26-فبراير-2020

نازحون سوريون ومدرعة عسكرية تركية في إدلب (Getty)

تتبادل أنقرة وموسكو الرسائل على أرض المعركة في إدلب، في محاولة كل طرف لفرض شروط للتفاوض، تحدد ما سيطرح على طاولة المباحثات الروسية التركية المرتقبة لحل الخلاف في إدلب، حيث وجهت أنقرة عدة رسائل قوية إلى موسكو، عقب استعادة الفصائل العسكرية المعارضة السيطرة على بلدة النيرب الإستراتيجة بعد معارك مع قوات الأسد. وفي الوقت نفسه سيطرت قوات الأسد بدعم روسي على مدينة كفرنبل، ليبقى يوم الخامس من آذار/مارس المقبل الموعد المفترض لانعقاد القمة الرباعية التي سعى إليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مفتوحًا على جميع الخيارات، كأن يتحول لموعد إعلان أنقرة معركة جديدة لطرد قوات النظام إلى حدود سوتشي.

قمة إدلب ثلاثية أم رباعية؟

التحول في المواقف من القمة الرباعية بدا واضحًا في تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وما أعقبها من تصريحات للكرملين الذي قال إنه لا يعمل في سبيل الإعداد لقمة رباعية تجمع تركيا وفرنسا وألمانيا، مشيرًا إلى رغبته بعقد قمة ثلاثية تكون طهران أحد أطرافها.

قال المتحدث باسم الكرملين إنه لا تجرى مناقشات لعقد قمة مع فرنسا وألمانيا، وإن روسيا لا تبحث حاليًا سوى عقد قمة بشأن إدلب مع إيران وتركيا

وكان أردوغان قال في وقت سابق إنه لا يوجد اتفاق كامل حتى الآن على عقد قمة مقترحة في الخامس من آذار/مارس المقبل مع روسيا وفرنسا وألمانيا، لكنه قد يلتقي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ذلك اليوم. مشيرًا إلى زيارة وفد روسي إلى تركيا الأربعاء لبحث ملف إدلب.

اقرأ/ي أيضًا: ملفات مشتركة ومصالح مختلفة.. هل تُنهي إدلب التعاون التركي – الروسي؟

وردًا على تصريحات أردوغان، قال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين إنه لا تجرى مناقشات لعقد قمة مع فرنسا وألمانيا، وإن روسيا لا تبحث حاليًا سوى عقد قمة بشأن إدلب مع إيران وتركيا.

ميدانيًا واصلت الفصائل العسكرية تقدّمها، على محاور القتال في محيط مدينة سراقب شرق إدلب، وسيطرت على نقاط استراتيجية جديدة، عقب سيطرتها على كامل بلدة النيرب المجاورة، باشتباكات كبّدت فيها قوات نظام الأسد خسائر كبيرة. في حين سيطرت قوات الأسد بغطاء روسي على مدينة كفرنبل بريف إدلب.

وتتميز بلدة النيرب بموقع استراتيجي على الطريق الدولي حلب – اللاذقية (M4)، وهي أول بلدة على هذا الطريق تتمكّن قوات النظام بدعم جوي روسي مكثّف مِن السيطرة عليها، بعد سيطرتها على الطريق الدولي حلب – دمشق (M5).

في المقابل، تمركز الجيش التركي في ثلاث نقاط عسكرية جديدة في جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، ليصبح عدد نقاطه في المنطقة الواقعة غربي الطريق الدولي (حلب -دمشقM5 ) وجنوبي الطريق الدولي (حلب – اللاذقية M4) ست نقاط بينها نقطة تحاصرها قوات النظام.

تركيا ترفض المقترح الروسي

الوفد الروسي الذي زار تركيا الأسبوع الماضي قدم خارطة جديدة لـ"منطقة خفض التصعيد"، تمتد من الحدود التركية – السورية وحتى عمق 30 كيلومترًا عنها، وهو ما رفضه الجانب التركي بشكل مطلق. ويصر الوفد التركي على انسحاب قوات النظام السوري، والميليشيات التي تسانده، إلى ما وراء النقاط التركية، تطبيقًا لاتفاق سوتشي الموقّع بين أردوغان وبوتين، عام 2018، دون قبول التفاوض على أقل من ذلك وتشير مجمل المعطيات، من لقاءات ومفاوضات وتصريحات ورسائل متبادلة بين الطرفين، إلى أنه من المرجح أن ينتظر الطرف التركي، المهلة التي حددها الرئيس أردوغان، للنظام السوري حتى نهاية شباط/ فبراير الحالي، مع مواصلة تعزيز القوات التركية القتالية في إدلب والمناطق الحدودوية، بالتوازي مع المباحثات المكثفة مع الروس.

رغم تقديم روسيا الدعم الكامل حتى اليوم لسياسات الأسد، إلا أنها ستعيد تقييم الوضع من جديد في ظل الإنذار التركي

يرى مراقبون أنه رغم تقديم روسيا الدعم الكامل حتى اليوم لسياسات الأسد، إلا أنها ستعيد تقييم الوضع من جديد في ظل الإنذار التركي، يدفعها لذلك مخاوفها من فقدان تركيا بسبب مصالحها الاستراتيجية معها.

اقرأ/ي أيضًا: شمال شرق سوريا.. تنافس ثلاثي على ترسيم حدود السيطرة

يدرك بوتين أيضًا أن الإفراط في ممارسة الضغوط في إدلب قد يعيد أردوغان إلى التحالف مع واشنطن، وهو ما بدا واضحًا في تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الذي أكد أن نظام الأسد لن يحقق نصرًا عسكريًا في إدلب، وأن بلاده ستتعاون مع تركيا.

وأضاف بومبيو في تصريحات صحفية "قلنا مرارًا إن نظام الأسد لن يحقق نصرًا عسكريًا، وهجومه على إدلب يزيد فقط من خطر الدخول في صراع مع حليفتنا في الناتو تركيا". مشيرًا إلى أن دعم إيران وروسيا لنظام الأسد أدى إلى موجة نزوح كبيرة في سوريا، وقد قوضتا بذلك كل فرصة لوقف إطلاق النار.

يسعى الكرملين إلى تحقيق مصالحه الاستراتيجية الطويلة من خلال عرض اتفاق جديد على أردوغان في إدلب، حتى لو كان يعتزم خرق ذلك الاتفاق في وقت لاحق. وربما يسمح بوتين لتركيا بشن ضربات رمزية قوية على أهداف تابعة لقوات النظام. دون إغفال مصالح النظام الذي أعلن أنه يعتزم استعادة أكبر مساحة ممكنة من الأراضي الفارغة من أهلها، وضمان أمن الطريقين السريعين الاستراتيجيين "M4" و "M5"اللذين يمران عبر إدلب شرقًا وجنوبًا.

وحتى إن استطاعت تركيا مستقبلًا السيطرة على القسمين الغربي والشمالي من محافظة إدلب فمن شأن ذلك حصر معظم سكان إدلب (بمن فيهم حوالي 2 -3 ملايين مدني) في منطقة تبلغ مساحتها حوالي 1000 ميل مربع. لكن المخاطرة بهذا الوضع البشري الهش قد يكون الثمن الذي هم على استعداد لدفعه من أجل إيجاد حل لإدلب في وقت ما في المستقبل .

دعم معنوي من الناتو لأنقرة

أصدر حلف شمال الأطلسي عدة رسائل تذكير لموسكو بأن تركيا عضو مهم في التحالف. وتركز الولايات المتحدة على رد فعل أنقرة التي تواصل حشد قواتها في إدلب. بوتين الذي راهن على خلاف بين تركيا والناتو وواشنطن عقب صفقة صواريخ (إس 400) قد يغير من موقفه قريبًا. حيث يسعى الرئيس الروسي إلى عقد قمة تركيا بمشاركة إيران صاحبة النفوذ والتأثير الكبير على قوات الأسد الموجودة على الأرض. حيث تبدو طهران التي تئن تحت وطأة الحصار الأمريكي، سعيدة بالتوتر بين أنقرة وموسكو.

الدعم المعنوي الذي تقدمه كل من واشنطن والناتو لتركيا فيما يخص ملف إدلب لا يرضي الرئيس التركي

الدعم المعنوي الذي تقدمه كل من واشنطن والناتو لتركيا فيما يخص ملف إدلب لا يرضي الرئيس التركي، إذ أعلن أن الولايات المتحدة لم تقدم بعد دعمًا لتركيا في إدلب، وأنه سيحتاج إلى التحدث مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول هذه المسألة مرة أخرى.

اقرأ/ي أيضًا: حملة النظام السوري للسيطرة على الطريق الدولي.. هدف أم ذريعة؟

وأوضح أردوغان، في حديثه إلى الصحفيين أثناء رحلة العودة من أذربيجان، أن واشنطن أبلغته بأنه ليس لديها أي أنظمة دفاعية من طراز باتريوت لتزويد أنقرة بها في الوقت الحالي.

ومع ذلك يبقى خيار الحرب، من قبل تركيا وفصائل المعارضة السورية، ضد قوات النظام حاضرًا لإجبارها على التراجع عن المناطق التي تقدمت فيها مؤخرًا. في حين تواجه السياسة الروسية المتمثلة في إعادة السيطرة على مناطق المعارضة، معضلة وهي الافتقار إلى القوة البشرية للسيطرة الكاملة على مناطق واسعة وضبطها. في العديد من الحالات، فإن عودة النظام إلى المناطق التي كان تحت سيطرة المعارضة في السابق لا تزيد عن زرع علم النظام في البلدة. ويمكن أن يؤدي تحول القتال من الوسائل التقليدية إلى ثورة جديدة تؤدي إلى سيطرة المعارضة السورية على هذه المناطق مجددًا كما ترى صحيفة الغارديان.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إدلب في سياق التوتر التركي الروسي.. ماذا يحدث؟