22-أغسطس-2022
شعراء سرياليون

يريتون، أراغون، ايلويار

اندريه بريتون.. الشّاعر المبتكر

رغم جذور السريالية الضاربة في الدادائية كاتجاه، ورغم جذورها الضاربة في أعمال شعراء من القرن التاسع عشر كبودلير ورمبو ولتريامون، يمكن القول إن الشاعر الفرنسي أندريه بريتون هو أول من اخترع السريالية "كحركة منظمة"، وقادها، كمجموعة أفكار ونتاجات وأشخاص، إلى درجة أن تاريخه يختلط إلى حد كبير بتاريخها، حتى لا نقول إن تاريخه هو تاريخها، كمنظر في العمق لأسسها ومنطلقاتها السلوكية والإبداعية.

كل ما كتبه أندريه بريتون،. وكل ما مارسه كرسه للدفاع عن القيم السريالية. فهو بصراحة وشغف وإخلاص حاول أن يقنع وأن يدين، حاول أن يكتب وأن ينظر

والمتتبع لمجمل أعمال بريتون يرى أن كل ما كتبه ومارسه كرسه للدفاع عن القيم السريالية. فهو بصراحة وشغف وإخلاص حاول أن يقنع وأن يدين، حاول أن يكتب وأن ينظر، وقد ظهرت هذه الملامح في نثره وفي أعماله النظرية "الخطى الضائعة" (1924) و"البيانات الثلاثة" (1924، 1929، 1942) التي تشكل الوثائق الرئيسية والأساسية لمعرفة مبادئ وأهداف وتاريخ السريالية، وهي وإن بدت في دقتها وعمقها ومنهجيتها تحليلية الأكثر كلاسيكية في التراث الفرنسي. ولعل المفارقة التي تظهر بجلاء في كتابته بريتون الشعرية أنه، رغم كل طروحاته النظرية، بقي رهين جاذبيتين في تعبيره: من ناحية النص الآلي المحض، ومن ناحية أخرى بروز العنصر التأليفي عنده، سواء في تأنقه أو في نبرته الخطابية، كما نجد مثلًا في قصيدته "إلى شارل فورييه".

نصوصه النثرية، ولو بدت ظاهرًا وكأنها "روايات"، فإنها في الواقع خارج هذا التصنيف، بما تحمل من شعرية ومن عوالم تذوب فيها الحدود بين الحياة والحلم كما نجد في "نادجا" (1928) و "الأوعية المتصلة" (1932) و"الحب المجنون" (1937).

لويس أراغون.. قصيدة بهلوانيّة

أعمال أراغون الأولى اندرجت ضمن الخط الدادائي والسريالي "نار الفرح" (1920) و"الحركة المستمرة" (1925)، و"أنيسي أو البانوراما" (1926).

لكن ما يميز أراغون عن سواه من الشعراء السرياليين أنه متنوع النبرات والاهتمامات والكتابات. فإلى سرياليته نجد عنده "قصائد مناضلة"، خصوصًا بعد انتسابه إلى الحزب الشيوعي الفرنسي واشتراكه في المقاومة الفرنسية. وهل يمكن لأي قارئ لأراغون ألا يعتبر أن أجمل شعره هو ما كتبه لإلسا من خلال الدواوين والقصائد "عينا إلسا" (1942)، و"الديانا الفرنسية" (1944)، و"القصة غير المنتهية" (1956) و"إلسا" (1959) و "مجنون إلسا" (1963).

إضافة إلى كتاباته الشعرية الغزيرة جرب أراغون كتابة القصة والرواية: "أجراس بال" (1933)، و"الأحياء الجميلة" (1936) و "أوريليان" (1945)، و"أسبوع الآلام" (1958).

ومن مظاهر الغزارة والتنوع عنده يمكن إضافة الأبحاث والمقالات والمحاولات النقدية في الأدب والفنون التشكيلية... لكن هذه الغزارة وهذا التنوع لم ينقذا أراغون مما يسمى الثرثرة، وخصوصًا في الشعر عندما عاد إلى الوزن والقافية، محاولًا إحياءها بطريقة مفتعلة وأحيانًا كثيرة بهلوانية.

بول ايلويار.. اللغة الصافية

مهما بدا بول ايلويار أحيانًا أنه من ضمن السريالية، ومن ضمن سلوكها عامة ومن كتاباتها، فإنه، بقي، بين السرياليين شاعرًا متميزًا. فهو بعد أن "قرأ جيدًا" المدرسة الاجتماعية Unanimiste، وغنى آلام الناس في الحرب، أضاف في هذا، إلى السريالية إيقاعًا خاصًا ولغة خاصة، وإن تطورت في اتجاه أكثر صفاء على امتداد مراحله الشعرية، فإن بصماتها بقيت واضحة في شعره.

الواقع أن ايلويار، ظل لمدة طويلة في نظر الكثيرين من أصدقائه وغير أصدقائه "شاعرًا لطيفًا" وإنما شاعر ثانوي، حتى قام الاحتلال، فاتخذ فجأة حضور شاعر كبير، خصوصًا في أعماله "مختارات شعرية" (1941). و "شعر وحقيقة" (1942) "إلى الموعد الألماني" (1944). وقد أخذ نتاجه يتطور بعد أعماله السابقة التي اقتربت من السريالية أو تفتحت في مناخات انطلاقها في العشرينيات "الموت من عدم الموت" (1924) "عاصمة الألم" (1926) "الحب الشعر" (1929)، "الحياة المباشرة" (1932). وهذا التطور بدأ يبرز حوالي الأربعينيات في اتجاه لغة مكثفة وشفافة معًا، موحية وعفوية. وأهم الأعمال التي تلت مرحلة الشعر السياسي المباشر وجسدت هذا التطور هي: "الشعر المتقطع" (1946) "درس في الأخلاق" (1949)، "الفيتيقس" (1951).

مارس روبير ديسنوس منذ بدايات الحركة السريالية تأثيرًا أساسيًا. فهو كان الأقدر بين السرياليين، على التعبير، بواسطة الكتابة الآلية، على غنى اللاوعي. وقد سار في اتجاه استغلال التجارب اللغوية والهذيان اللفظي

روبير ديسنوس.. سيّد الكتابة الآليّة

مارس روبير ديسنوس منذ بدايات الحركة السريالية تأثيرًا أساسيًا. فهو كان الأقدر بين السرياليين، على التعبير، بواسطة الكتابة الآلية، على غنى اللاوعي. وقد سار في اتجاه استغلال التجارب اللغوية والهذيان اللفظي، في محاولة إفلات اللغة من أي عائق ذهني. لكن إلى جانب هذه التمارين السريالية المدرسة إن صح التعبير، نجد عند ديسنوس قصائد غنائية، هي، بالفعل، من أجمل كتاباته.

شعراء على هامش السريالية

المدرسة السريالية التي كانت الجاذب الأقوى في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى مباشرة أو في قسم كبير من مرحلة ما بين الحربين الأولى والثانية، لم تدرك هيمنتها الطاغية كثيرًا من شعراء تلك الفترة كجول سوبرفيال مثلًا، وإن قاربت إلى حد محدود وفي شكل غير نهائي شعراء التقوها في نواح وافترقوا عنها في نواح أخرى وبقوا بهذا، في مسار أعمالهم على هامشها. من هؤلاء بيار ريفردي وماكس جاكوب وجان كوكتو وليون بول مارغ.

بيار ريفردي.. نقاء الصّورة

في "بيان السريالية" الأول، يعتبر بريتون أن بيار ريفردي من مؤسسي نظرية الصورة في السريالية. وأراغون كذلك قال "كان ريفردي عندما كنا في العشرين، سوبو، بريتون والويار وأنا، يمثل كل النقاء بالنسبة إلى الجميع". لكن رغم التقارب الملموس بين ريفردي والسرياليين، وخصوصًا في البدايات، يبقى الشاعر، داخل السريالية وخارجها، داخلها من حيث غرابة الصور ومناخات الحلم واللغة التي توحي أحيانًا بالغريب، وخارجها من حيث الصياغة الملومة، المصهورة، المكثفة، المتبصرة في اختيار أدواتها.

جول سوبرفيال.. قصيدة غنائية

البعض يعتير سوبرفيال "ظاهرة على حدة؟، لأنه، وفي وسط الاعصار السريالي، والجنون السريالي، والموجة السريالية الغامرة في العشرينيات، بقي، بعيدًا عن لغتها وأدواتها وطقوسها، ولو متأثرًا ببعض مناراتها السابقة من القرن التاسع عشر. ففي الوقت الذي كان السرياليون يهدون، ويدمرون، ويكسرون العالم واللغة، كان، هو يحاول أن يغني، بكل بساطة، وبكل هدوء، ولو بدا في غنائه هذا جانب مهم من الحلم والهذيان... فلنقل إنه أبقى على موروث الغناء في الشعر الفرنسي، بعدما تحول هذا الغناء عند السرياليين إلى صراخ وهلوسة، أو فلنقل غنى هذيانه أو هذى غنائه، في بناء لم يخرج على الإرث الماضي، وأن أطل كثيرًا على الجديد. وهو بهذا، توفيقي، بين غنائيتين: قديمة وجديدة، بين لغتين، متجاوزة وذات إطلالة، بين الوضوح والغموض، بين السر والصباح.