19-فبراير-2024
لا توجد إشارات عن موقف أمريكي حقيقي لمنع الهجوم الإسرائيلي على رفح (GETTY)

لا توجد إشارات عن موقف أمريكي حقيقي لمنع الهجوم الإسرائيلي على رفح (GETTY)

على عكس ما يدّعيه بشأن اعتراضه على الهجوم الذي تهدِّد إسرائيل بشنّه على مدينة رفح، حيث يتواجد أكثر من نصف سكان قطاع غزة، وذلك في محاولة منه لخداع الناخبين العرب والمسلمين؛ يواصل الرئيس الأمريكي جو بايدن وإدارته دعم عدوان إسرائيل على قطاع غزة عبر تقديم الدعم العسكري لها. 

وأشار موقع "ذا إنترسبت" الأمريكي، في تقرير، إلى أن الجرائم الإسرائيلية في غزة، مهما بلغت ضراوتها وتطرفها، لن تدفع جو بايدن إلى التفكير بالضغط على إسرائيل لإيقاف الحرب، أو حتى قطع الدعم المالي وإمدادات الأسلحة إليها. بل إنه رفض رفضًا قاطعًا استعمال لغة التهديد في وجهها، كما رفض الدعوات العالمية لوقف إطلاق نار دائم في غزة.

وقد وافق مجلس الشيوخ الأمريكي، الأسبوع الماضي، على تقديم مساعدات بقيمة 14 مليار دولار لإسرائيل، لتمكينها من مواصلة عدوانها على القطاع واحتلال أراضيه وقصف سكانه المدنيين.

ومع اقتراب وصول عدد الضحايا في غزة إلى 30 ألف فلسطيني، بينهم أكثر من 13 ألف طفل، بدأ مسؤولو الدعاية في البيت الأبيض يشعرون بالقلق من انعكاس هذا الأمر على فرص بايدن في الفوز بالانتخابات الأمريكية القادمة المقررة نهاية العام. لذلك يبذلون مساعي حثيثة لإعطاء صورة عامة لتعاطف الإدارة الأمريكية مع سكان غزة، وتسويق مزاعم مفادها أن بايدن قد نفذ صبره بما يفعله "صديقه" بنيامين نتنياهو.

ليست التصريحات التي يطلقها بايدن وبعض المسؤولين في إدارته بشأن الهجوم على رفح، والحرب على غزة عمومًا، سوى حيل انتخابية

ورغم قرار محكمة العدل الدولية بقبول النظر رسميًا في الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة، وأمرت باتخاذ مجموعة من التدابير العاجلة لمنع "إسرائيل" من القيام بأعمال تندرج ضمن جرائم الإبادة؛ لكن الاحتلال كثف من عملياته العسكرية في القطاع، وحاصر المستشفيات، وقصف المواقع المدنية، بل ويستعد لاجتياح بري واسع النطاق في رفح التي تؤوي أكثر من 1.4 مليون نازح محاصرين في مساحة لا تتجاوز 65 كيلومترًا مربعًا، بعد أن دفعهم قصفها وعملياتها البرية شمال ووسط وجنوب قطاع غزة للنزوح إلى هناك.

وتدّعي إسرائيل أنها تعمل على خطة "إجلاء" للنازحين المحاصرين في رفح. وبحسب الموقع، فإن استخدام هذه الكلمة لا يعني إلا المزيد من التهجير القسري للفلسطينيين تحت تهديد الموت، وهو أمر بشع، فبدل السعي لإنقاذهم تستمر الجهود لترويعهم.

وتزعم إدارة بايدن أنها لن تدعم الهجوم البري الإسرائيلي على رفح، وقد عبّر الأخير عن ذلك خلال اتصاله الأخير مع نتنياهو، كما وضعت الإدارة شرطًا علنيًا مفاده: "لا ينبغي المضي في العملية العسكرية بدون خطة موثوقة وقابلة للتنفيذ تضمن السلامة والدعم للمدنيين في رفح".

انتهازية صارخة

وفي هذا السياق، يحيل التقرير إلى ما ذكرته صحيفة "وول ستريت جورنال" بشأن مقترح إسرائيل بإنشاء مدينة خيام مترامية الأطراف في غزة، وأن يأتي ذلك ضمن خطة إخلاء تمولها الولايات المتحدة ودول خليجية قبل شن هجومها على رفح.

ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مسؤولين مصريين، قولهم إنّ: "مصر ستنشئ 15 مخيمًا في جميع أنحاء جنوب غرب غزة، يضم كل مخيم 25 ألف خيمة، بالإضافة إلى مستشفى ميداني". وتشير صور الأقمار الصناعية إلى أنه يتم بناء هذه المرافق، على الرغم من أن مصر حذرة في إعطاء موقفها من هذه المسألة.

ويدرك البيت الأبيض أنّ إسرائيل التي ستطلق على الأرجح عمليتها البرية واسعة النطاق في رفح، ستخلق أزمة دبلوماسية مع مصر في الوقت الذي تلعب فيه القاهرة دورًا رئيسيًا في الوساطة لإبرام صفقة لتبادل الأسرى والمحتجزين كجزء من اتفاق هدنة مؤقت لمدة 6 أسابيع.

ولفت الموقع الأمريكي إلى أنّ إدارة بايدن أصدرت على مدى الأشهر الأربعة الماضية تصريحات مماثلة تُعبر فيها عن مخاوفها الشديدة بشأن عمليات إسرائيلية وشيكة، منها الهجمات الإسرائيلية المتواصلة على المستشفيات في غزة، لكنها لم تتوانى عن إظهار موقفها العلني الداعم لإسرائيل. وقد أفادت تقارير بأن إدارة بايدن أبلغت "إسرائيل" بأنها تدعم توجيه ضربات لأهداف محددة في رفح، ولا تريد حملة برية واسعة النطاق.

وبالنظر إلى سياسات واشنطن الانتهازية، ستنتظر إدارة بايدن تدهور الأوضاع في رفح، إذا واصل نتنياهو مخالفة الموقف المعلن للبيت الأبيض، وتنوي أن تستعمل ذلك في تصعيد حملتها الدعائية عن "صبرها الذي يكاد ينفد" من أفعال نتنياهو، ومن ثم تستغل ذلك للدعاية بأن بايدن: "بذل ما في وسعه لدعم حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، لكن الأمور ستتوقف عند حدٍّ معين إذا بالغ نتنياهو في توظيف هذا الدعم لصالحه".

لكن التاريخ دليل قوي، وسيذهب إلى التأكيد بأنّ بايدن سيدعم حملة برية إسرائيلية، مع بعض التعابير عن خيبة الأمل بشأن التكتيكات، والادعاء أيضًا بتمكنه من إقناع إسرائيل بحماية المدنيين. وقد أعطى البيت الأبيض لنفسه بانتظام هذا "الفضل" في تشجيع إسرائيل على أنّ تقلل من عدد الضحايا في عملياتها، حتى مع استمرار الجيش الإسرائيلي في قتل أعداد كبيرة من المدنيين الفلسطينيين.

ويستعمل بايدن ونتنياهو نفس الأسلوب في التعامل مع مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية وحل الدولتين. فالإدارة الأمريكية تدرك أن هذه القضية هي محور أي اتفاق لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، والتحرك نحو هذه الغاية يُتيح للبيت الأبيض إطلاق مزاعم بأنه حقق "انتصارًا سياسيًا كبيرًا"، حتى لو لم يبق من غزة سوى الخراب، كما يقول التقرير.

لذلك يتركز اهتمام المسؤولين في الإدارة الأمريكية على الحديث عن خارطة طريق تربط بين قيام دولة فلسطينية وإنهاء الحرب، إلا أن نتنياهو يرفض بشدة أي فكرة من هذا القبيل، وكان قد أصدر بيانًا، بعد مكالمته الهاتفية مع بايدن الأسبوع الماضي، أكد فيه أن: "إسرائيل ستواصل رفض أي اعتراف أحادي الجانب بالدولة الفلسطينية".

وأشار التقرير إلى أنّ تركيز إدارة بايدن في الواقع على الاعتراف بدولة فلسطينية، وكذلك انتقاده لإقامة المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، ليست إلا معارك آمنة يشنها بايدن على نتنياهو الضعيف سياسيًا، لأنه يدرك أنها لن تعود عليه بعواقب كبيرة، بينما لا يبذل أي جهد لمنع هجوم رفح المرتقب. 

حيل انتخابية

وكان من الواضح، منذ أشهر، أن جزءًا من خطة بايدن في التعامل مع العدوان على غزة، خلال الحملة الانتخابية للرئاسيات الأمريكية، هو تحميل النصيب الأكبر من التأنيب على سفينة نتنياهو السياسية، مع الأمل بأن تغرق هذه السفينة في الوقت المناسب، بحيث يستخدم الأمر لخدمة مصالحه الانتخابية لإعادة انتخابه رئيسًا.

لا بيذل بايدن أي جهد لمنع الهجوم الإسرائيلي المرتقب على رفح، بل يواصل انتقاد نتنياهو بطريقة استعراضية يدرك أنها لن تعود عليه بعواقب كبيرة

ويحيل التقرير إلى تقدير استخباراتي أمريكي مفاده أن مخزونات الأسلحة الحالية لدى إسرائيل لا تمكّنها من الاستمرار في عدوانها على غزة إلا لمدة 19 أسبوعًا إضافيًا فقط، ما لم ترسل واشنطن المزيد من الذخيرة. ويبدو عدم استخدام بايدن لنفوذه بوصفه زعيم الدولة التي تُعتبر المصدّر الأول للسلاح لـ"إسرائيل" من أجل وقف الحرب، دليلًا صارخًا على أنّ التصريحات الاستعراضية التي يطلقها المسؤولون الأمريكيون وتتناقلها "التسريبات" الإعلامية، بشأن "إحباط" بايدن المتزايد تجاه نتنياهو، ليست سوى حيلة انتخابية.

ويوضح التقرير أن المنعطف الذي اختاره بايدن لتخليص نفسه سياسيًا من الحرب على غزة، مهما بلغ، فإنه لن يقدر أبدًا على تفادي اللحظات التي لا حصر لها على مدى الأيام الـ134 الماضية عندما كان من الممكن أن توفر أعمال إسرائيل الإجرامية مبررًا قويًا لانهاء الدعم العسكري ومبيعات الأسلحة لإسرائيل.

ويشدد التقرير على أن بايدن وإدارته اتخذوا قرارًا بالحفاظ على تدفق الأسلحة لإسرائيل حتى مع استمرار المذابح على مرأى ومسمع العالم. وعلى الرغم من تحذير بايدن في وقت مبكر جدًا من العدوان، من قبل القادة العرب والمسلمين، من أنّ دعم الولايات المتحدة لحرب إسرائيلية غير مبررة ضد المدنيين سيكلفه سياسيًا؛ لكنه اختار الاستمرار في مسار تأجيج حملة القتل الجماعي الإسرائيلية.

يختم التقرير بالإشارة إلى أنّ السبب الذي جعل العدوان على غزة، بما في ذلك هجوم رفح المرتقب، مشكلة انتخابية لبايدن هو الاحتجاجات المتواصلة، خاصة من الأمريكيين من أصول فلسطينية. لكن يبدو أنّ البيت الأبيض يظن أنه يستطيع استمالة أصوات الأمريكيين العرب، ويأمل أن تكون المخاوف من ولاية أخرى لدونالد ترامب دافعًا لهم لترجيح كفة بايدن في الانتخابات، وتجاوز مشاركته الفظيعة في الإبادة الجماعية المستمرة في غزة.

لكن مهما سيحدث في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر، لا ينبغي النسيان أبدًا أن بايدن، وليس الأمريكيين الذين يعارضون العدوان الإسرائيلي والدعم الأمريكي له، هو الذي عزز فرص ترامب في الفوز بالانتخابات المقبلة، وأن هذا الذنب لا يقع إلا على عاتقه وعاتق ومؤسسة الحزب الديمقراطي.