13-نوفمبر-2018

أربك رد الفصائل الفلسطينية الإدارة الإسرائيلية (تويتر)

ألترا صوت – فريق التحرير

أطل المشهد في قطاع غزة، خلال الساعات الأخيرة الماضية، على كثير من الخلاصات. حيث إن القطاع الذي كان الأكثر تضررًا من حروب إسرائيل "الضرورية" كما وُصفت من نخب تل أبيب الأمنية طوال السنوات الماضية، أمسى ضحية لحروبها "غير الضرورية" هذه المرة، على حد وصف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

لم تكن إدارة نتنياهو معنية بحرب، غير أن السعي إلى استغلال الحاجات الإنسانية للاستفادة من شروط التهدئة، مع عدم توقع أي رد، تسبب بتخبط إسرائيلي 

ترافقت المحاولة التي قامت بها قوة إسرائيلية في وقت متأخر من يوم الأحد، 11 تشرين الثاني/نوفمبر، لاقتحام خانيونس، شرق قطاع غزة، وتنفيذ عملية نوعية، مع تنبهٍ وردٍ فلسطيني، بدا أن قوات الاحتلال الإسرائيلي لم تتوقعه. حيث جرت اشتباكات بين فرقة من مقاتلي المقاومة الفلسطينية تسببت بمقتل جندي إسرائيلي برتبة عالية، وجرح آخر. بينما ردت "غرفة العمليات المشتركة" لفصائل المقاومة على قصف مؤسسات حكومية وإعلامية في القطاع، بإطلاق رشقات من الصواريخ بمدى وصل إلى ما هو أبعد من المستوطنات المحاذية للحدود، بالإضافة إلى استهداف حافلة تقل جنودًا إسرائيليين بصاروخ موجه.

لم تكن إدارة نتنياهو معنية بحرب، وهو ما صرح به نتنياهو نفسه ومسؤولون آخرون في الحكومة بشكل واضح، غير أن السعي إلى تنفيذ عمليات مداهمة واغتيال مباغتة، ومحاولة استغلال الحاجات الإنسانية للاستفادة من شروط التهدئة، مع عدم توقع أي رد، تسبب بتخبط إسرائيلي واضح، ما زال مستمرًا منذ بدء الاجتماع العاجل بين نتنياهو ووزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، ورئيس أركان الجيش غادي إيزينكوت، الذي تعد رئاسته لأركان الاحتلال مسألة وقت، بينما قد تنقلب محاولة ليبرمان لتغيير رئاسة الأركان، ضده في ظل ظروف التصعيد المنظورة، بعد أن كانت المحاولة متعثرة فعلًا عندما أجبر على اختيار افيف كوخافي، بعد فشل مساعيه بتعيين يائير جولان، إضافة إلى التشكيك القانوني بلجنة الإشراف التي عينها ليبرمان على خلفية تهم فساد وتواطؤ واستفادة شخصية، ما يجعل حضور كوخافي، وهو نائب إيزنكوت، بديلًا عنه، سيفًا ذا حدين على رقبة ليبرمان، بل والائتلاف الحاكم برمته.

بين الضرورة أو انعدامها، فإن غزة لم تترك المعركة كاملة للتقديرات الإسرائيلية، حيث أرسلت غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة فيها، رسائل واضحة لإدارة نتنياهو، بأن هذه المنطقة الواقعة تحت بطش الحصار والتجويع منذ سنوات، ليست الورقة الأسهل، التي يمكن أن يستغلها رئيس حكومة للترويج لبرنامجه الانتخابي، أو لتعويض هفواته في قضايا الفساد وسواها.

اقرأ/ي أيضًا: غزة اليوم أمريكا الأمس.. فهود "الصحافة البيضاء" الجدد

وبينما كانت التحليلات أميل إلى اعتبار المساعدات المرسلة لغزة، والمحادثات حول أوضاعها، دليلًا على توجه طويل نحو التهدئة، فإن الساعات الماضية، أكدت أن المقاومة بوصفها فعلًا لا إطارًا سياسيًا أو حزبيًا، غير خاضعة لهذه الحسابات، لأنها إذا مثلت شيئًا، فهي تمثل التفاعل الطبيعي مع هذا النوع من القوة الغاشمة؛ تفاعل يخرج من قلب الحياة اليومية للناس، ومن تذمرهم وشعورهم بالضيق من سنوات الحصار، ومن توقهم العادي للحرية، وليس من غرف السياسة المغلقة. وهي فوق ذلك، صيرورة عمل مستمر ورصد وتكيف مع الشروط المتغيرة.

تتخبط النخب الأمنية الإسرائيلية، في سعيها لمحاولة وصف ما يحدث، وفي تأطيرها لعلاقتها مع غزة، بين الانفصال الكامل في حين، الذي يدعي عدم تحمل أي مسؤولية عن الأوضاع الإنسانية الخطيرة هناك، وبين السعي الدائم إلى الهيمنة والسيطرة على القطاع، وبث تهديدات مصيرية حوله. كان آخر ما جاء في هذا السياق، تصريح نتنياهو بأن الحرب على القطاع غير مجدية وغير ضرورية، وأن باستطاعة إسرائيل تجنب تكاليفها الباهظة. بينما كان تصريحه الثاني عندما بدأت طائرات محملة بأطنان من المتفجرات تحوم فوق المدينة.

بينما كانت التحليلات أميل إلى اعتبار المساعدات المرسلة لغزة، دليلًا على توجه طويل نحو التهدئة، فإن الساعات الماضية، أكدت أن المقاومة بوصفها فعلًا لا إطارًا سياسيًا، غير خاضعة لهذه الحسابات

كيف يخبئ الجيش "الذي لا يقهر" فشله وراء هانيبعل؟

منذ إعلان فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، عن اختطاف مجموعة من الجنود الإسرائيليين غير معروفي العدد، تقول إسرائيل إنهم مجرد جثث لجنود قتلى، عاد النقاش حول بروتوكول هانيبعل، الذي كانت إسرائيل قد أقرته في خضم الحرب على لبنان، لضبط التعامل مع الحالات التي يُخطف فيها جنود.

نص البروتوكول، على إمكانية استخدام أي وسيلة ممكنة لردع عملية الخطف في أطوارها الأولى، بما في ذلك استخدام القوة بشكل مفرط بغض النظر عن التجمعات المستهدفة والظروف، كما أن هناك بندًا يتيح قتل الجندي المختطف نفسه.

أثار هذا التوجيه كثيرًا من الجدل، وعندما قرر بنيامين نتنياهو إلغاءه في عام 2016، بدأت الإدارات الأمنية والسياسية في إسرائيل تستخدم قرار الإلغاء على نطاق واسع، على عدة أصعدة. أولًا لتبرير الفشل في التعامل الأمني مع عمليات الخطف التي نجحت فصائل فلسطينية في إنجازها، وكذا العجز عن استعادة المختطفين. وثانيًا من أجل ترويج صورة "السلاح النظيف" الذي لا يستهدف التجمعات المدنية، بينما يجبره ذلك على تحمل خسائر عسكرية. لقد كان قرار الإلغاء بمثابة حفظ خط العودة لنتنياهو، وتبرير لأي فشل قادم، وقد تم الاستثمار به بالفعل على هذه الشاكلة.

يثبت العدوان الإسرائيلي الجاري الآن على قطاع غزة، أن استهداف السكان الأصليين في القرى والمدن والتجمعات السكنية، لا يرتبط لا بمرسوم ولا بتوجيه، وإنما يقع في قلب المنطق الأمني الإسرائيلي. مع ذلك، فإن أسلوب "الضرب الشامل" الذي تقصف من خلاله إسرائيل تجمعًا مدنيًا من الأكثر كثافة على مستوى العالم، مع ترويج ادعاءات "أخلاقية" في نفس الوقت، يقول شيئًا كثيرًا عن منطق هذه القوة، وعن المنطق اللازم للتعامل معها.

 

اقرأ أيضا:

شمال غزة.. منطق الصراع الهادئ

الحصار باقٍ ويتمدد.. غزة بلا حِرَف