10-سبتمبر-2023
(Getty) ملء الماء في تعز

(Getty) ملء الماء في تعز

بدلًا من قطع المسافة من منطقة الحوبان، المنفذ الشرقي لمدينة تعز اليمنية، إلى وسطها خلال 15 دقيقة أو أقل، يحتاج عصام عيسى إلى أكثر من ثماني ساعات للوصول إلى الوجهة ذاتها، إذ يتوجب عليه السفر عبر طرق جبلية وعرة وخطرة للغاية، وينطبق ذلك على سكان المدينة الآخرين، الأمر الذي عادةً ما يتسبب بمعاناتهم، لاسيما المرضى منهم.

يعمل عيسى في أحد المصانع التجارية في منطقة الحوبان منذ أكثر من 10 سنوات، ويقول في حديثه لالترا صوت، إنه في السابق لم يكن يستغرق أكثر من 20 دقيقة من مقر عمله إلى منزله، غير أن الوضع اختلف الآن وأصبح الأمر بحاجة إلى وقتٍ طويل وتكلفة باهظة، إذ أصبح منذ أواخر العام 2015 يسلك طرقًا بديلة للطريق الرئيسية للمدينة بسبب الحصار حتى يصل إلى منزله، ويستغرق ذلك أكثر من 8 ساعات في حال لم يكن هناك ازدحام، وفي الغالب فإن الأمطار الموسمية والازدحام الذي يتسبب بالكثير من الحوادث يغلق الطريق لساعات طويلة، ويشير عيسى إلى أن تلك الرحلة تكلفة حوالي 30 ألف ريال يمني، أي ما يقارب 60 دولار أمريكي لكل مرة يسافر بها، الأمر الذي جعله يسكن في المصنع ولا يعود إلى بيته إلا مرة واحدة في نهاية كل شهر.

منذ 2015، تفرض قوات أنصار الله (الحوثيين) حصارًا خانقًا على مدينة تعز (وسط اليمن) ذات الكثافة السكانية العالية، وثالث أكبر المدن اليمنية، من كافة المناطق، إذ تسيطر على كافة منافذ المدينة التي تربطها ببقية المدن الأخرى

منذ 2015، تفرض قوات أنصار الله (الحوثيين) حصارًا خانقًا على مدينة تعز (وسط اليمن) ذات الكثافة السكانية العالية، وثالث أكبر المدن اليمنية، من كافة المناطق، إذ تسيطر على كافة منافذ المدينة التي تربطها ببقية المدن الأخرى، بما فيها المنفذ الشرقي للمدينة (منفذ الحوبان) أكبر المنافذ الحيوية للمدينة، منذ خروجها من المدينة عقب معارك شرسة خاضتها مع القوات الحكومية في العام 2015، والتي كانت تسيطر على أجزاء كبيرة من المدينة قبل أن يتم دحر قوات الحوثيين وتحرير بعض أجزاء المدنية منها في وقتٍ لاحق، وتأمين منفذ وحيد للمدينة من الجهة الجنوبية الغربية للمدينة والذي يربط تعز بالمحافظات الجنوبية التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية.

معاناة إنسانية

يسيطر الحوثيون على حوالي 40 % من المناطق التابعة إداريًا لمحافظة تعز، بما فيها منطقة الحوبان التي تبعد عن المدينة حوالي 10 كيلو مترًا، وهي منطقية حيوية وصناعية تضم مصانع عديدة، ومراكز تجارية أيضًا، وتشكل حوالي 70 % من الإيرادات، كما أن منطقة الحوبان تربط مدينة تعز ببقية المحافظات اليمنية إذ تمر كافة الطرق الموصلة بين تعز والمحافظات الشمالية منها، كما تمر أيضًا الطرق الموصلة بالمحافظات الجنوبية التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية، وقد قامت جماعة الحوثي بقطع الطرق التي تدخل إلى المدينة والتي تمتد أيضًا إلى عدن والمحافظات الجنوبية.

من جهة أخرى، تسيطر القوات الحكومية على 60 % من المناطق الأخرى بما فيها مركز المدينة المحاصرة، وتسيطر على منفذ وحيد للمدينة من الناحية الجنوبية الغربية يربط المدنية بمحافظة عدن، غير أن تلك الطريق تمر أيضًا بمناطق خطرة وطرق غير معبدة وأماكن شاهقة.

يقول صلاح منصور إنه عندما اضطر إلى السفر إلى عدن من تعز عبر المنفذ الوحيد للمدينة باتجاه الجنوب، وقد استمرت السيارة في المشي في طريق غير معبدة لأكثر من ساعتين.

ويضيف منصور أن الطريق كانت سيئة في البداية حتى وصلوا إلى منطقة هيجة العبد، وهي منطقة جبلية شاهقة يمر عبرها طريق معبد لكنه وعر وخطير جدًا، الأمر الذي جعله يقسم ألا يمر منها مرة أخرى.

ويشير إلى أن السفر استغرق منه نحو 7 ساعات وأكثر حتى وصل إلى عدن، بينما كان الأمر يأخذ منه ساعتين في أحلك الظروف.

ومن المنفذ ذاته يعبر المسافرون من المدينة إلى المناطق الشمالية باستخدام سيارات الدفع الرباعي عبر طريق جبلي منحدر، ويتم الالتفاف عبر الجبال ومناطق نائية من أجل الوصول إلى الجهة الأخرى من المدينة التي يسيطر عليها الحوثيين.

وقد تسبب الحصار المطبق على المدينة من كافة الاتجاهات بمعاناة إنسانية كبيرة يتجرعها سكان المدينة، لاسيما أن الطرق البديلة الطويلة تسببت أيضًا بارتفاع أجور النقل للمواد الغذائية بشكل كبير وهو ما زاد من حدة المعاناة، كما منعت قوات الحوثيين وصول المساعدات الإنسانية إلى المدينة من المناطق التي تسيطر عليها.

في الصدد نفسه، يقول الناشط الحقوقي ياسين العبسي، لألترا صوت، إن جميع أطراف النزاع، بما فيهم الحكومة اليمنية والتحالف السعودي، مشاركين في استمرار معاناة المواطنين في تعز وفرض الحصار عليها، وإنها جريمة ترقى إلى جرائم الحرب، ويؤكد على ضرورة تفعيل سبل المساءلة والإنصاف، من قبل المجتمع الدولي والدول الأعضاء في الجمعية العمومية ومجلس حقوق الإنسان، وإنشاء تحقيق جنائي بشأن من يقوم بالحصار ومعاقبته أشد عقوبة، وأن ذلك أنسب حل من أجل إعادة الاعتبار للمواطنين.

تعثر الحلول وتهميش القضية

في كانون الأول/ديسمبر من العام 2018، وقعت الحكومة اليمنية والحوثيين في العاصمة السويدية ستوكهولم اتفاقًا عرف في تلك الفترة باتفاق ستوكهولم، بعد أن نفذت الحكومة عمليات عسكرية كادت أن تسقط مدينة الحديدة الساحلية من قبضة الحوثيين، تضمنت بنود الاتفاق وقف تلك العمليات مقابل رفع حصار الحوثيين عن مدينة تعز، ونفذت الحكومة بعض البنود الملزمة بها في حين لم ينفذ الحوثيون شيئًا.

ضعف القيادة السياسية والعسكرية في تعز، وارتهان بعض القيادات المحسوبة عليها إلى تبني خطابات بعيدة، ما أدى إلى جعل تعز خارج اهتمام الجميع، باستثناء الحوثيين

وفي بداية نيسان/أبريل من العام الماضي أعلن المبعوث الأممي لليمن هانس غروندبيرغ عن اتفاق الأطراف السياسية اليمنية عن هدنة لمدة شهرين، تتضمن وقف إطلاق النار وإطلاق سراح جميع الأسرى من الطرفين، بالإضافة إلى عودة تشغيل مطار صنعاء الدولي أمام الرحلات الجوية المدنية، وميناء الحُديدة أمام سفن النفط، وفتح الطرق البرية بين المحافظات، وخصوصًا الطرق الرئيسية التي تؤدي إلى مدينة تعز.

وفي السياق ذاته، يقول توفيق الحميدي، لألترا صوت، إنه تم تنفيذ جميع بنود اتفاق الهدنة بشكل كلي أو جزئي ما عدا البند الخاص بفتح طريق تعز ورفع الحصار على المدينة، وذلك بسبب تعنت جماعة الحوثي ورفضها التنازل عن موقفها من الحصار، مستغلة في ذلك حالة ضعف الحكومة اليمنية وخذلان التحالف السعودي لها وإغراقها في صراعات داخلية عديدة، بالإضافة إلى تعقيدات المعركة التي يبدو أنها توقفت حاليًا بشكل شبة كلي وهذا يصب في صالح الحوثي.

في المقابل، فإن الحكومة اليمنية لم تعط أهمية كبيرة لقضية حصار تعز بحيث تجعلها قضية محورية وتسعى إلى الضغط على الحوثيين من أجل رفع الحصار، ويرى الحميدي أن الحديث عن تعز أصبح مقرونًا بحزب الإصلاح الأمر الذي جعلها عرضة المناكفات السياسة، ما دفع التحالف ربما لاتخاذ موقف سياسي وعسكري يدفع ضريبته المواطنون في تعز، وقد دخلت المدينة في صراع أجنحة داخل معسكر التحالف والحكومة اليمنية، وبالتالي تركت تعز انتقام لرفضها المجاميع المسلحة للتحالف.

ضعف القيادة السياسية والعسكرية في تعز، وارتهان بعض القيادات المحسوبة عليها إلى تبني خطابات بعيدة، ما أدى إلى جعل تعز خارج اهتمام الجميع، باستثناء الحوثيين، بحسب حديث الحميدي.

ويضيف أن إصرار الحوثي علي استمرار حصار تعز من أجل التعامل مع القضية كورقة تفاوضية مهمة في المستقبل، لضمان المفاوضات التي تدار حول الجزئيات والتفاصيل الصغيرة، كما أن الجماعة تسعى إلى ضمان موقع قدم مستقلًا لها في تعز، وقد يتسبب رفع الحصار بفقدان الحوثيين للمناطق التي يسيطر عليها في تعز.