06-أكتوبر-2020

متظاهر في العاصمة اللبنانية بيروت يوم 4 آب/أغسطس 2020 (حسام شبارو/الأناضول/Getty)

لا وجود لسياسة من دون سياسيين. ولكن جزء كبير من الإعلام اللبناني، الذي تهيمن عليه نخبة طائفية حاكمة، لا يتخيّل سياسة من دون هذه النخبة بالتحديد، التي تسمي نفسها بالسياسيين. رغم ذلك، ولمعرفة الاتجاهات السياسية في لبنان، لا بد من النظر إلى المؤشرات الصادرة عن هذه النخبة بالتحديد، وضمن قواعد "الاشتباك" التي تحددها بنفسها ولنفسها. وهي، وإن لم تعد مسلية، ما زالت معقدة، وقادرة على تعقيد الأمور على اللبنانيين أكثر فأكثر.

يمكن القول أن رأسمال ميقاتي ورأسماليته يلعبان دورًا أساسيًا في تحديد سياساته، أكثر من سياسة العصبيات التي ينتهجها بقية السياسيين اللبنانيين عمومًا لبناء حيثياتهم في المشهد وفي الواقع

حتى هذه اللحظة، ورغم تدخل دولة كبيرة ذات "سمعة" في لبنان مثل فرنسا ــ وبمعزل عن قراءة هذا التدخل بأدوات ما بعد كولونيالية ــ وبقراءة الدور الفرنسي ضمن قواعد اللعبة السياسية اللبنانية المفرطة في رتابتها، لا يوجد رئيس حكومة قادر على تمثيل جميع مصالح هذه النخبة، أو على إخراج مشهد مناسب يضمن تقاطع هذه المصالح مع مصالح الدول التي تتدخل من كل حدب وصوب. الاحتمالات ليست كثيرة رغم تعقيداتها، وإذا استثني الفراغ، وما يتبع ذلك من احتمالات، رغم صعوبة استبعاد هذا الخيار، تبقى الاحتمالات الواردة ثلاثة لا رابع لها.

1- تجربة دياب مقابل تجربة أديب

بعد سقوط حكومة سعد الدين الحريري، نجح الفريق الذي يدور حول حزب الله، بإخراج حكومة جديدة، أطلق عليها اسم "حكومة التكنوقراط". وكثرت وعودها، التي بدت في لحظات إطلاقها أضخم من أصحابها بكثير. ولولا انفجار المرفأ، الذي تبعه سلسلة استقالات، لم يكن يبدو أن ثمة ما سيحرّك ساكنًا. عمليًا، أسقطت حكومة دياب، ومن دون فهم أنها أسقطت، لن يكون ممكنًا فهم موقف حركة أمل وحزب الله، من إسقاط حكومة مصطفى أديب قبل تشكيلها.

اقرأ/ي أيضًا: "رفع الدعم" في لبنان.. استكمال الانهيار بالانهيار

في المرحلة المقبلة، يمكن استبعاد تجربة دياب تمامًا، ذلك أن رؤساء الحكومات السابقين، فرضوا واقعًا سياسيًا على حزب الله، كقوة طائفية مضادة، للاصطفاف الطائفي الذي فرضه "الثنائي الشيعي" متمثلًا بحركة أمل وحزب الله على لبنان، منذ 2005 وحتى اليوم. بالتالي، سيكون من الصعب تجاوز هذا التكتل، المتمثل برؤساء الحكومات السابقين، أو الإتيان برئيس من دون موافقته، كما كان يحدث سابقًا. وهذا يعني، أن هذا التكتل، سيكون في مواجهة دائمة ومفتوحة مع "الثنائي"، ما يصعب عملية التسمية من دون موافقة الفريق الأول وضمن شروطه، ويصعّب عملية التشكيل من دون موافقة الفريق الثاني، كما حدث مع أديب.

لكن ليس تكتل الرؤساء السابقين هو الرابح الوحيد، بل حزب الله وحركة أمل أيضًا، الذين تكرّس تمثيلهما الطائفي للشيعة، بعد رفض أديب تسمية أي وزير من خارج موافقة هذين الطرفين. في جميع الحالات، الخاسر الوحيد، ليس اللبنانيين، لأن الحكومة لن تأتي بالجديد.  في المحصلة، وكما تشير المعطيات الحالية، وهي معطيات تنتظرخروج الولايات المتحدة الأمريكية من موسم الانتخابات، إضافة إلى جملة أحداث إقليمية أخرى، تجعل فرصة وجود رئيس بهيئة محايدة ولكن محسوب على حزب الله مثل حسان دياب أمرًا مستحيلًا، مقابل استحالة تشكيل حكومة كما يرغب بها رئيس يسمّيه أو يوافق عليه تكتل رؤساء الحكومات السابقين.

2- عودة الحريري

من الناحية النظرية، مع القليل من الشعاراتية، هذا أسوأ خيار ممكن للبنانيين. فهو لا يعني عودة الأمور إلى ما كانت عليه تحديدًا قبل الانتفاضة وحسب، ولا يعني العودة إلى خطاب أمين عام حزب الله في أيام الانتفاضة الأولى، الذي أصرّ على أن الحلّ الوحيد هو عودة الحريري مع ورقته الإصلاحية الشهيرة، بل يعني أن التغيير ليس ممكنًا حتى في الشكل. لعودة الحريري أثر معنوي على اللبنانيين، فهم يعرفون سياساته الاقتصادية. وإن كان الحريري، كما بيّنت التجربة، أقل الأطراف في لبنان ميلًا للعنف وللصدامات الأمنية، أو أنه في أقل تقدير لا يحبذ هذه الخيارات بالنظر إلى امتلاكه مشروع اقتصادي نيوليبرالي واضح، فإن آثار هذا المشروع لا يمكن أن تكون بصورة أوضح مما هي عليه اليوم.

اقرأ/ي أيضًا: لبنان.. الملل الذي لا يفنى

المفارقة، أن خيارات فرنسا، كما بات واضحًا، تميل إلى عودة الحريري من دون مرحلة انتقالية، يسمّي فيها رئيسًا بنفسه. هناك شائعات كثيرة، عن رفض السعودية لعودة الحريري، ومحاولات فرنسية لتغيير هذا الموقف. كما تتداول معلومات، عن رفض رئيس الجمهورية للفكرة رفضًا تامًا، لأنها ستعني خروج وزير الخارجية السابق جبران باسيل من الحياة السياسية، في مقابل موافقة وترحيب من حزب الله وأمل، لكن بشروطهما المعهودة، ما يعيد الأمور إلى نقطة الصفر. حسب المقربين من الحريري، ورغم إشاراته الدائمة لرفض العودة، فإن هذا الرفض ليس قطعيًا، والحريري يعتبر نفسه الرئيس المقبل للحكومة في لبنان، وإن لم يحدث ذلك في الحكومة اللاحقة، فسيحدث بعدها.

يبقى السؤال الحقيقي الذي يطرحه اللبنانيون على أنفسهم، هو عن جدوى الاستشارات، وجدوى الانتخابات، وجدوى وجود حكومة في الأساس، طالما أن كل شيء يتم الاتفاق عليه وفق الحسابات الطائفية

3- ميقاتي مجددًا

ليست المرة الأولى التي يُطرح فيها اسم رجل الأعمال الثري، نجيب ميقاتي، كمرشح "وسطي" لرئاسة الحكومة، بالنظر إلى قدرته على تمثيل عدة مصالح، من دون أن يكون الاسم مستفزًا لأي من أركان النخبة الحاكمة. ذلك أن رأسمال ميقاتي ورأسماليته يلعبان دورًا أساسيًا في تحديد سياساته، أكثر من سياسة العصبيات التي ينتهجها بقية السياسيين اللبنانيين عمومًا لبناء حيثياتهم في المشهد وفي الواقع. وبالنظر إلى استفحال الخطاب الطائفي، وبالنظر إلى صعوبة فرض مرشح من جهة واحدة، يبدو أن حكومة "اختصاصيين" تبدو مستحيلة. وهذه حسنة من حسنات النزاع، لكنها حسنة ميتة. فإن كانت حكومة الاختصاصيين تعني تبديل الوزراء بمسشتاريهم، فالبديل عن هذه الحكومة، في حال الاتفاق على ميقاتي، ليس حكومة سياسية بخيارات جديدة، بل حكومة بالخيارات السياسية المعروفة، والنزاعات السياسية نفسها بين اللبنانيين.

في ضوء هذه المعطيات، وحتى الآن، يبدو أن نجيب ميقاتي، هو الشخص الأقرب. لكنها مجرد ترجيحات. لا استشارات نيابية بعد، وإن كانت الاستشارات شكلية، وتجري كما جرت العادة، بعد الاتفاق على كل شيء بين أركان النخبة الحاكمة. السؤال الحقيقي الذي يطرحه اللبنانيون على أنفسهم وعلى بعضهم البعض، هو عن جدوى الاستشارات، وجدوى الانتخابات، وجدوى وجود حكومة في الأساس، طالما أن كل شيء يتم الاتفاق عليه وفق التمثيل الطائفي، والحسابات الطائفية، ولماذا يصرّ النظام اللبناني على إقناع نفسه بوجود سياسة، ووجود سياسيين، طالما أنه ليس بحاجة إلى كل هذا!

 

اقرأ/ي أيضًا:

لماذا لا تنفع الانتخابات في لبنان؟

التكنوقراط بين لبنان وإيطاليا: لعب في الوقت الضائع