03-سبتمبر-2023
منتال

ارتفعت الرسوم الدراسية في المدارس الأهلية والحكومية على حد سواء.

قرر محمد الحاج في بداية العام الدراسي الجاري نقل طفله من مدرسة أهلية في صنعاء، كان قد درس فيها طوال السنوات الخمسة الماضية، إلى إحدى المدارس الحكومية، بسبب ارتفاع الرسوم الدراسية. يقول الحاج في حديثه لألترا صوت إنه أصبح غير قادرٍ على سداد رسوم التعليم الأهلي، خاصة وأن الرسوم ترتفع كل عام بشكل أكثر من السابق، إذ كان يدفع في العام الماضي نحو 140 ألف ريال يمني (نحو 560 دولارًا أمريكيًا)  بينما طُلب منه هذا العام 190 ألف ريال يمني (نحو 760 دولارًا أمريكيًا) بزيادة تقدر بحوالي 50 ألف ريال (حوالي 200 دولار)، ما جعله يبحث عن مدرسة حكومية من أجل نقل ولده إليها، رغم تردي جودة التعليم فيها.

وكانت قد ساهمت الحرب المشتعلة منذ 25 آذار/ مارس 2015، بإنعاش التعليم الأهلي في اليمن مستفيدةً من إغلاق وتدمير كثير من المدارس الحكومية، بالإضافة إلى الترهل الإداري والتربوي في وزارة التربية والتعليم منذ سنوات، وهي عوامل كاثرت من عدد المدارس الأهلية، ليجد الكثير من أولياء الأمور في المدارس الأهلية حلًا لإكمال تعليم أبنائهم.

غير أن أولياء الأمور تفاجأوا هذا العام بارتفاع رسوم المدارس الأهلية في مناطق سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، والتي وصلت إلى 100% في بعض المدارس، الأمر الذي أصبح يشكل عائقًا أمام كثير من الأسر غير القادرة على تحمل تلك التكاليف، لاسيما وأن أغلب الأسر تعاني من أوضاع معيشية صعبة، إذ يعيش 55% من اليمنيين تحت خط الفقر، فيما يعاني أكثر من 18% من اليمنيين من الفقر المدقع، وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

رفعت السلطات اليمنية رسوم الدراسة في المدارس الأهلية فيما فرضت رسومًا مرتفعة على الدراسة في المدارس الحكومية. 

قرارات شكلية

المواطنون وأولياء الأمور والنشطاء وجدوا في وسائل التواصل الاجتماعي مساحة للاحتجاج على رفع الرسوم الدراسية، إذ احتلت القضية المواضيع الأكثر تداولًا في اليمن. وطالب المحتجون الجهات المعنية بالتدخل وضبط التلاعب في رسوم المدارس الأهلية وارتفاع أسعار الدراسة وتفاوتها من مدرسة إلى أخرى، وهو ما جعل مكتب التربية والتعليم في أمانة العاصمة صنعاء يعلن عن تحديد الرسوم الدراسية في المدارس الأهلية في المدينة وينشر قائمة بأسماء المدارس الأهلية والرسوم لكل مدرسة، كما نشر أرقام هواتف مخصصة لشكاوى الأهالي في حال لم تلتزم المدارس بالرسوم المعلنة.

لكن الأهالي اشتكوا من أن هناك مدارس كثيرة لم تُذكر في موقع الوزارة ولم يتم تحديد رسومها. كما أنه مع أن الرسوم حددت في المدارس المذكورة بنسبة أقل مما كان يدفعه المواطنون في الأعوام السابقة، غير أن الواقع مختلف تمامًا، إذ تقول سمية قحطان إنها دهشت عندما شاهدت انخفاض الأسعار، فمثلًا حُددت رسوم الصف الثالث التي يدرس به طفلها ب 80 ألف ريال (320 دولارًا تقريبًا) لكنها عند تسجيله فوجئت بأنه طُلب منها 150 ألف ريال ( 600 دولار)، الأمر الذي دفعها إلى التواصل مع الأرقام المخصصة بالشكاوى والتي نشرها مكتب التربية، لكن لم يرد أحد على اتصالاتها إلا بعد عدة أيام ولم تتخذ أي إجراءات ضد المدرسة، حسب قولها.

أولياء أمور آخرين في مدارس أهلية قالوا أيضًا إن المدارس لا تلتزم بالرسوم المحددة من قبل مكتب التربية، واشتكى بعضهم من عدم الاستجابة لهم لدى التواصل مع مكتب التربية. كما أكدوا أن المدارس تفرض مبالغ إضافية على بنود أخرى مثل المناهج التعليمية والزي المدرسي والمواصلات وغيرها، بهدف تعويض الرسوم التي تم تخفيضها.

حاولت معدة التقرير الحديث مع مالكي بعض المدارس الأهلية عن الأسباب التي تدفعها لرفع الرسوم الدراسية، وهو ما قوبل بالرفض من قبل عديد من المدارس. غير أن مديرة إحدى المدارس الأهلية -التي رفضت الكشف عن اسمها- قالت لألترا صوت إن الجهات الرسمية في مكتب التربية ووزارة التربية والتعليم بصنعاء كانت تأخذ في السنوات السابقة نسبة 20% من الرسوم المحصلة من الطلاب، لكنها طلبت هذا العام 40% من الرسوم. وهي تمتنع عن تجديد تصاريح المدارس إذا لم يتم الدفع، بل وتقوم بإغلاق المدارس التي تحاول التحايل عليها ودفع نسبة أقل.

وتضيف أن الوزارة تبيع الكتب المدرسية لها بمبالغ كبيرة، ناهيك عن أنها تفرض ما وصفته المديرة بالإتاوات غير القانونية تحت ذريعة دعم المجهود الحربي والاحتفالات الخاصة بالجماعة، وهذا ما يدفع المدارس الأهلية إلى رفع الرسوم الدراسية كل عام. وتشير إلى أنهم يدفعون للجماعة الحوثية ومكتب التربية والوزارة إتاوات أخرى مقابل صمتها عن شكاوى المواطنيين.

مدارس حكومية مخصخصة؟

لا يختلف الوضع كثيرًا في المدارس الحكومية التي يعرف عنها ضعف مخرجاتها، إذ ألغى الحوثيون العمل بمجانية التعليم الذي ينص عليه الدستور اليمني منذ العام الأول لسيطرتهم على مؤسسات الدولة، وفرضت رسوم دراسية ظلت ترتفع كل عام.  

بل إن بعض المدارس الحكومية تحولت إلى مدارس أهلية تعمل بذات النظام، وقد اختيرت هذه المدارس بعناية لتغطي كل مديريات صنعاء، وفيها يدفع الطالب رسومًا تساوي ما يُدفع في المدارس الأهلية.

كمنتا

يقول ياسر الشرعبي الذي يسكن غرب صنعاء، إنه دفع العام الماضي 10 آلاف ريال (40 دولارًا تقريبًا) ليسجل كل واحد من أبنائه في إحدى المدارس الحكومية. ويضيف الشرعبي في حديثه لألترا صوت إنه دفع هذا العام 20 ألف ريال (80 دولار) في زيادة تقدر بـ 100% عن العام السابق، تحت مبرر "المساهمة المجتمعية لدعم التعليم"، في المقابل يشتكي المعلمون من أنهم لم يتلقوا رواتبهم بصورة طبيعية منذ 8 أعوام.

ارتفاع الرسوم الدراسية في المدارس الحكومية تسبب بتسرب أعداد كبيرة من الطلاب لا سيما وأنها كانت ملاذًا للفقراء والطبقة الكادحة في اليمن، والتي وصلت إلى أرقام قياسية، إذ تشير الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 80% من السكان في اليمن البالغ عددهم حوالي 20 مليون نسمة بحاجة للمساعدات الإنسانية. كما أشارت منظمة اليونيسف في العام الماضي، إلى أن هناك حوالي مليوني طفل في سن التعليم في اليمن خارج المدارس بسبب الفقر والحرب، بالإضافة إلى أن هناك نحو 8 مليون طفل بحاجة إلى مساعدات تعليمية طارئة في جميع أنحاء اليمن.

السلطات تبيع المناهج الدراسية

لم يقتصر تسليع التعليم على الرسوم الدراسية، إذ باتت وزارة التربية تبيع المناهج التعليمية أيضًا. فتجد على أرصفة الشوارع كتبًا مدرسية يبيعها باعة متجولون، إذ تحول بيع الكتب المدرسية، التي يفترض أن توزع مجانًا، لتجارة منتشرة، في ظل غياب الحملات الحكومية التي تمنع ذلك.

ومؤخرًا أنشأت السلطات نقاط بيع للكتب المدرسية تابعة للهيئة العامة لمطابع الكتاب المدرسي في معظم أحياء وشوارع صنعاء والمدن الأخرى. ويتراوح سعر الكتاب الواحد فيها بين 700 إلى 1500 ريال (3 دولارات تقريبًا إلى 6 دولارات) في نقاط البيع، فيما تقوم مطابع أخرى مخصصة لطباعة الكتاب المدرسي ببيعه في الأسواق بأسعار أقل تتراوح من 500 إلى 1000 ريال (دولارين اثنين إلى أربعة دولارات). 

في المقابل، فإن معظم اليمنيين الذين باتوا يكافحون لإبقاء أبنائهم في المدارس، يجدون أنفسهم مضطرين لتأمين الكتب الدراسية من أماكن أخرى تباع فيها كتب مستخدمة وقديمة بأسعار أقل من الجديدة. وهو الوضع الذي تغير هذا العام وفقًا لطلاب قالوا إن مدارسهم أجبرتهم هذا العام على شراء المناهج المطبوعة حديثًا، إذ أصدرت وزارة التربية والتعليم تعميمًا إلى جميع المدارس بإلزام الطلاب شراء المناهج المطبوعة لهذا العام، وبررت قرارها بتغييرات كبيرة أجريت على المناهج. بل ووصل الأمر على حد أقوال عدد من الطلاب، إلى أن مشرفين داخل المدارس باتوا يطردون الطلاب الذين لا يشترون المنهاج الجديد، وأُلزمت المدارس الأهلية بدفع رواتب هؤلاء المشرفين، وفقًا لتقارير عديدة.