18-يناير-2024
كلود مونيه رسام المدرسة الانطباعية وأبرز روادها

المدرسة الانطباعية وأبرز روادها كلود مونيه

 

في الحقيقة هو ليس مجرد رسام ينتمي للمدرسة الانطباعية، بل إنه مؤسسها. بدأت هذه الرحلة المثيرة مع كلود مونييه عندما رسم شروق الشمس في يوم ما كما رآه في ذات اللحظة، أو بمعنى آخر كما أراد لعينه أن تراه. لم يعلم مونيه أنه بهذه اللوحة سيثير سخط النقاد لمجرد أنه غرّد خارج السرب، ودون أن يعلم، ثار مونيه على الكلاسيكية التقليدية، ووصمه نقاد الفن في ذلك الوقت "بمؤسس المدرسة الانطباعية"، هذا اللقب الذي سيكلف مونيه في حياته الكثير من الثمن، ويمنح معارض الفنون للوحاته بعد وفاته الكثير من الثمن.

وبقولي "دون أن يعلم" لا أقصد بطبيعة الحال جهله عما كان يفعل بقدر غفلته عما سيقع عليه من هجوم جرّاء نظرته الجديدة للطبيعة، "دون أن يعلم" تعني هنا غفلة المتجدد عما يدور في وَسَطٍ التقليديين من مشاورات بعدم أهليته، لكونه "مختلفًا". 

كلود مونيه لم يترك الرسم أبدًا حتى ونظره في وضع سيئ 

من هو كلود مونيه

  • حياته

أوسكار كلود مونيه، ولد في سنة 1840 وهو الابن الثاني لكلود أدولف مونيه ولويز جوستين أوبري مونيه، وفي سنة 1845 انتقلت عائلته إلي لو هافر في نورماندي، لم يرغب مونيه بالعمل في التجارة والشحن كأبيه حيث كان الرسم حلمه لذا اختار الفن بدعم من عمته التي كانت رسامة بدورها. في سنة 1851 التحق مونيه بمدرسة لو هافر الثانوية للفنون، وعُرف بين السكان المحليين برسمه الكاريكاتوري بالفحم والذي كان يبيعه بمبلغ 10 إلى 20 فرنك. تلقى مونيه دروسًا في الفن كذلك على يد جاك فرانسوا اشارد والذي كان طالبًا سابقًا لدى جاك لوي ديفيد، وكانت هذه بمثابة قفزة في حياة مونيه حتى التقى على شواطئ نورماندي بصاحبه الرسام أوجين بودان والذي أصبح لاحقًا معلمه الخاص. كان لبودان فضل كبير على مونيه، حيث علمه كيفية استخدام الألوان الزيتية وتقنيات الرسم في الخارج، ومن الجدير بالذكر أن كليهما كان متأثرًا بيوهان بارثولد جونكايند.

لاحقًا تزوج مونييه مرتين وأنجب، إلا أنه فقد زوجتيه وابنه كذلك بعد مدة من الزمن. ثم يشاء القدر أن يتزامن ذلك مع اندلاع الحرب العالمية الأولى وانتشار أخبار الدمار والقتل من شتى الأصقاع، ليعبر مونيه عن ذلك بسلسلة من اللوحات يصور بها الجنود الفرنسيين كأشجار حزينة محطمة. 

في عام 1923 خضع مونييه لعملية إزالة إعتام عدسة العين بعد أن بدأ نظره يضعف شيئًا فشيئًا كما يبدو ذلك في اللوحات التي قدمها في تلك الفترة، نعم، كلود مونيه لم يترك الرسم أبدًا حتى وهو في تلك الحالة الصحية، وإذا ما تابعنا أعماله، سنرى المفارقة في رسمه للوحة الجسر الياباني الواقع فوق بحيرة النيلوفر، فقد رسمها أكثر من مرة وفي سنين متباعدة، وفي كل مرة كانت الصورة تختلف عن سابقتها نظرًا لضعف نظره، وآخر لوحة رسمها للجسر عام 1923 كانت غائبة الملامح إلا من اللون الأحمر الذي لازم أعماله بعد بداية فقدانه لبصره.

النيلوفر في لوحات كلود مونيه
النيلوفر (زنبقة الماء) الذي برز في أعمال كلود مونيه

  • وفاته

توفي مونيه في الخامس من ديسمبر سنة 1926 إثر إصابته بسرطان الرئة وعمره 86 عامًا دفن في مقبرة كنيسة جيفرني، ونظرًا لإصرار ه على أن تكون مراسم دفنه بسيطة، لم يحضر للجنازة المتواضعة أكثر من 50 شخصًا تقريبًا.

وقد عُرف عن كلود مونيه هوسه في رسم البحر والنور، وأبدع في ذلك أيما إبداع، لذا سنجد العديد من اللوحات عن البحر في رسوماته، وقد كان يرى أن الشمس لا تنعكس أنوارها على مياه البحر فقط، وإنما على كل شيء في الطبيعة.

 

كلود مونيه والانطباعية

كان لمونيه الفضل في فصل الخطاب حول اسم المدرسة التي قرر النقاد نسبته إليها، مرة أخرى ودون علمه اختار اسمها لمّا أطلق على لوحته التي غيرت خط سير الفنون التشكيلية عامةً اسم "انطباع شروق الشمس"، كانت لوحة انطباع شروق الشمس التي رسمها كلود مونيه عام 1872 بمثابة شرارة بدء رحلة التغيير في عالم الفن التشكيلي، فما هي هذه اللوحة وما هو المميز بها؟

  • لوحة انطباع شروق الشمس ما قبلها وما بعدها

يقول الناقد جولز كاستنياري في جريدة القرن عام 1872 عن مونييه وأصدقائه "إنهم قدموا الإحساس الذي تثيره المناظر الطبيعية، بدلًا من المناظر الطبيعية". في الواقع إذا ما تمعنا في هذا الرأي سنقول "وما هو الفن سوى الإحساس يا ترى؟" هذا التساؤل الاستنكاري الذي يخطر ببالنا الآن ما هو إلا نتيجة لحرب طاحنة خاضها مونييه وأتباعه من الانطباعيين لما رآه النقاد من انقلاب على الطابع التقليدي في الفن التشكيلي من قِبَلهم، حيث إنهم لم يقدموا اللوحة بأبعادها الأكاديمية كما كان متداولًا بين الرسامين، فقد كان الفن خاضعًا لوضوح الأشكال وصحة النسب والمنظور، على عكس ما قدمه كلود مونيه في لوحته، فقد عرض مشهد الشروق برؤية أقرب للضبابية، حيث يترك للناظر مساحة التخيل والإحساس.

ولعرض الأمر بصورة أوضح أقول: عندما ننظر إلى اللوحة من بعيد سنرى مشهد رائعًا لشروق الشمس، أما عند الاقتراب منها لن نرى غير بقع ولُطخٍ من الدهان، وهذا تحديدًا ما كان يميز لوحات مونيه، قدرته على تخيل الشكل الذي ستبدو عليه اللوحة من بعيد.

لقد كانت لوحة انطباع شروق الشمس بمثابة شرارة بدء الثورة على التقليدية، فقد كانت أولى لوحات المدرسة الانطباعية، والتي وُلِد من رحمها لاحقًا مدارس عديدة مثل التعبيرية والتكعيبية التي تأثرت بدورها بالدادائية والسريالية وغيرها.

أبرز أعمال كلود مونيه

قدم كلود مونيه العديد من اللوحات التي اعتبرت من أهم اللوحات التي عبر بها عن انطباعات نفسه وعينه بعيدًا عن الكلاسيكية، ومن أهم هذه اللوحات:

  • لوحة كاتدرائية روان
  • لوحة امرأة مع المظلة
  • لوحة مجلسي البرلمان
  • لوحة سان جورجيو ماجوري في الغسق
  • لوحة زنابق الماء
  • لوحة كومة قش في نهاية الصيف
  • لوحة جسر ياباني فوق بركة من زنابق الماء
  • لوحة الخريف على نهر السين

الجسر الياباني الذي رسمه مونيه
الجسر الياباني الذي ظهر في لوحات كلود مونيه

 

بيت مونيه البيت القرنفلي

كما أسمته الكاتبة كريستينا بيورك في قصتها "لينيا في حديقة الرسام "، والاسم يوضح نفسه، تقول الكاتبة "إنه من الممتع فعلًا أن تشاهد عينا المرء أخيرًا جميع تلك الأشياء التي فكر بها كثيرًا، فهي غالبًا ما تبدو مختلفة. ما كان بوسعي على الإطلاق تخيل كل هذا! هذه الروعة وهذه الكمية من الأزهار" ثم تسهب "لو كان بإمكاننا أن نلقي نظرة على الحديقة من فوق، فستبدو لنا على الأغلب مثل الخطوط، خطوط من مسالك حصوية وصفوف من حياض أزهار متباينة الألوان، الصف الأزرق يحتوي على أزهار الكتان والجريس والعانق (الدلفينيون) وقفاز الثعلب، أما الصف القرنفلي فيضم أزهار عود الصليب والخطْمي والورد." بالإضافة طبعًا للأزهار المنثورة على جانبي طريق الوصول إلى البيت.

والمنزل من الداخل لا يقل حالمية عنه في الخارج، تحديدًا مطبخ مونيه الأزرق.

يعتبر بيت مونيه واحدًا من أهم المعالم في فرنسا ليس لمحبي الانطباعية في الفن فقط، بل لكل محبي الجمال، والجدير بالذكر ايضًا أن هذا البيت كان من تصميم كلود مونيه نفسه وما زال محافظًا على معالمه التي اختارها منذ ذلك الوقت.

 

يقولون إن التغيير مثل الشفاء يحتاج إلى وقت، هذا تمامًا ما عانى منه الانطباعيون في النصف الثاني من القرن 19، وعلى الرغم من بعض الأقوال التي أنصفتهم إلا أن خوف الكلاسيكية من هذا التغيير كان طابعًا عامًا في تلك الحقبة، فحورب الانطباعيون بشدة، ولم تلق أعمالهم رواجًا كبيرًا، بل ولعلنا سنندهش قليلًا إن علمنا أن مونيه الذي تُباع لوحاته الآن في المزادات بملايين الدولارات كان فقيرًا معدمًا معظم حياته، سنندهش أيضًا إن علمنا أن لوحاته لم تكن معروفة إلا في وسط الفنانين المتجددين فقط ومحبي الانطباعية، أما الآن سنرى بلا شك لوحات مونيه وقد أصبحت في أغلبها منقوشة على معظم بطاقاتنا البريدية ودفاتر مذكراتنا كشاهد تاريخي على أن الأثر غالبًا مقترن بالخروج عن المألوف.