19-فبراير-2024
المفكر العربي عزمي بشارة خلال المقابلة

المفكر العربي عزمي بشارة (يوتيوب)

استبعد المفكر العربي عزمي بشارة وجود خطة "سلام" أمريكية مكتوبة، مؤكدًا أن ما يُطرح مجرد أفكار همها الرئيسي ليس سكان قطاع غزة أو مصيرهم، وإنما عودة مسار التطبيع مع "إسرائيل"، بالإضافة إلى الترتيبات التي كانت جارية قبل بداية الحرب.

وأوضح بشارة، في مقابلة أجراها معه "التلفزيون العربي" مساء أمس الأحد، أن ما سبق لم يعد ممكنًا بتجاهل القضية الفلسطينية التي أعادتها تضحيات الشعب الفلسطيني إلى الواجهة مجددًا، لافتًا هنا إلى غياب وقف إطلاق النار والإبادة الجماعية المتواصلة في قطاع غزة عن الأفكار الأمريكية المطروحة.

ورأى أن الحديث عن الدولة الفلسطينية يفتقد لأي جوهر، مُبديًا استغرابه من غياب ردود فعل عربية جازمة وحاسمة بشأن هذه المسألة، سيما أن ما يُطرح، وفق قراءته، يقوم على استبدال إنشاء الدولة بالاعتراف بها، أو الاعتراف بها من دون قيامها، أو ربما بدل أن تنشأ.

رأى بشارة أن ما يهم الأمريكيين مما يطرحونه من أفكار بشأن "السلام" ليس سكان غزة ومصيرهم، وإنما عودة مسار التطبيع مع "إسرائيل"

وشدّد بشارة على ضرورة أن يُفضح هذا الأمر، وأن تكون هناك أيضًا ردود عربية واضحة بشأنه، ذلك أن الحديث يجب أن يكون عن إقامة دولة فلسطينية، وليس عن الاعتراف بها.

وبينما أشار إلى ما طُرح من مبادرات بشأن قيام دولة فلسطينية، دون أن تصل إلى نتيجة، فقد لفت إلى أن الإسرائيليين يعارضون منح السلطة الفلسطينية منزلة دولة في الأمم المتحدة، بل ويتعاملون مع ذلك على أنه تخريب للعملية السياسية الجارية. كما يتعاملون مع قيام دولة فلسطينية على أنه تنازل كبير من قِبلهم يجب أن تقابله تنازلات فلسطينية كما يرى بشارة، الذي أوضح أنهم يرفضون تدخل المجمع الدولي في هذا الملف لأنهم يعتقدون بأنه ملكهم وحدهم.

ولفت إلى أن الحديث عن الدولة الفلسطينية ليس جديدًا، بيد أن الجديد فيه هو الاعتراف بالسلطة كدولة لها مكانها في الأمم المتحدة، وتُعتبر طرفًا شرعيًا على الصعيد الدولي بحيث يصبح بسط سلطتها على قطاع غزة أمرًا مفروغًا منه، كما يمنحها ذلك أدوات لتمثيل أفضل.

ولكن ما سبق يرتبط، وفق بشارة، بأن يكون الاعتراف بالدولة الفلسطينية ضمن حدود الرابع من حزيران/يونيو عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. وهو ما أكد المفكر العربي أنه ليس المطروح الآن، ولذلك فقد اعتبر أن ما يُطرح الآن لا معنى له.

"إسرائيل" ترفض وقف إطلاق النار

أما بشأن مفاوضات تبادل الأسرى، فأعاد بشارة عدم تقدّمها إلى رفض دولة الاحتلال وقف إطلاق النار والانسحاب من قطاع غزة، الذي أشار إلى أنها تنوي أن يكون لها تواجد فيه بعد الحرب يمكّنها من تطبيق نموذج الضفة الغربية بعد أوسلو.

وفيما بيّن أنها ترفض كذلك الحديث عن المسجد الأقصى وأوضاع السجناء، مع وجود خلافات تتعلق بطول مدة الهدنة والأسرى الذين سيتم الإفراج عنهم؛ أوضح بشارة أن الجديد في اقتراحات "إسرائيل" يكمن في تساهلها بما يتعلق بالمساعدات وإيصالها إلى كافة مناطق قطاع غزة، بما في ذلك الشمال، وعوة الناس إلى بيوتهم في وسط وجنوب قطاع غزة.

ومع أن ذلك قد يبدو تنازلًا، لكن بشارة أوضح أنه يرتبط بغزو رفح، ذلك أن الهدف هو تفريغ المدينة من السكان. كما أوضح أيضًا بأنه رغم عدم وجود ضمانات لوقف إطلاق النار في الصفقة التي تجري المفاوضات بشأنها، لكن ذلك يعني بقاء بعض المحتجزين لدى "حركة حماس" التي لن تطلق سراحهم جميعًا قبل المرحلة الثالثة.

الإسرائيليون يكذبون حول الوضع الميداني

وقال بشارة إن ما يسعى الإسرائيليون إلى تحقيقه هو "إنجاز عيني" لا تستطيع "حماس" بعده إدارة قطاع غزة عقب انتهاء الحرب، ويمكّنها أيضًا من القول إن "كتائب القسام" قد تضرّرت، لافتًا هنا إلى أن الإسرائيليين يكذبون كثيرًا عندما يتحدثون عن الواقع الميداني في قطاع غزة.

وأشار مؤلف كتاب "مسألة الدولة" إلى أن ظروف الحرب تحسّن وضع بنيامين نتنياهو الانتخابي، رغم أنه لا يزال خاسرًا على المستوى السياسي، لأنه هو من يقودها من جهة، كما أنه من يستطيع – كما يقدّم نفسه – أن يقول للأمريكيين "لا" بخصوص موضوع الدولة الفلسطينية دون أن يخسر دعمها، من جهة أخرى.

أما بخصوص مدينة رفح، فأوضح بشارة أن التهديدات الإسرائيلية باجتياحها جدية، لافتًا في الوقت نفسه إلى أنها جزء من الضغوط الإسرائيلية على "حماس" لتقديم تنازلات، وكذلك على الشعب الفلسطيني ليقوم بدوره بالضغط على الحركة، مؤكدًا أن "إسرائيل" مصرّة على مواصلة الحرب رغم الضغوط الممارسة عليها.

غالبية الإسرائيليين يؤيدون استمرار الحرب

وفي سياق حديثه عن المجتمع الإسرائيلي بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أشار المفكر العربي إلى أن غالبية الإسرائيليين يؤيدون استمرار الحرب على قطاع غزة، ويرفضون عودة "حماس" لإدارة القطاع، بل ويريدون منع دخول المساعدات إليه.

شدّد بشارة على أنه لن يكون هناك أي استقرار في المنطقة من دون حل عادل للقضية الفلسطينية التي أكد أنها قضية العرب أجمعين

وقال بشارة إن الإسرائيليين لا يزالون تحت وقع الصدمة والرغبة في الانتقام، ولم يشبعوا بعد من الدم الفلسطيني لاستعادة ما يُعرف بينهم بـ"هيبة الردع"، ذلك أن تصرفاتهم لا تزال تصرفات قبيلة، بمعنى أن الأجواء العامة في "إسرائيل" لا تزال أجواء هستيريا حربية كما أوضح بشارة.

وأشار إلى أنه في مثل هذه الأجواء، لا مكان للنقد الحقيقي، لكنه رجّح أن يبدأ الحساب الجماعي للذات في وقت لاحق لا بشأن الحرب على غزة فقط، وإنما حول الحصار والاستيطان وتدنيس المسجد الأقصى، الذي أكد أن السلوك الإسرائيلي تجاهه وتجاه القدس لن يمر وستكون له تبعات، وذلك بالإضافة إلى الوضع بالضفة الغربية التي أكد أن "إسرائيل" تُعيد عمليًا احتلالها.

الموقف العربي هو موقف المتفرج

وتطرّق صاحب كتاب "الطائفة، الطائفية، والطوائف المتخيلة" إلى الموقف الرسمي العربي من القضية الفلسطينية، فقال إن ما ضيّعه العرب هو فرص محاربة "إسرائيل" عام 1967 وليس السلام معها، مؤكدًا أن "إسرائيل" هي من رفضت كل ما يتعلق بالسلام، بما في ذلك المبادرات الأمريكية التي وافق عليها العرب ورفضتها دولة الاحتلال.

وبينما لفت إلى أن "إسرائيل" لم تطرح أي مبادرة سلام تاريخيًا، ذكّر بمبادرة السلام العربية التي رفضتها "إسرائيل" وقام العرب بإجراء بعض التعديلات عليها لتنال قبولها. وانطلاقًا من هنا أوضح المفكر العربي أن العرب قدّموا، ولا يزالون، الكثير من التنازلات لإرضاء دولة الاحتلال لدرجة تخلي بعض الدول عن مبادرة السلام العربية وتطبيع علاقاتها مع "إسرائيل" من دون حل القضية الفلسطينية.

ومن دون حل عادل لهذه القضية، أكد بشارة أنه لن يكون هناك أي استقرار في المنطقة، مشدّدًا على أن قضية فلسطين ليست فقط قضية عادلة وإنما قضية العرب أجمعين. ولذلك فإن ما يجب أن يقدّم للفلسطينيين ليس معروفًا، ذلك أن قضيتهم هي قضية استراتيجية ووجودية تهم كل الشعوب العربية.

واعتبر بشارة أن تصريح وزير الخارجية المصري سامح شكري، في مؤتمر ميونخ للأمن، بأن "حماس" خارج الإجماع الفلسطيني، خاطئ ومسيء، مؤكدًا أن الإجماع الفلسطيني غير ممكن دون "حماس" التي هي قوة وازنة شعبيًا. كما شدّد، ضمن السياق نفسه، على أن الإجماع الوحيد الممكن هو الإجماع الشعبي الوطني الذي تكون "حماس" جزءًا منه، لافتًا إلى أنه لا يمكن أن يكون ضمن إطار السلطة القائمة حاليًا، وإنما في إطار "منظمة التحرير الفلسطينية".

وتوقف بشارة في حديثه عند استبدال مصطلح "الصراع العربي – الإسرائيلي" بـ"الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي" الذي رفضه بشكل مطلق لكونه يوحي بأن هناك صراعًا بين طرفين يملكان الحق نفسه على الأرض نفسها، بينما الواقع أن هناك قضية تحرر وطني هي القضية الفلسطينية.

وفي حين رأى أن الغاية من استخدام المصطلح السابق هي التعامل مع القضية كعبء يُرمى على كاهل الفلسطينيين، أكد أن غزة أثبتت أن ذلك لا يصلح. كما أبدى استغرابه من أن ينشغل العالم كله بفلسطين بينما العرب لا زالوا متفرجين.

أهمية إقامة مرجعية موحدة للفلسطينيين

انتقل بشارة بعد ذلك إلى الحديث عن السياسة الفلسطينية مؤكدًا أن أداء الشعب الفلسطيني الذي تحمل ما لم تتحمله الجبال ترفع له القبعة، بيد أن أداء القوى السياسية لا يزال محدودًا، وهذا لا يشمل المقاومة الفلسطينية التي أكد بشارة أنها أثار دهشة العالم، بل وفاجأت "إسرائيل" لناحية قدرتها على الصمود.

أكد بشارة أن الإسرائيليين لا يزالون تحت الصدمة ولم يشبعوا بعد من الدم الفلسطيني لاستعادة ما يُعرف بينهم بـ"هيبة الردع"

وشدّد بشارة على ضرورة إقامة مرجعية موحدة للشعب الفلسطيني، سيما في مرحلة الحرب الوجودية التي تُشن على هذا الشعب، إذ اعتبر أنه إذا كان هناك طرف يُضرب ويُقتل ويُسجن، وطرف آخر ينتظر القضاء على الطرف الأول، لا يعود الشعب الفلسطيني شعبًا واحدًا ويصبح هناك شرخ حقيقي يصعب جمعه في إطار وطني، ما يجعل بحسبه من الصعب الحديث عن كيانية فلسطينية.

ورأى المفكر العربي أن ما سبق من شأنه أن يسهّل على "إسرائيل" تمرير فكرة السلطة المدنية التابعة لها بالضفة الغربية وغزة، ما يعني تلاشي فكرة الاستقلال والدولة بل وحتى القدرة على الحديث عن العدالة والاستقلال طالما أن هناك طرفًا يتعاون.

ولذلك شدّد بشارة على ضرورة إقامة قيادة موحدة بين جميع القوى الفلسطينية. وفي هذا السياق، أشار إلى نوع من التمايز بين السلطة الفسلطينية و"حركة فتح" ظهرت في المفاوضات التي جرت في الجزائر، حيث اتفق وفد الحركة مع وفد "حماس" على فكرة القيادة الموحدة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، لكن وفد السلطة نسف ما توصلا إليه.

وقال بشارة إن تعميق هذا التمايز ضروري للوصول إلى وحدة وطنية بين الحركتين، وبين جميع قوى الشعب الفلسطيني، في إطار واحد من شأنه إحباط المحاولات الجارية لفرض سلطة مدنية في قطاع غزة، أكد أنها ليست سوى سلطة أمنية مرتبطة بـ"إسرائيل".