02-سبتمبر-2023
منهتال

تقدر الحكومة الأردنية أعداد اليمنيين في البلاد بأكثر من 27 ألفًا.

قبل خمسة أعوام، غادر العشريني محمد العبسي مدينة تعز اليمنية هربًا من نيران الحرب التي طالت منزل عائلته. كانت وجهته العاصمة الأردنية عمان، وحينما وصل إلى عمان لم يكن يعلم أنه سيلتقي بهذا العدد من اليمنيين الباحثين عن الأمن ومصادر الرزق، وكانت الظروف الاقتصادية لمعظم من التقاهم سيئة. 

من عمان انتقل محمد شمالًا إلى إربد ليعمل نادلًا في أحد المطاعم مقابل أجر يومي، وذلك بعد أن نصحه آخرون بذلك نظرًا لانخفاض تكاليف المعيشة في المحافظات الأخرى بالمقارنة معها في العاصمة. 

تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن ما يزيد عن 13,000 يمني يعيشون في الأردن. في حين أن مصادر حكومية تؤكد أن الأعداد أكثر من ذلك بكثير، إذ تقدر بأكثر من 27 ألفًا. ويأتي اليمنيون في المرتبة الثالثة بعد السوريين والعراقيين المسجلين تباعًا في قوائم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. 

مسؤولون حكوميون سابقون، وقيادات حزبية، وناشطون سياسيون، ورجال أعمال، وفنانون  كانوا ضمن الآلاف الذين وجدوا في الأردن وجهة سفر واضطروا لمغادرة بلادهم لأسباب تتعلق بالنزاع المسلح  المندلع منذ عام 2015، وهم اليوم يعيشون في الأردن إما مقيمين لفترات غير معلومة أو لاجئين في انتظار إعادة توطينهم في أوروبا أو أمريكا.

منحت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين صفة لاجئ لـ 762 يمني فقط من أصل أكثر من 14 ألفًا تقدموا بطلب اللجوء. 

ويعيش غالبية  اليمنيين القاطنين في الأردن ظروفًا اقتصادية سيئة بسبب الظروف الاقتصادية المتدهورة أصلًا التي يعانيها الأردنيون أنفسهم. كما تؤكد تقارير أن اليمنيين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين لا يحصلون على نفقات أو خدمات صحية أو متعلقة بالسكن إلا بقدر يسير. ورغم ذلك فإن الأردن مايزال إحدى أهم وجهات السفر لليمنيين إما لتلقي العلاج في مشافيه أو للاستقرار أو منطقة عبور مؤقتة لدول أخرى.

مزيد من القيود

فرضت السلطات الأردنية مؤخرًا شروطًا جديدة على اليمنيين الراغبين بدخول أراضيها وصفها البعض بالتعقيدية، من بين تلك الشروط  ضرورة حصول اليمنيين على تقارير طبية صادرة من الأردن للسماح لهم بالدخول إلى الأراضي الأردنية، وإلغاء العمل بالتقارير الطبية الصادرة من اليمن كما كان معمولًا به منذ بداية الحرب في اليمن.

كما اشترطت هيئة تنظيم الطيران المدني الأردنية حصول المسافرين اليمنيين على موافقة أمنية مسبقة من وزارة الداخلية الأردنية للفئات العمرية بين 15 و50 عامًا، مع ضرورة حصولهم على  تذاكر ذهاب وعودة.

ووجهت الهيئة الأردنية الحكومية شركات الطيران بعدم السماح بتحميل المسافرين القادمين من اليمن لغايات العلاج إلا وفق التعليمات النافذة، وعدم السماح بدخول المسافرين في حال حصولهم على تذاكر ذهاب فقط.

القيود الجديدة جاءت لتفاقم أوضاع اليمنيين في الأردن، إذ إنهم بالإضافة إلى الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشونها، يواجهون مشاكل إضافية فيما يتعلق بإلحاق أبنائهم في المدارس والجامعات الأردنية، والحصول على حقوقهم من مفوضية الأمم المتحدة بصفتهم لاجئين.

كمنتال

تمييز في اللجوء 

محمد الريمي شاب يمني آخر يقيم في عمان. منذ قدومه إلى الأردن قبل سبعة أعوام، يسعى محمد للحصول على بطاقة لاجئ ليستفيد وعائلته من المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة، لكنه لم يحصل على مبتغاه بسبب عدم موافقة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن على الحق باللجوء لأسباب مجهولة، على حد قوله.  ويشكو الريمي  من عدم مقدرته على العمل خشية تعارض ذلك مع شروط منح اللجوء، ويضيف في حديثه لألترا صوت: "لا أستطيع العودة إلى اليمن بسبب الظروف السياسية والأمنية المُحبطة".

في المقابل، يشكو بعض من يحملون صفة لاجئ من اليمنيين المقيمين في الأردن من عدم مساواتهم في المساعدات التي تقدمها المفوضية للاجئين مع لاجئين من جنسيات أخرى. تقول " ن . ز"، وهي لاجئة يمنية فضلت عدم الكشف عن هويتها، خلال حديثها مع ألترا صوت، إن مفوضية اللاجئين أرسلت لها رسالة مفادها أن المفوضية ستوقف ابتداء من شهر أيلول/ سبتمبر الجاري تقديم مساعدة مالية كانت تُصرف لها، على الرغم من أنها تعاني من مرض مزمن وظروف اقتصادية سيئة.

ويعتزم عدد من اللاجئين اليمنيين تنظيم مسيرة احتجاجية أمام مقر المفوضية بالعاصمة الأردنية عمان احتجاجًا على عدم مساواتهم بلاجئين مقيمين في الأردن من جنسيات أخرى. 

وصل عدد اليمنيين المسجلين في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن  إلى 14 ألفا و665 لاجئًا. وكان مكتب المفوضية في عمان قد منح 762 يمنيًا فقط صفة لاجئ من بين آلاف اليمنيين المتقدمين للمفوضية، بحسب إحصائيات صادرة عن المفوضية.

قبل سريان الشروط الجديدة على دخول اليمنيين للأراضي الأردنية وبالتحديد في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2020، رحّلت السلطات الأردنية أربعة يمنيين إلى بلادهم بعد أن حاولوا التقدم بطلب للحصول على تصاريح عمل وتصويب أوضاعهم في البلاد، الأمر الذي دفع منظمة هيومن رايتس ووتش لمطالبة الحكومة الأردنية بعدم ترحيل اللاجئين اليمنيين محذرة من أن ترحيلهم قسرًا يعرضهم للأذى .

ينفي مشعل الفايز، الناطق الرسمي باسم المفوضية السامية  للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن، الانتقادات الموجهة للمفوضية بخصوص المعاملة السيئة للاجئين اليمنيين، ويضيف في حديثه لألترا صوت أن طالبي اللجوء واللاجئين في الأردن يحصلون "بغض النظر عن جنسياتهم على نفس مستوى الحماية والخدمات من المفوضية وشركائها. علاوة على ذلك، لا تميّز المفوضية بين اللاجئين على أساس الجنسية أو الديانة أو العرق أو أي سمة تتعلق بخلفياتهم". 

منتال

ويؤكد الفايز أن لا صحة لما يقوله البعض عن أن المفوضية تستثني اللاجئين من جميع الجنسيات ما عدا السورية من منحهم صفة لاجئ، ويقول إنه "بالنظر إلى أن الوصول إلى الخدمات والحماية في الأردن غير مشروط بالوضع القانوني، فإن إجراءات تحديد وضع اللاجئ لا تتخذ إلا عندما تعتبر ضرورية لتسهيل حل معيّن أو تلبية لحاجة معينة متعلقة بالحماية".

أمل بالرجوع 

تشير دراسة أصدرها مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية إلى أنعددًا كبيرًا  من اليمنيين في الأردن يعزفون عن التسجيل للحصول على صفة لاجئ، ويرجع  ذلك إلى جملة من الأسباب أبرزها أن البعض ماتزال لديهم آمال بالرجوع إلى موطنهم بعد أن تتوقف الحرب، ناهيك عن أنهم لا يرغبون بأن يوصفوا باللاجئين، خوفًا من الوصمة التي ستلاحقهم في اليمن. 

يقول جميل البراشي، العامل اليمني المقيم في الأردن والذي يرفض أن يوصف باللاجئ، إن اليمنيين، خاصة في الأردن، ينظرون إلى إقامتهم في البلدان العربية على أنها مؤقتة واضطرارية، وأن من واجب تلك البلدان استضافتهم امتدادًا لمفهوم الأخوة واللحمة العربية.

بحسب مركز صنعاء للدراسات، فإن إجمالي اليمنيين في الأردن سعوا مؤخرًا إلى قوننة أوضاعهم، إما من خلال الحصول على عمل في قطاع يجيزه القانون أو عبر التسجيل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على أمل إعادة توطينهم في نهاية المطاف في أوروبا أو أمريكا الشمالية.