرأ/ي أيضًا: كراسي إرث بيروت المُغيبة.. من يعيد للمدينة مقاهيها؟

وعند الطوائف الإسلامية "أربعاء أيوب" الذي يصادف آخر أربعاء من نيسان/أبريل كل عام، وكان الناس يستأجرون الحناطير للوصول إلى الشاطئ ويقيمون الخيام لتمضية النهار في حضن الطبيعة، ويأكلون "المفتقة" وهي أكلة شعبية معروفة عند البيروتيين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مباني بيروت التراثية.. ذاكرة للنسيان!

دلال البزري.. الحرب الأهلية اللبنانية من دفاترها