15-فبراير-2020

يسعى النظام السوري للسيطرة على آخر معاقل المعارضة (Getty)

كانت منطقة خفض التصعيد الأخيرة (محافظة إدلب، ريفي حلب الشرقي والغربي، ريف حماة الشمالي، وجزء من ريف اللاذقية الشرقي) مطلع شهر شباط/فبراير من العام الفائت 2019 على موعدٍ مع حملة برّية وجوية أطلقتها ميليشيات النظام السوريّ بغطاء جوّي روسيّ للسيطرة على الطريق الدولي دمشق-حلب (M5)، منتهكةً بذلك اتّفاق سوتشي الذي توصّل إليه الرئيسان التركيّ رجب طيب أردوغان والروسيّ فلاديمير بوتين، ونصّت بنوده على إقامة منطقة منزوعة السلاح بعرض يتراوح بين 15 إلى 20 كيلومتر على طول خطّ التماس بين ميليشيات الأسد وفصائل المعارضة المسلّحة.

يعتقد البعض أنّ حملة النظام وروسيا سوف تنتهي بسيطرتها على الطريقين دمشق-حلب واللاذقية-حلب، بينما ترى الأغلبية الساحقة أنّ السيطرة على الطريقين الدوليين مجرّد ذريعة

حاولت تركيا التصدّي لهجمات ميليشيات الأسد من خلال جهودها الدبلوماسية الساعية لحثّ الروس على كبح جماح النظام انطلاقًا من اتفاق سوتشي الذي سقط فعليًا منذ دخول الميليشيات المنطقة منزوعة السلاح وسيطرتها على ريف حماة الشمالي ومدن خان شيخون ومعرّة النعمان وسراقب وأجزاء واسعة من ريفي حلب الغربي والجنوبي، مُطبقةً بذلك الحصار على نقاط المراقبة التركية في مدينة مورك وسراقب وبلدات الصرمان وتل الطوقان وخان طومان والعيس ومعر حطاط.

اقرأ/ي أيضًا: إدلب في وجه المأساة

وكان الجانبان التركيّ والروسيّ قد توصّلا عدّة مرّات إلى اتفاقات لوقف إطلاق النار في المنطقة دون أن تلتزم ميليشيات الأسد، بغطاءٍ روسيّ، بها، إذ كانت دائمًا سبّاقةً لخرقه، والتقدّم نحو السيطرة على مناطق جديدة في الشمال، الأمر الذي تسبّب بدمار كبير في المنطقة وخلق موجات نزوح كبيرة من ريف حماة الشمالي وريفي إدلب الجنوبي والشرقي باتّجاه المنطقة الحدودية، حيث بلغ عدد النازحين من هذه المناطق، بالإضافة إلى ريفي حلب الجنوبي والغربي، منذ 2 شباط/فبراير 2019 وحتّى 10 شباط/فبراير الجاري 1,775,209 نازح، منهم 426,603 خلال الفترة الممتدّة من 16 كانون الأوّل/يناير وحتّى 10 من الشهر الجاري، بينما بلغ عدد الضحايا من المدنيين خلال الفترة نفسها 204 مدنيّ، بينهم 59 طفل و33 امرأة.

وكان فريق منسقّو استجابة سورية قد سجّل في تقريره الذي تناول الأوضاع الإنسانية والميدانية شمال غرب سوريا خلال الفترة المذكورة أعلاه، نسبة عجز في الاستجابة الإنسانية للنازحين الجدد بمعدّل 96% في قطاع المأوى، و92% في قطاع الأمن الغذائي، و89% في قطاع الصحّة. ولا يزال الفريق، بالإضافة إلى عددٍ من الجمعيات والمنظّمات الإنسانية العاملة في الشمال، يُحذّر من كارثة إنسانية كبيرة بعد تجمّع نحو 4 ملايين إنسان في منطقة قابلة للتقلّص والانكماش، وسط ظروف إنسانية ومعيشية صعبة.

الأرقام المذكورة أعلاه ليست إلّا الحصيلة الأولية لحملة ميليشيات الأسد وروسيا على المنطقة بهدف السيطرة على الطريق الدولي (M5)، الذي خاضت لأجل السيطرة عليه معارك ضخمة خلال العاميين الماضيين بعد أن ظلّ لسنواتٍ طويلة تحت سيطرة فصائل المعارضة المسلّحة التي أحكمت قبضتها منذ سنة 2012 على عددٍ من المدن التي يمرّ بها، بدءًا من درعا جنوب سوريا مرورًا بريف دمشق وريفي حمص وحماة الشمالي وصولًا إلى معرّة النعمان وسراقب في محافظة إدلب، وخان طومان وخان العسل في ريف حلب، وانتهاءً بمدينة اعزاز في ريف حلب الشمالي.

المساعي الأسدية والروسية للسيطرة على هذا الطريق كانت قد انطلقت سنة 2017، حيث تمكّنت الميليشيات من السيطرة على مدينة صوران في ريف حماة الشمالي، وكلّ من محافظة درعا وريف حمص الشمالي سنة 2018 بموجب اتّفاق مصالحة/ تهجير مشابه، ليكون الجزء الممتد من مدينة حماة وصولًا إلى الحدود السورية-الأردنية تحت سيطرة النظام، بينما ظلّ الجزء الممتد من ريف حماة الشمالي مرورًا بمحافظة إدلب وريف حلب الغربي والجنوبي تحت سيطرة الفصائل المعارضة، وذلك قبل الحملة التي سيطر بموجبها على الجزء الأكبر من الطريق خلال الأشهر الماضية.

وبسيطرتها على هذا الجزء من الطريق، تكون ميليشيات الأسد قد أحكمت قبضتها على الجزء الأكبر من الطريق الدولي (M5)، ممّا يعني أنّ وجهته التالية قد تكون إمّا طريق اللاذقية حلب المعروف بـ (M4)، أو ما تبقّى من دمشق حلب، أي الجزء الممتد من بلدات حريتان وبيانون وحيان الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة، مرورًا ببلدة دير جمال الواقعة تحت سيطرة الوحدات الكردية، والتي تفصل بين البلدات المذكورة ومناطق درع الفرات وصولًا إلى الحدود السورية التركية.

التقدّم الواسع لميليشيات النظام في محيط الطريق الدولي لا يعني أنّ معركته انتهت، حيث تشير المعطيات الميدانية إلى تحرّكات تركية دولية هدفها طرد الميليشيات إلى ما بعد حدود اتفاقية سوتشي، وهو ما عبّر الأتراك صراحةً عنه على لسان الرئيس رجب طيب أردوغان الذي تعهّد بطردها إن لم تنسحب من المنطقة خلال المهلة المحدّدة، أي حتّى نهاية الشّهر الجاري.

يعتقد البعض أنّ حملة النظام وروسيا سوف تنتهي بسيطرتها على الطريقين دمشق-حلب واللاذقية-حلب، بينما ترى الأغلبية الساحقة أنّ السيطرة على الطريقين الدوليين مجرّد ذريعة الغاية منها السيطرة على آخر معاقل المعارضة المسلّحة، وهو رأي يتّفق معه الكاتب والباحث السوريّ حمزة المصطفى الذي يرى أنّه من الصعب تسمية ما يجري بمعركة الطرقات الدولية، وأنّ الميل الإعلاميّ العربيّ والغربيّ لتصويره بهذه الطريقة إنّما يندرج ضمن صيغة خرائطية طبوغرافية بسيطة تشرح، ربّما، النشاط العسكريّ المحموم للنظام وحلفائه، دون إدراك لمسألة أنّ المساحة المتبقية من الطريق الدولي القديم يمكن تعويضها بطريق آخر بنفس المسافة الزمنية إلى حلب والحدود التركية.

ويضيف المصطفى في حديثٍ لـ "ألترا صوت"، أن "جميع التسويات مع تركيا ضمن ما يعرف بمناطق خفض التصعيد تتضمّن خططًا لإعادة تشغيل الطرقات الدولية المهترئة منذ ما قبل الحرب، والتي تضاعفت أضرارها بعد سنوات الحرب التسعة. لذلك، لا يمكن وضع المعركة ضمن هذا الإطار لأنّه لا يشرح كلّ الصورة، ولأنّ معركة إدلب هي تعبير متواصل عن استراتيجية النظام وروسيا القائمة على الحسم العسكري وإلغاء أي تسويات دائمة أو مؤقّتة محلّية أو دولية، من شأنها أن تمنح المعارضة الحالية أي وجود أو قدرة تفاوضية".

ووفقًا لرؤيته، يقول المتحدث إنّ انتصار النظام عسكريًا بمساعدة روسيا لم يكن كافيًا لشرعنته سياسيًا بعد فشل الروس في عملية إقناع أطراف دولية ببدء عملية إعادة إعمار يكون النظام وحكومته بوصلتها. ويشير المصطفى هنا إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية والمعيشية أيضًا في ظلّ عجز النظام عن القيام بمهامه كدولة لا كميليشيا عسكرية. بمعنى أنّ تلك الأزمات كانت دافعًا لعودة النظام إلى العمل الميداني العسكري الذي تهرّب عبره من الإجابة عن أسئلة محلّية عديدة تُثار داخل مناطقه، بالإضافة إلى محاولة تقليص دور تركيا في سوريا برفع يدها عن المعارضة وحصر اهتماماتها ضمن مشاكلها مع الأكراد فقط.

فالنظام وروسيا بحسب المصطفى يعتقدان أنّ زمن التسويات مع تركيا قد ولّى، وأنّه قد يكون من الممكن أيضًا عقد تسويات مع قوّات سوريا الديمقراطية تسمح للنظام بالاستفادة من الثروات النفطية في شرق البلاد. ويرى الباحث هنا أنّ تركيا فهمت الرسالة، ولذلك جاء ردّها عسكريًا وبقوّة لأوّل مرّة.

من جهته يرى الكاتب والباحث السوريّ أحمد أبازيد أنّ الهدف الروسي في إدلب هو السيطرة على كامل المحافظة وصولًا إلى الحدود التركية، حيث تراهن روسيا على إحداث انهيار مستمر يسمح باجتياح جنوب إدلب وحصار المدينة وجبل الزاوية كمرحلة أولى. ويؤكد أبازيد في حديثه لـ "ألترا صوت" أنّ الميليشيات نجحت في تلك المرحلة، ولكنّ الفصائل تمكّنت من امتصاص الصدمة واسترداد المبادرة بعد سقوط معرة النعمان.

اقرأ/ي أيضًا: إدلب في سياق التوتر التركي الروسي.. ماذا يحدث؟

أمّا بشأن الطريق الدولي، يرى المتحدث أنّ أهميته بالنسبة إلى روسيا تكمن في كونه حجّة للسيطرة على المناطق المحيطة به من جهة، ورمز سيادي من جهةٍ أخرى، عدا عن أنّه ضمانة لتثبيت سيطرة النظام كحكومة شرعية، وبالتالي منع قيام مؤسّسات حوكمة رديفة للمعارضة أو أي أطرافٍ أخرى.

تراهن روسيا على إحداث انهيار مستمر يسمح باجتياح جنوب إدلب وحصار المدينة وجبل الزاوية كمرحلة أولى

وعن سؤالنا عن مستقبل الوجود التركيّ في الشمال المحرر، أجاب  أبازيد بأنّ "طرح النظام والذي تسانده فيه علنًا إيران، وضمنيًا روسيا، هو أنّ الوجود التركيّ غير شرعي ما دام دون تنسيق مع حكومة الأسد. وطرح النظام هو خروج القوات التركية من كامل سوريا، وقد تنتقل روسيا إلى تأييد هذا المشروع لو تمكّنت من السيطرة على إدلب وحصر الوجود التركيّ في الشريط الحدودي. تدرك تركيا أنّ مناطق وجودها في درع الفرات وعفرين وشرق الفرات هي مهددة أيضًا لو سقطت إدلب، وقد يفسر ذلك تصعيدها الأخير وضخ قوات إضافية في المحافظة".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

مدن وبلدات فارغة.. إدلب وحيدة في وجه المقتلة