11-يونيو-2023
تلا

رغم الإهمال الحكومي، تبرز مبادرات فردية عديدة لحماية الخط المسند الحميري. (أنور الشريف)

في غمرة انشغالات اليمنيين بتداعيات الحرب في بلادهم كان رياض الفرح منشغلًا بالبحث والتحري عن كل ما يخص الخط المسند الذي تعود جذوره إلى عام 1200  قبل الميلاد. فقد نجح رياض بإيجاد وسائل حديثة من أجل حماية هذا الخط الذي يعد إرثًا يمنيًا تاريخيًا يؤكد  الباع الطويل لهذه البلاد في تشكيل الحضارة البشرية.

ما هو خط المسند؟

المسند هو الخط الحميري أو الأبجدية التي استخدامها اليمنيون القدامى للكتابة، وقد طُوِّر قرابة القرن التاسع قبل الميلاد، وهو فرع من الأبجدية السينائية الأولية، وکان نظام الکتابة الأوحد لشبه الجزيرة العربية ويسميه المستشرقون خط النصب التذكارية.

سمي هذا الخط بالمسند لأن حروفه ترسم على هيئة خطوط مستندة إلى أعمدة، ويشار إلى أن اليمنيين يميلون إلى هذا الشكل في بناء القصور والمعابد وغيرها من منشآت. كما أن لفظ "مسند" هنا يعود على الوثيقة أو المستند، كما تقول الباحثة هناء البعداني، في دلالة على استخداماته لأغراض التوثيق.

المسند هو الخط الحميري أو الأبجدية التي استخدامها اليمنيون القدامى للكتابة، وتبرز أهميته في أنه يقدم لنا تصورًا عن حضارات عديدة وأحداث تاريخية قامت في المنطقة.

يتكون خط المسند من تسعة وعشرين حرفًا تتطابق في أصواتها مع حروف اللغة العربية، لكنها تزيد عن الثانية من ناحية عدد الحروف بحرف واحد.

وترجح كتابات لعلماء في الآثار والتاريخ أن خط المسند اليمني العتيق هو أصل الخطوط السامية الجنوبية كالثمودي واللحياني والصفوي وحتى الحبشي، الأمر الذي يقدم لنا تصورًا عن حضارات عديدة وأحداث تاريخية قامت في المنطقة، إذ تعرفنا من خلال وثائق كتبت بهذا الخط على دول يمنية قديمة مثل أوسان وقتبان وسبأ وحمير ومعين، كما دونت بهذا الخط أسماء لتجار يمنيين قدامى ومعارك وقعت في العصور القديمة.

 مر الخط المسند بمراحل عديدة في رحلة تطوره، إذ كان في بدايته يكتب على الصخور وجدران الكهوف، ثم تطور ليصبح معتمدًا على الزوايا والخطوط المستقيمة، قبل أن يدخل التحسين والزخرفة على الحروف حتى وصل إلى شكله النهائي.

عناية بالجانب الجمالي

عكف علماء غربيون وعرب منذ مطلع القرن الماضي، على اكتشاف خط المسند من خلال أعمال الحفريات والمسوحات الأثرية في اليمن، ومن بينهم عالم الآثار الفلسطيني، الباحث في معهد لغات وحضارات الشرق القديم بجامعة هايدلبرغ الألمانية، محمد مرقطن، الذي يرى أن العرب استخدموا خط المسند قديمًا، مراعين فيه النواحي الجمالية.

Old South Arabian

يقول مرقطن لألترا صوت، إنه يرى أن تشجيع الأجيال الحاضرة في اليمن على الاهتمام بالخط المسند بات أمرًا ضروريًا، لما لذلك من ترسيخ لقيمة التراث اليمني في الوعي العام.

أما عالم الآثار علي صوال، فيصف نقوش خط المسند التي كتبها اليمنيون القدامى وكأنها طبعت بآلة كاتبة لا بيد بشرية. ويضيف في حديثه لألترا صوت أن النقوش المسندية كانت  تغطيها في الماضي مادة ملونة ذات جودة عالية، وقد قاومت النقوش عوامل التعرية على نحو مذهل طوال أكثر من ألفي عام.

كيبورد لكتابة الخط المسند

يقول رياض الفرح لألترا صوت إن "الواقع أفرز نوعًا من التقليل من قيمة الإنسان اليمني على كافة المستويات"، الأمر الذي دفعه للتعمق أكثر في التعرف على منجزات اليمنيين الحضارية، وكان من بينها الخط المسند.

ن
رياض الفرح مع نصب أثري نقشت عليه كتابات بالخط المسند. (علاء الدين الشلالي)

وحيث أن حروف خط المسند كانت قد دخلت العالم الرقمي على يد الباحث سلطان المقطري الذي أضاف عام 2007 حروف الخط ضمن الشفرة الدولية الموحدة للخطوط (اليونيكود) بالتعاون مع جامعة كاليفورنيا، صار من الممكن لهذا الخط دخول الهواتف الذكية أيضًا.

في عام 2020، وضمن مساعيه للبحث عن مبرمج يصمم الخط المسند في كيبورد خاص بالهواتف المحمولة، تعرف المقطري على رياض الفرح ليدخل هذا الخط بعد عامين على ذلك إلى الهواتف الذكية، بعد جهود مضنية بذلها مع مبرمجين وشركات للتغلب على مشاكل متعلقة بالتمويل وأخرى بالبرمجة.

في عام 2022 أطلقت النسخة الأولى المجانية من تطبيق كيبورد خط المسند الحميري، وهي نسخة تدعمها أجهزة الهاتف المحمول وكافة أجهزة الكمبيوتر.

 يقول رياض" كانت ترادونا فكرة أننا يجب أن ننجز التطبيق بصفته عملًا وطنيًا ولم نكن نسعى إلى تحقيق الربح المادي منه، لكننا لم نتلق مساعدة تذكر، حتى المؤسسات الحكومية لم تعر الأمر أي اهتمام".

جهود مستمرة لإحياء الخط

في نهاية أيار/ مايو الفائت، أضاف الفرح  3200 كلمة وردت في المعجم السبئي ضمن الكيبورد، كما حدّث التطبيق لتفعل فيه خاصية النص التنبؤي بالكلمات.

لم تتوقف جهود إحياء الخط المسند عند ذلك، ففي محافظتي مأرب وتعز يطبع كل من عبد الرحمن طه وفتحي البيضاني مئات النسخ من الكراريس التي تعلم الخط المسند، ويوزعانها على العديد من المدارس هناك في مبادرة فردية لإحياء الخط المسند. كما تعقد بين الفينة والأخرى دورات لتعليم الخط لطلاب المدارس الصيفية، خاصة في مدينة المخا غربي البلاد.

Old South Arabian

يأتي ذلك في ظل تجاهل حكومي تام لجهود إحياء الخط المسند، في الوقت الذي تعلو فيه المطالب بإدراج الخط ضمن المناهج الدراسية في المدارس.

ولا تزال أمام رياض مشاريع عديدة في هذا الإطار، إذ يسعى لإنشاء تطبيق للمعجم السبئي، وتطبيقًا آخر للتعرف الضوئي على حروف المسند، بالإضافة إلى تطبيق خاص بالأطفال.