30-أغسطس-2020

تتجه الأزمة الاقتصادية في لبنان نحو المزيد من التدهور (Getty)

ما يتحدث عنه اللبنانيون أخيرًا هو "رفع الدعم". يبدو المصطلح هلاميًا وغير ذي معنى لغير المهتمين بالاقتصاد. واللبنانيون، في أي حال، مثل غيرهم من الشعوب الغارقة في الأزمات، أحيانًا يستعملون الكثير من المفردات التي روّج لها النظام، والتي استخدموها من دون تدقيق في معناها، مثل الهدر والفساد والعشرات من المصطلحات الأخرى.

هناك "أجواء" تفيد بأن مصرف لبنان بدأ يتصرف بالاحتياطي الإلزامي. وأغلب التحليلات تقود إلى أن شائعة رفع الدعم عن المحروقات، مصدرها المصرف نفسه، ولكن أهدافها سياسية بحتة، وليست نتيجة النقص في الاحتياطي

لكن، ما الذي يعنيه "رفع الدعم" فعلًا؟ الدعم، كما يفهمه اللبنانيون العاديون، هو تغطية الدولة لفارق سعر السلع الأساسية، بالدولار، لمصلحة السعر المثبت بالعملة المحلية. أما السلع الأساسية المدعومة، فهي المحروقات، القمح، والدواء. بعد ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية في "السوق السوداء"، وهي السوق الوحيدة المتوافرة للبنانيين للحصول على الدولار، في ظل امتناع المصارف عن تسليم الدولارات لمودعيها، صار الدعم حاجة أساسية لتغطية الفوارق الناتجة عن التغيّرات بسعر الصرف. ولكن، في الأساس، ماذا لو لم يكن الدعم دعمًا؟

اقرأ/ي أيضًا: تحذيرات من انعدام القدرة الشرائية بسبب فوضى أسواق الصرف في لبنان

أسعار القمح حاليًا، مثلًا، لا تستفيد من أي دعم من الدولة. ورفع السعر، سببه طبيعة النظام، التي تسمح لأصحاب الأفران وللموزعين ولجميع المعنيين، برفع السعر من دون حسابات، على قاعدة الكسب والمزيد من الكسب، ومن دون الاهتمام بأي جانب من جوانب الرعاية الاجتماعية. في مسألة الخبز، بازار الأرقام حسب سعر الصرف ليس مجديًا، وفي جميع الحسابات، الكلفة ستكون فظيعة على الفقراء، وهم أكثر من نصف اللبنانيين.

تشهد لبنان ارتفاعات هائلة في أسعار سلع أساسية (Getty)

أما بالنسبة لسعر الدواء المدعوم، فمعظم الصيادلة، وبسبب وجود كارتيلات للاستيراد من بين جملة مشاكل أخرى لا يبدو أن أحدًا مهتم بحلّها، يواجهون مشاكل جدية، في تأمين كلفة الفارق، بحيث تدعم الدولة 85% من السعر، ويتوجب على المستورد تأمين الكلفة المتبقية من السوق السوداء. وإذا كان الوضع شاقًا عند البحث عن دولارات لتغطية 15% من القيمة، فكيف ستكون الحال، إذا تم رفع الدعم، وصارت الكلفة التي يجب تغطيتها بالدولار من السوق نفسها بقيمة 100%. هذا إذا تجاهلنا، أن القيمة سترتفع بنسبة خمسة أضعاف، وهو معدل الفارق بين سعر الصرف الرسمي الذي "يدعم" مصرف لبنان عبره، وهو 1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد، مقابل 7500 ليرة لبنانية في السوق السوداء (الرقم مرشح دائمًا للارتفاع). وكلما ارتفع سعر الصرف، وفي ظل "رفع الدعم" سترتفع معه كلفة الدواء على اللبنانيين. وبينما تبدو الأرقام التي أمامنا الآن مجرد أرقام، فإنها خيالية بالنسبة للبنانيين. فالعائلة التي يبلغ دخلها مليون ليرة مثلًا، وهذا المبلغ هو ضعف الحد الأدنى للأجور تقريبًا، ونسبة البطالة تجاوزت نصف السكان، لن يمكنها شراء دوائين أو ثلاثة بقيمة 150 دولارًا، حسب السعر الحالي للصرف وقبل ارتفاعه، في حال تم رفع الدعم، قبل أن تفكر بأي شيء آخر.  في الوضع الحالي، يدفع المواطن العادي كلفة تتراوح بين 30 و40% من الكلفة الإجمالية، وهو غير قادر على تأمينها. ويعني ذلك ما يعنيه.

ربما يحتاج سعر المحروقات إلى شروح خاصة. وعلى هامش ثبوت احتكار مادة المازوت خلال الشهر الفائت من محسوبين على حزب الله وحركة أمل في الجنوب اللبناني، وإعادة بيعها بأسعار مضاعفة بعد الاستفادة من الدعم، فإن دعم البنزين ملتبس في الأساس. سعر هذه المادة ثابت، وبالتالي إذا أخذنا بالاعتبار انخفاض أسعار النفط عالميًا، فإن هذا يعني وجود تكلفة إضافية على اللبنانيين، بدلًا من الحديث عن "دعم". هذا الدعم، الذي تتحدث عنه السُلطة، في موضوع المحروقات، هو التعامل بالسعر الرسمي للدولار كما حدده مصرف لبنان. بالأرقام، تدفع الدولة اللبنانية، كما تقول، مبلغ 5 آلاف وخمسمئة ليرة لبنانية عن كل صفيحة بنزين. لكنها لا تدفعها عن المواطن، بل تدفعها للكارتيلات المسيطرة على استيراد البنزين، من دون رقابة ولا مشاركة من الدولة. وكذلك الأمر بالنسبة للقيمة المرتفعة التي تدفعها لدعم صفيحة المازوت، والتي تبلغ ثلاثة أضعاف ونصف الدعم على البنزين. وعلى حسابات مصرف لبنان، فإن قيمة الدعم تقارب السبعة دولارات للصحيفة الواحدة. أما بالنسبة للبنزين، وقبل الحديث عن قسائم خاصة، والمخططات الأخرى لإذلال الناس، في ظل غياب نقل عام جدي، وبوجود نخبة حاكمة فاشلة حتى في اخراج فشلها، فإن المبالغ التي أمامنا كالآتي:

سعر الصفيحة الأساسي بسعر الصرف الرسمي

6 دولارات و80 سنتًا

ضريبة الدولة

10,500 ليرة لبنانية

ربح صاحب المحطة في الصفيحة الواحدة

1,900 ليرة لبنانية

ربح شركة التوزيع في الصفيحة الواحدة     

300 ليرة لبنانية

ربح مؤسسة النقل في الصفيحة الواحدة

300 ليرة لبنانية

السعر النهائي الذي يدفعه المواطن

23,500 ليرة لبنانية

 

وفي حال بقاء سعر برميل النفط على حاله، وفي حال رفع الدعم، وفي حال تم التعامل على سعر صرف الدولار "الوسطي"، كما يستخدمه المصرف، أي 4000 ليرة لبنانية تقريبًا (الرقم في السوق السوداء يبلغ ضعف هذا المبلغ)، ستصبح كلفة الصفيحة النهائية على المواطن 40 ألف ليرة، وإذا كان سعر الصرف في السوق السوداء سيبلغ ثمنها 48 ألف ليرة لبنانية، أما إذا كان سعر الصرف كما هو الآن، فسيتجاوز سعرها 60 ألفًا. وسترتفع مع ارتفاعه، ويستمر التضخم، حتى يصل اللبنانيون إلى وضع ينقطع فيه الدولار، وتنقطع فيه السلع، وينقطع كل شيء، وتستفيد المصارف التي صادرت الودائع في الأساس.

ليس هناك أي ثقب في النافذة، وجميع أركان النظام اللبناني من دون استثناء متفقون تمامًا على البقاء، وعلى تعميق الأزمة قدر المستطاع

عمومًا، هناك "أجواء" تفيد بأن مصرف لبنان، وبمعزل عما جاء في مقابلة حاكمه، بدأ يتصرف بالاحتياطي الإلزامي. وأغلب التحليلات تقود إلى أن شائعة رفع الدعم عن المحروقات، مصدرها المصرف نفسه، ولكن أهدافها سياسية بحتة، وليست نتيجة النقص في الاحتياطي. وإذا صح ذلك، سواء شكلت حكومة أم لم تشكل، فإن أوهام الاستثمارات لن تتحول إلى حقيقة، وليس أمام مصرف لبنان سوى زيادة الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية، ما سيؤدي إلى تضخم رهيب، وارتفاع سعر صرف الدولار إلى درجة غير مسبوقة. النتيجة الوحيدة لاستكمال الانهيار، ستكون استكمال الانهيار وحسب. ليس هناك أي ثقب في النافذة، وجميع أركان النظام اللبناني من دون استثناء متفقون تمامًا على البقاء، وعلى تعميق الأزمة قدر المستطاع. الأمن؟ المجتمع؟ الجوع؟ هذه تفاصيل. والجميع غارق في الكيفية المناسبة لإعادة انتاج حكومة طائفية، تدير مصالح طائفية، تحت رعاية وإشراف من الظل، للقلة المهيمنة على السياسة النقدية في البلاد، وقد صارت معروفة في أي حال.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

نكبة لبنان منذ سنوات.. كيف أثر الفساد والطائفية على قطاع الكهرباء؟

صندوق النقد يشترط على الحكومة اللبنانية إجراء إصلاحات شاملة ليفرج عن قرض مالي

تحذيرات من انعدام القدرة الشرائية بسبب فوضى أسواق الصرف في لبنان