21-سبتمبر-2023
محطة كهرباء عدن

(Getty) محطة كهرباء عدن

في درجة حرارة تصل إلى أكثر من 40 درجة مئوية، يحاول هاني سالم النوم مرارًا وتكرارًا دون كهرباء يمكنه من خلالها تعديل حرارة الجو أو أي شيئًا آخر، ولكنه يفشل في كل مرة يحاول بها النوم أو الراحة.

يقول سالم، في حديثه لألترا صوت، إن انقطاع الكهرباء المتكرر يتسبب لهم بالكثير من المعاناة، إذ لا يستطيع أحد النوم أو قضاء أي عمل أو قضاء يومه بشكل طبيعي مع زيادة موجة الحر الشديدة في المدينة، ويشير سالم إلى أنه مع زيادة موجة الحر تزداد ساعات انقطاع التيار الكهربائي، إذ أصبحت تصل ساعات انقطاع التيار إلى أكثر من 7 ساعة مقابل ساعتين عمل، الأمر الذي يزيد من سوء الوضع لاسيما عند المرضى والأطفال والنساء الحوامل، وهذا ما جعله يشارك مع مواطنين محتجين على سوء الوضع في مدينة عدن اليمنية.

وتشهد مدينة عدن الساحلية، جنوبي البلاد، والتي تتخذ منها الحكومة اليمنية عاصمةً لها؛ واقعًا مأساويًا إثر تردي الخدمات وعلى رأسها الكهرباء وانقطاعها المتكرر في عدد من المدن والأحياء هُناك، الأمر الذي دفع مواطنين للاحتجاج منذ مطلع آب/أغسطس الماضي مطالبين بتحسين الخدمة وتوفير الكهرباء، إذ قام محتجون بقطع الشوارع الرئيسية وإحراق إطارات السيارات، ما يجعل قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي تقوم بتفريق المتظاهرين وإطلاق النار عليهم في أوقات عدة.

تشهد مدينة عدن اليمنية واقعًا مأساويًا إثر تردي الخدمات وعلى رأسها الكهرباء وانقطاعها المتكرر في عدد من المدن والأحياء

 

زيادة الطلب

ومع زيادة موجة الحر الشديدة في الفترة الأخيرة زادت ساعات انقطاع التيار الكهربائي بشكلٍ كبير، ومعها تزداد معاناة المواطنون، إذ أعلنت مؤسسة كهرباء عدن في 20 آب/أغسطس الماضي عن توقف 80% من منظومة الكهرباء بسبب نفاذ الوقود، وقال بيان المؤسسة المنشور على صفحتها على فيسبوك أن "وزارة الكهرباء بذلت جهدها خلال الأيام الماضية لتوفير وقود يحافظ على الحد الأدنى من عمل محطات الكهرباء على أمل أن تتدخل رئاسة الحكومة لتأمين الوقود"، وأشار البيان إلى أن جميع مناشدات المؤسسة لم يتم الاستجابة إليها ما تسبب بخروج 80 % من المنظومة عن الخدمة.

وتضم مؤسسة كهرباء عدن 5 محطات لتوليد الطاقة في المدينة، تنتج أقل من 300 ميجا وات، بالإضافة إلى أنه يتم شراء الطاقة من القطاع الخاص والتي يبلغ إنتاجها بنحو 200 ميجا وات، فيما يصل الطلب على الطاقة في ذروة الصيف نحو 635 ميجا وات، وتعمل تلك المحطات بالديزل بحسب تقرير لجنة مجلس النواب لتقصي الحقائق عن الكهرباء في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

يقول المهندس سعد باوزير، في هذا الصدد، إن إجمالي إنتاج الطاقة في مدينة عدن لا يكفي لتغطية الاحتياج في المدينة في أيام الشتاء، وهو الوقت الذي يكون فيه الجو باردًا ويقل استهلاك الكهرباء عند المواطنين.

ويشير باوزير، في حديثه لألترا صوت، إلى أن مؤسسة الكهرباء تلجأ دائمًا إلى قطع الكهرباء عن بعض المناطق من أجل تغطية مناطق أخرى، ويتم تقسيم ساعات تشغيل الكهرباء على حسب المنطقة وذلك من أجل توفير الكهرباء بشكل دوري على جميع المناطق، ويؤكد باوزير أنه من المستحيل تغطية جميع المناطق في مدينة عدن بالكهرباء في ظل اعتمادها على الطاقة المنتجة حاليًا أبدًا لأن الاحتياج أكبر بكثير.

كلفة عالية وفساد كبير

وكان قد اتهم محافظ عدن أحمد لملس والذي يشغل منصب وزير الدولة أيضًا الحكومة من تنصلها عن مسؤولياتها في دعم خدمة الكهرباء في العاصمة عدن، وقال إن ملف الكهرباء يستخدم لأجندات سياسية من أجل معاقبة المواطنين.

وكان لملس قد وعد المواطنين في عدن بتوفير الكهرباء غداة تعينه محافظًا لها، ونشر موقع رئاسة الوزراء ردًا على تلك الاتهامات قال فيه أن إنفاق الحكومة على كهرباء عدن يمثل 60 % من إنفاقها على القطاع بشكلٍ عام، وأن كلفة الكهرباء تبلغ 55 مليون دولار شهريًا كحد أدنى في مدينة عدن فقط.

وجاء في الرد أيضًا أن الانفاق اليومي لتشغيل الكهرباء وتوليد الكهرباء ليوم واحد في وضعها الحالي في عدن لثمان ساعات يبلغ قرابة 1,8 مليون دولار، وتشمل 1,2 مليون دولار قيمة مشتقات نفطية مازوت (ديزل)، بالإضافة إلى النفط الخام المخصص لتشغيل محطة بترومسيلة في عدن (والذي يقدر قيمته ما بين 400-600 ألف دولار يوميًا بحسب أسعار النفط الخام عالميًا)، ويتم توفير 80 % منه من حقول الإنتاج في مأرب"، فيما يؤكد مختصون أن تكلفة إنتاج الطاقة في عدن تفوق بكثير الأرقام التي نشرتها رئاسة الوزراء.

وقد تبادلت الجهات الحكومية في مجلس الوزراء التهم مع المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يسيطر عسكريًا على مدينة عدن، التهمَ بشأن صفقات فساد كبيرة حدثت في قطاع الكهرباء، ورمى كل طرف مسؤولية توفير الكهرباء على كاهل الآخر، ما زاد من سوء الوضع في المدينة الغارقة في الظلام.

من جانب آخر كشفت اللجنة البرلمانية لتقصي الحقائق بشأن ما أثير من تداعيات في قطاع الكهرباء في تقريرها نهاية آب/أغسطس الماضي عن اختلالات كبيرة في قطاع كهرباء عدن، بالإضافة إلى صفقات مشبوهة كثيرة تمت في القطاع، وقال التقرير إن الحكومة فشلت في حل مشكلة عجز الكهرباء في عدن ورفع القدرة التوليدية إلى 635 ميجا وات في العام 2023، وفقًا لخطة الوزارة من أجل مواجهة تحديات صيف 2023، وانخفضت القدرة التوليدية إلى أقل من نصف ما كان مستهدفًا، وارتفعت نسبة العجز إلى 75 %، وخرجت في ما نسبته 80 % من منظومة التوليد في الآونة الأخيرة عن العمل، ووصل معدل الإطفاء الى 18 ساعة مقابل 6 ساعات إنارة، لتدخل معها العاصمة عدن في ظلام دامس في هذا الصيف الأشد حرارة، رغم ما تنفقه الحكومة كقيمة للوقود والطاقة المشتراة لمحطات الكهرباء بما يقدر  من  100 - 150 مليون دولار شهريًا.

إن فشل كهرباء عدن يعود إلى اعتماد المؤسسة على محطات كهربائية قديمة متهالكة يجعلها عرضة للأعطال في أوقات كثيرة

وقال التقرير إن الموازنة المخصصة للكهرباء العامة بلغت في العام 2022 نحو 569 مليار ريال، دون موازنة المؤسسة ومنحة المشتقات النفطية، وهي أعلى موازنة دعم ترصد للكهرباء في ذات العام وبنسبة 85% من إجمالي دعم الوحدات الاقتصادية الأخرى، وقد تم تخصيص 557 مليار ريال بنسبة 98% من إجمالي الموازنة من أجل مستحقات لموردي وقود الكهرباء وموردي مواد وقطع غيار سابقة، الأمر الذي اعتبرته اللجنة يعبر عن أزمة إدارة الموارد المتاحة خارج الأولويات الحيوية، كما أشار التقرير إلى أن عملية الطاقة المشتراة وشراء والوقود لا تتم وفقًا للإجراءات القانونية والصحيحة نتيجة لتعطيل قانون المناقصات، مع غياب لجنة المناقصات وفحص الوقود المستخدم خارج المواصفات والمعايير.

ولفت التقرير إلى أن هناك إهمالًا في إعادة تأهيل بعض محطات الكهرباء التي تعمل بالغاز وإعادة تشغيلها بشكل كلي، إذ لاحظت اللجنة توقف محطة الحسوة 2 (القطرية) ومحطة عدن (محطة الرئيس هادي) وتوقف استكمال تأهيلها رغم صرف ميزانيات ضخمة لأجل ذلك، وعلى النقيض فإن هناك زيادة في اهتمام المحطات التي تعمل بوقود الديزل لأسباب غير مفهومة.

في السياق يقول محمد العديني لألترا صوت، وهو مهندس مختص في توليد الطاقة، إن فشل كهرباء عدن يعود إلى اعتماد المؤسسة على محطات كهربائية قديمة متهالكة يجعلها عرضة للأعطال في أوقات كثيرة.

ويشير العديني إلى أن معظم محطات الكهرباء في عدن تعمل بوقود الديزل والمازوت وهي ذات كلفة كبيرة من ناحية استهلاك الوقود، بالإضافة إلى أن إنتاجها من الطاقة يكون أقل، وهذا برأيه يعتبر فشلًا كبير من أجل إنتاج الطاقة بالاعتماد عليها وهدر للمال دون فائدة.

وعن فشل كهرباء عدن يخبرنا الصحفي والباحث الاقتصادي نبيل الشرعبي أن مشكلة كهرباء عدن ليست ناتجة عن نقص التمويل، بل عن سوء الإدارة وغياب الرؤية المستخلصة من واقع الحاجة للكهرباء في عدن الساحلية وبقية المحافظات الأخرى الواقعة ضمن نطاق جغرافيا الساحل الجنوبي.

بالإضافة إلى ترهل رقابة الدولة ودور الجهات الرسمية الرقابية الذي فتح مجالًا واسعًا لكثير من الانتهازيين الذين وجدوا في ثقب كهرباء عدن ميدانًا خصبًا وغزيرًا لممارسة الفساد والاستحواذ على مخصصات وتمويلات الكهرباء، ووفرت جهات أمنية لهم الحماية الكلية.

يشير الشرعبي إلى أن عملية التداخل بين مهام المؤسسة العامة والمؤسسة المحلية وجهات أخرى، مثّل إشكالية كبيرة وتسبب في إهدار عشرات مليارات الريالات كانت مخصصة للكهرباء، ومن أبرز مظاهر تداخل المهام، إصدار محافظ البنك المركزي السابق حافظ معياد قرارًا بحصر توريد مشتقات ووقود كهرباء عدن عبر البنك، وكان لذلك أثر سلبي كبير، وتعدٍّ على مهام المؤسسة العامة للكهرباء.

من ناحية أخرى، يقول الشرعبي إنه تم إهمال وتدمير أكثر من 10 محطات للكهرباء في عدن إذ تُركت دون صيانة حتى تراجعت قدرتها التوليدية، بالإضافة إلى أنه خلال الأعوام من 2018 إلى 2021 قدمت جهات خارجية لعدن حوالي 8 مولدات بطاقات توليدية أقلها 25 ميجا وات، ولكن هذه المولدات تم استلامها وتركها في المخازن حتى تلفت، كما استلمت الجهات المعنية عن كهرباء عدن 8 دفعات من منح الديزل المقدمة من السعودية خلال الأعوام 2017 إلى 2022، ناهيك عن المبالغ الكبيرة التي كانت تصرف من الحكومة لدعم الكهرباء في تلك الفترة،  وخلال الفترة نفسها أصدرت مؤسسة كهرباء عدن حوالي 75 نداء استغاثة وتحذيرًا من نفاذ وقود الكهرباء وغرق عدن بالظلام.

كما قدمت قطر، والسعودية، والإمارات، والكويت، والبنك الدولي- قطاع الطاقة النظيفة، وعدد من الهيئات الأممية، دعمًا ماديًا ومنظومات طاقة في مجملها ستغطي عدن كليًا، ولم يحدث أي تحسن.

ويرى الشرعبي أنه يجب دراسة الحاجة الفعلية لمدينة عدن من الطاقة على الأمد الطويل، مع وضع اعتبار زيادة السكن وتوسع النشاط الاقتصادي، ومن ثم عمل دراسة تكاليف دقيقة جدًا لاستبدال توليد الطاقة بالوقود السائل بالطاقة النظيفة مثل الطاقة الشمسية والرياح وتصادم الأمواج البحرية، والتعاقد مع شركة عالمية نزيهة لتنفيذ المهمة مع توفير الحماية الكلية لها، وتجميد وظائف ومهام كافة الجهات الرسمية المعنية بالكهرباء، واختصار دور وزارة الكهرباء في البحث عن قروض وتمويلات كافية لتنفيذ مشاريع الطاقة البديلة النظيفة وتحت الرقابة المشددة.