07-أغسطس-2023
gettyimages

سجلت تونس تراجعًا بـ27 نقطة في التقرير السنوي الذي أصدرته منظمة "مراسلون بلا حدود"، وأصبحت في المركز 121 في ظل حكم قيس سعيّد (Getty)

بعد عامين من انقلابه على البرلمان المنتخب، واستبدال الدستور، وتغيير شكل نظام الحكم في تونس، اتجه الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى منطقة جديدة من أجل استكمال هيمنته على مفاصل الدول التونسية.

ورغم أن التلفزيون الحكومة لم يتمرد على سعيّد، إلّا أنه استدعى مديرة التلفزيون التونسي عواطف الدالي، إلى قصر قرطاج، وخلال اللقاء وجه انتقادات حادة للخط التحريري في القناة، مقدمًا لها "تعليمات" حول كيفية وطريقة العمل الإعلامي.

استنكرت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، ما اعتبرته "تدخلًا سافرًا  من قيس سعيّد في الإعلام، والتدخل المباشر في الإعلام العمومي والتلفزة التونسية"

وقال سعيّد: إن "العديد من البرامج التي تبثها القناة الوطنية، فضلًا عن نشرات الأخبار وترتيب الأنباء، ليست بريئة"، وأضاف أنه شاهد جزءًا من برنامج "الزمن الجميل، وما هو بالزمن الجميل، ولو كان جميلًا لما كان الوضع على هذا النحو"، وفق زعمه.

وانتقد الرئيس التونسي استضافة البرنامج بعض الأشخاص الذين قال عنهم إنهم "كانوا مختبئين عام 2011، وكان منهم من هو مطلوب للعدالة"، قائلًا: "اليوم اللصوص تحوّلوا إلى أبطال ويتحدثون كأنهم أبطال وصنعوا تاريخ تونس، في حين أنهم أوصلوا تونس إلى هذا الوضع الذي نعيشه اليوم، فعوض أن يتخفوا على الأقل.. لم تعد هناك ورقة توت يمكن أن تخفي سوءاتهم ولكنهم يتحدثون عن زمن قبيح ويريدون أن يسوقوا إلى أنه زمن جميل"، وفق تعبيره.

بودكاست مسموعة

وتابع سعيّد على أنه لا ينكر لأحد ما قام به لكنه يستنكر أن "يتحول اللصوص إلى أبطال داخل التلفزة الوطنية"، وتابع "ليس هذا الخط التحريري بل خط القوى المضادة للحرية ومعركة التحرير الوطني التي يجب أن ننخرط فيها جميعًا"، وفق قوله.

وتساءل سعيّد عن "أسباب عدم بث البرامج التي تهم مطالب التونسيين في كانون الأول/ديسمبر 2010، ويناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2011 التي يراد التعتيم عليها".

وخاطب الرئيس التونسي ، مديرة القناة  بشكل مباشر، قائلًا: "لماذا لا يتم التذكير بالشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وجنودنا الأبطال ورجال الأمن الذي قضوا وهو يواجهون بالحديد والنار الخونة والإرهابيين؟"، على حدّ وصفه.

واختتم سعيّد اللقاء بالدالي بالقول إنه "لا يمكن أن يستمر ما يبث من المؤسسة الوطنية، ويجب أن تكون في خدمة التونسيين لا في خدمة هذه اللوبيات التي تتخفى وراء الستار"، من دون أن يحدد من تكون تلك "اللوبيات"، وفق تعبيره.

تنديد نقابي

من جهتها، استنكرت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، ما اعتبرته "تدخلًا سافرًا  من قيس سعيّد في الإعلام، والتدخل المباشر في الإعلام العمومي والتلفزة التونسية".

واعتبرت النقابة في بيان، أن  هذا التدخل يعد "سابقة خطيرة لم يقدم عليها غيره"، ويندرج في "سياق كامل من الرقابة على الإعلام العمومي، وضرب مبدأ التعدد والتنوع والموضوعية، خاصة في التلفزة والإذاعة التونسيتين ووكالة تونس إفريقيا للأنباء، بالإضافة إلى ممارسات إقصائية تمثلت خاصة في منع المجتمع المدني والقوى السياسية من الظهور في التلفزة التونسية الممولة من دافعي الضرائب". 

ونددت النقابة بهذا "التصريح الخطير الذي يعبر عن عقلية لا تقبل الرأي المخالف ورغبة في توجيه وتوظيف الإعلام في اتجاه واحد، خاصة وأن التلفزة التونسية بصفة خاصة دأبت منذ 25 تموز/يوليو 2021 على تبييض السلطة وتغييب الرأي المخالف أو الناقد لها، وقدمت خدمات جليلة للسلطة لاسترضاءها دون فائدة".

وطالبت النقابة من "رئيس الجمهورية باحترام استقلالية الإعلام والكف عن التدخل في المضامين، والابتعاد عن سياسة التعيينات المسقطة والتي اعتمد فيها رئيس الجمهورية أساسًا على رموز الدعاية والتضليل في زمن التعتيم الإعلامي". 

كما دعت النقابة  "كافة هياكل المهنة والهيئات التعديلية إلى رفض هذه الممارسات علنًا، والدفاع عن حق المواطنات والمواطنين في إعلام حر يعبر عن مختلف التوجهات السياسية والفكرية ويمثل التنوع والتعدد المجتمعي في تونس".

التضييق على عمل الصحافة

يذكر أن النقابة نفذت عدة وقفات احتجاجية سابقة ضد عمليات توقيف ومحاكمات متكررة لصحفيين ومدونين وسط مخاوف من تصاعد التضييق على حرية التعبير، كما دعت إلى سحب المرسوم الرئاسي 54 المنظم للجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال.

وتشهد العلاقة بين الرئيس التونسي والصحفيين توترًا متصاعدًا، خاصةً مع زيادة التضييق على العمل الصحفي، واستمرار محاكمة عدد من الصحفيين.

واتهم الصحفيون التونسيون، السلطة في تونس بـ"توظيف القضاء للتضييق على الصحافيين ووسائل الإعلام".

وسجلت تونس تراجعًا بـ27 نقطة في التقرير السنوي الذي أصدرته منظمة "مراسلون بلا حدود"، وأصبحت في المركز 121 في ظل حكم قيس سعيّد، الذي وصفته بأنه "يتمادى في نهجه الاستبدادي، ولا يُبدي أي تسامح مع الصحافة الناقدة".

تعطيل الحركة الفضائية 

إلى ذلك، وفي سعيه إلى إحكام قبضته على القضاء في تونس، وذلك عبر حل المجلس الأعلى للقضاء المنتخب، واستبداله بمجلس مؤقت معين، يعطل الرئيس التونسي صدور الحركة القضائية (التغييرات القضائية) منذ عام، بسبب خلافاته مع القضاة، في محاولة منه للهيمنة على الجهاز.

زكي وزكية الصناعي

وأكد قضاة تونسيون، أن القضاء في البلاد تحوّل إلى "مجرد وظيفة"، وأنه "يمرّ بأسوأ فترة رغم المكاسب التي تحققت إبان الثورة التونسية".

وعلى الرغم من أن قيس سعيّد، أعلن عن قرب صدور الحركة القضائية خلال مراسيم تسلم أحمد الخشاني مهامه كرئيس للحكومة، قائلًا: إنه "دون قضاة مستقلين لا يمكن مواصلة الطريق"، مطالبًا "القضاة بتحمّل مسؤولياتهم".

من جهتهم، يقلّل القضاة التونسيون من أهمية ذلك، لأن صدورها لن يحل المشاكل، ولن يعيد الاستقلالية لهذه السلطة.

سجلت تونس تراجعًا بـ27 نقطة في التقرير السنوي الذي أصدرته منظمة "مراسلون بلا حدود"، وأصبحت في المركز 121 في ظل حكم قيس سعيّد

وكان سعيّد قد استقبل رئيس المجلس الأعلى المؤقت للقضاء المنصف الكشو، يوم 10 تموز/ يوليو الماضي، وتطرق اللقاء إلى الحركة القضائية للسنة المقبلة، مبينًا أنها "بصدد الإعداد، وسيجري الإعلان عنها في أقرب الآجال".

ومنذ إصدار المرسومين عدد 11 وعدد   35 وإعفاء عدد من القضاة، أصبح الوضع رهينة السلطة السياسية لقيس سعيّد، ورضاه على التسميات القضائية، وهو ما يعني إنهاء مقومات استقلال القاضي وترهيبه، واستقلالية مؤسسة القضاء في حدودها الدنيا.