21-نوفمبر-2018

تتصراع روسيا مع إيران على الفوسفات في سوريا (Getty)

كانت كافة الأراضي تحت وطأة النظام السوري يتحكم فيها الأسد وأصدقاؤه. بدأت السيطرة تتلاشى رويدًا رويدًا حتى عام 2015 حين قرر الكرملين أن تتحول الأرض السورية ومعمارها، إلى فئران تجارب لقوة الأسلحة الجوية والبرية التي يمتلكها من صواريخ وطائرات ومدفعيات، فبدأت المناطق تستقبل التجارب بدءًا بحلب مرورًا بدير الزور حتى درعا والمؤشرات تتجه بوصلتها إلى إدلب ربما، ليس هذا فقط بل كان السلاح الجوي الروسي بمثابة غطاء أمان لميليشيات نظامية بقيادة إيرانية تستحوذ على الأماكن التي تم قصفها وتُمشطها ممن كانوا يقاومون بها. أنفقت روسيا وإيران مليارات الدولارات من أجل استقرار الأسد، ولكن ما السبيل لتعويض تلك النفقات لهما وهل ستتساوى الكعكة بين روسيا وإيران عند التقسيم؟

يتنازع حلفاء النظام السوري على السيطرة على المناطق الغنية بالفوسفات في سوريا

أرض الفوسفات

يعتبر الفوسفات كثروة معدنية باطنية من أهم ثلاث مواد خام مع النفط والغاز الطبيعي، ويبلغ حجم الاحتياطي منه في الأرض السورية حوالي ملياري طن، إلا أنه وصل في ذروة إنتاجه إلى 3.5 مليون طن فقط وذلك بسبب عدم تطور الآلة التي تقوم بإنتاجهِ واستخراجهِ وفصله من المواد المشعة التي يحتوي عليها، كاليورانيوم المشع النادر تواجده ثم بعد ذلك الاستخدام المحلي في الطاقة أو التصدير.

اقرأ/ي أيضًا: البوصلة نحو موسكو.. هكذا أصبح بوتين الزعيم الجديد للشرق الأوسط

ويتواجد الفوسفات في سوريا تحديدا في مناطق تدمر والحماد والمناطق الساحلية، وتحتوي منطقة تدمر على مناجم "خنيفيس" ومناجم الشرقية التي تتميز باستخراج فوسفات يقارب من المواصفات العالمية التي تقارب الدرجة الرابعة، ومما لا شك فيه، يتنازع حلفاء النظام، روسيا وإيران، على السيطرة على تلك المناطق والاستيلاء على عقود اتفاق بينهم وبين النظام السوري، لتولي مهام استخراج الفوسفات والحصول عليه بأقل ثمن، تعويضًا عن المليارات التي أُنفقت لاسترجاع الأسد إلى عرشه مرة أخرى، ليس ذلك فقط بل إن المادة المشعة من اليورانيوم التي تصاحب الفوسفات تعتبر سلاحًا نوويًا آخر، من امتلكه يهدد من يبحث عنه، فتحتاجه إيران بشدة لاستكمال برنامجها النووي بعد رجوع العقوبات عليها من قبل إدارة ترامب، كما أنه سيساعد النفوذ الإيراني في التمدد أكثر وأكثر، لاسيما في اليمن وفي لبنان. لكن هل ستوافق روسيا على ذلك وهي تمتلك ثالث أكبر احتياطي من اليورانيوم في العالم؟

الفوسفات في قبضة الروس

لم يكن تدخل طائرات السوخوي الروسية ومقاتلات "تي 90" الأشهر داخل الجيش الروسي بغير ثمن. فكان الملاذ الأول الذي استطعمته روسيا بتدخلها العسكري في روسيا هو استعراض قوتها العسكرية الكاسحة على العمران فوق أشلاء الشعب السوري، بحجة مواجهة الإرهاب وتنظيم الدولة. مما أدى إلى تصارع الدول العربية والآسيوية للتعاقد لشراء سلاح روسيا الفتاك.

تقدر نفقات السلاح الروسي في الأراضي السورية بمقدار نصف مليار دولار مقابل صفقات بيع توقعَاتها قد قاربت 56 مليار دولار، حيث أقبلت الجزائر والهند وماليزيا وأندونسيا ودول إفريقية مثل نيجيريا وأوغندا إلى توقيع صفقات بيع وشراء للسلاح الروسي، بعدما دَمَر سوريا شعبًا وعمرانًا.

أما عن الملاذ الثاني فكان الاستيلاء على مناجم الفوسفات التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة "داعش"، بعد أن تمت مهاجمته بريًا من قبل قوات النظام والميليشيات الإيرانية مستندين إلى غطاء جوي روسي كان يقصف بشدة في أوائل عام 2017. لكن روسيا لم ترغب بتقسيم الكعكة بل أكلتها بلا منازع بمساعدة الضابط السوري "سهيل الحسن" الشهير بالنمر، من خلال طرد القوات الإيرانية المسيطرة على مناجم الفوسفات في ريف حمص، وصولًا إلى الرقة ودير الزور، قبل أن يصرح نائب رئيس الوزراء الروسي ديمتري روغفوزين عن نية روسيا إعادة تعمير وبناء منشآت الطاقة في سوريا، وأنها ستستغل الاحتياطي الكبير لدى سوريا من الفوسفات عن طريق شركة "ستروي ترانس غاز" الروسية، التي أجرت مؤخرًا اتفاقًا مع الهيئة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية ينص على إعطاء الشركة حق استثمار وتصدير الفوسفات، الذي يقدر بـ105 مليون طن مقابل إعطاء الهيئة 30% من الأرباح فقط لمدة 50 عامًا، حسب ما صرح مصدر مسؤول في الهيئة لقناة العالم.

اقرأ/ي أيضًا: الأسد.. مصيرٌ تصنعه تحالفات روسيا

هذا على صعيد الفوسفات فقط، ناهيك عن بقية الثروات على الأرض السورية. وعلى ما يبدو أن بشار الأسد لم يكن يعرف أن بقاءه على العرش سيكلفه إعطاء سوريا كاملة لبوتين لتكون مقرًا عسكريًا متميزًا في الشرق الأوسط، وتكون مصدرًا للمليارات التي سوف تجنيها حكومته بعدة استثمارات غير عادلة في شروطها.

يبدو أن إيران لا تعي جيدًا في تلك المعادلة أن بوتين الذي رفض اصطحاب بشار الأسد معه وأبقاه خلفه عندما التقيا الاثنان في قاعدة "حميميم" السورية العسكرية، لن تسمح أيضًا بتقسيم الكعكة السورية بينهما، ولن تسمح لإيران بفرض هيمنتها الأيديولوجية والعسكرية كما فعلت في العراق ولبنان عن طريق قوات الحشد الشعبي وحزب الله.

كانت روسيا الأذكى والأقوى في تلك المعادلة، مما أدى إلى غضب إيران وضيق نفسها بعدما أنفقت جهودها البشرية والفيلقية والمالية في إنقاذ الأسد ومواجهة المعارضة المسلحة بكافة فصائلها، بالإضافة إلى تنظيم الدولة "داعش" وجبهة النصرة، فهي الآن تواجه أزماتها المالية في الداخل وانتفاضة المعارضة في الشارع الإيراني وطوق ترامب الاقتصادي الذي عاد بعد رحيل أوباما. كما اتضح بعد ذلك أن الأسد لا يريد التورط مع إيران أكثر، ولا يفضل أن تكون سوريا أرضًا تتلاعب بها الصورايخ بين إسرائيل وبينها، بل يريد اتباع روسيا بسلام للحفاظ على رفات عرشه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

شبيحة الأسد.. تعرف على أبرز المليشيات الأجنبية المقاتلة مع النظام السوري (3-3)

"الواجب الجهادي".. هكذا يواري حزب الله قتلاه في سوريا