07-يناير-2023
gettyimages

(Getty) الجيش الأوكراني رصد مكالمات التهنئة في العام الجديد

سلَّط الهجوم الذي شنته القوات الأوكرانية على تجمع للجنود الروس في مدينة ماكيفكا، ليلة رأس السنة، الضوء على الخطر الذي تمثله الهواتف المحمولة خلال الحرب الروسية على أوكرانيا. ذلك بعد أن ألقت القيادات العسكرية الروسية اللوم على جنودها لاستخدامهم الهواتف، ما مكَّن الجيش الأوكراني من تحديد موقعهم واستهدافهم بصواريخ هيمارس الأمريكية.

سلَّط الهجوم الذي شنته القوات الأوكرانية على تجمع للجنود الروس في مدينة ماكيفكا، ليلة رأس السنة، الضوء على الخطر الذي تمثله الهواتف المحمولة خلال الحرب الروسية على أوكرانيا

وتضاربت الأرقام حول حصيلة الهجوم، إذ أعلنت هيئة أركان الجيش الأوكراني أنها أسقطت 400 جندي روسي وأصابت 300 آخرين بجروح. بالمقابل تخبطت موسكو في الاعتراف بحصيلة الهجوم، لتعترف بعدها، على نحو غير معهود، بمقتل 63 من جنودها في الهجوم على مركز "انتشار مؤقت" لقواتها في البلدة الواقعة في إقليم دونيتسك. هذا قبل أن تبث وزارة الدفاع الروسية، فجر الأربعاء، تسجيلًا مصورًا للمتحدّث باسمها سيرغي سيفريوكوف، قال فيه: "إن عدد رفاقنا القتلى ارتفع إلى 89"، بعد العثور على مزيد من الجثث تحت الأنقاض.

تهنئة قاتلة

ووفق ما أعلنه سيفريوكوف، فإن "السبب الرئيس لهجوم ماكيفكا هو الاستخدام الجماعي للهواتف المحمولة، رغم الحظر المفروض"، إذ نجحت القوات الأوكرانية بفضله في رصدهم واستهدافهم بـ"4 صواريخ تم إطلاقها من قاذفات هيمارس أمريكية، فيما اعترضت دفاعاتنا الجوية صاروخين آخرين". متابعًا: "جرى تشكيل لجنة خاصة للتحقيق في ملابسات الحادث، وسنتخذ الإجراءات الضرورية لمنع تكرار هذه الفاجعة، وسيعاقب المسؤولون بعد اكتمال التحقيقات".

ونقلاً عن وكالة "تاس" الروسية، أوضح مصدر في السلطات الانفصالية في دونيتسك، فضل عدم الكشف عن هويته، بأن "القوات الأوكرانية توصلت باستخدام نظام معلوماتي غربي إلى رصد نشاط مكثف في إشارات الاتصال التي تصدرها الهواتف المحمولة"، وأرجع المصدر هذا النشاط "إلى الرسائل التي كان يبعثها الجنود إلى أقاربهم بحلول رأس السنة، وهو ما يفسر توقيت الضربة".

هذا ورجحت وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، أن الجنود الروس ربما كانوا متمركزين بالقرب من مخزن ذخيرة، مما ساعد القوات الأوكرانية عن غير قصد على التركيز عليهم. مضيفةً أن "مشهد الكارثة" يحيل إلى تظافر عوامل عدة للتسبب بالضربة، أهمها الإهمال. ذلك إذ تم تجميع مئات الجنود الروس في مبنى قريب من خط الجبهة، في نطاق المدفعية الدقيقة التي زود الغرب أوكرانيا بها.

getty

فيما نقل موقع "Istories" الروسي عن زوجات المجندين، أن القادة العسكريين الروس كانوا يخططون لإرسال المجندين في ماكيفكا لجبهات القتال، لكنهم غيروا رأيهم بسبب نقص الموارد والأسلحة. واتهم الزعيم الانفصالي السابق إيغور ستريلكوف القيادة العسكرية الروسية "بتخزين ذخائر في هذا المبنى غير المحمي".

عاصفة انتقادات

وأثار هجوم ماكيفكا صدمةً في داخل روسيا، وموجةً من الانتقادات وجهت للقيادة العسكرية، أطلقتها جهات إعلامية ومدونون قوميون عرفوا بتأييدهم لغزو أوكرانيا. ومن بين هؤلاء المنتقدين، نددت قناة تيليغرام "رايبار" الموالية لموسكو، والتي تضم أكثر من مليون مشترك، بما أسمته "السذاجة الإجرامية" التي أدت إلى إيواء الجنود قرب مستودع الذخيرة. وكتب المدون بوريس روزين، المقرب من الانفصاليين، منتقدًا "عدم كفاءة القيادة العسكرية الروسية، على الرغم من مرور عدة شهور منذ اندلاع الحرب".

getty

ومن جهته، حذر ألكسندر خوداكوفسكي، وهو أحد كبار القادة العسكريين لانفصاليي دونيتسك المدعومين من روسيا، في بيان عبر صفحته في تلغرام، من أنه "لا يزال هناك مواقع بها عدد متزايد من الجنود وهى معروفة للعدو".  وأضاف قائلاً: "نحن ننتظر رد فعل القيادة العسكرية، وإذا لم تتخذ هذه القيادة أي إجراء قبل الضربة  القادمة، فيجب علينا اعتبار ذلك التقاعس خيانة".

وأدان بافيل جوباريف، المسؤول البارز السابق في الجمهورية الانفصالية في دونيتسك، قرار وضع عدد كبير من الجنود في مبنى واحد، ووصفه بأنه "إهمال جنائي"، واشتكى من أن "مثل هذه الأخطاء ارتكبت في وقت مبكر من الحرب، وحتى لو لم يدرك المجندون الخطر، كان على السلطات أن تتدارك ذلك". وحذر جوباريف من أنه "إذا لم يعاقب أحد على هذا، فسوف يزداد الأمر سوءًا".

getty

وقال نائب رئيس البرلمان المحلي في موسكو أندريه ميدفيديف، إنه كان من "المتوقع إلقاء اللوم على الجنود، بدلًا من القائد الذي اتخذ القرار الأصلي بوضع هذا العدد الكبير من الجنود في مكان واحد"، وأضاف "سيحفظ التاريخ بالتأكيد بأسماء أولئك الذين حاولوا الصمت بشأن المشكلة، وأولئك الذين حاولوا إلقاء اللوم على الجندي القتيل في كل شيء".

ودعت مديرة قناة روسيا اليوم مارغريتا سيمونيان، إلى الإعلان عن أسماء الضباط الروس و"مدى مسؤوليتهم" في ما حصل، وكتبت على قناتها في تلغرام "حان الوقت لفهم أن الإفلات من العقاب لا يؤدي إلى اللحمة الاجتماعية، الإفلات من العقاب يؤدي إلى جرائم جديدة. وبالتالي، إلى الاستياء العام".

وعلى غير العادة، سمحت السلطات الروسية لتجمع مرخص شارك فيه نحو 200 شخص في مدينة سامارا في وسط البلاد التي ينحدر منها بعض الجنود القتلى.كما تم تنظيم تجمعات في عدة مدن روسية، تخللها رفع الصلوات  تكريمًا لعشرات الجنود الذي قُتلوا في الهجوم الذي وقع شرق أوكرانيا.

الهواتف المحمولة كسلاح

ومما أظهرته الحرب في أوكرانيا، مدى أهمية استباق إشارات الهواتف المحمولة واستخدامها كأداة تكتيكية في رصد وتحديد مواقع الجنود. وسبق أن تناولت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في تقرير  لها هذه القضية، مشيرةً إلى أن الهاتف المحمول أصبح "بمثابة بلاء للجنود في ساحات القتال بالحرب الأوكرانية، حيث شكلت المعلومات التي شاركها الجنود من صور ومقاطع مصورة تهديدًا وجوديًا في الحرب الحديثة".

getty

ولفتت الصحيفة الأمريكية إلى أن "مشاركة المعلومات من قبل الجنود الروس عبر مواقع التواصل الاجتماعي، جعل مواقع الجنود معروفة بالنسبة للأوكرانيين، حيث استخدمت القوات الأوكرانية إشارات الهاتف المحمول لاستهداف مواقعهم بالضربات الصاروخية"، وهو ما كان له "تأثير مدمر"، وفقًا لرئيس المخابرات العسكرية الأوكرانية. هذا بالرغم من الحظر المفروض على الهواتف المحمولة الشخصية منذ عام تقريبًا، فإن "الجنود الروس لا يزالون يستخدمونها للاتصال بزوجاتهم وصديقاتهم وأهاليهم في منطقة الحرب".

وبحسب ذات المصدر، ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها استهداف الجنود الروس بسبب استخدامهم لهواتفهم المحمولة. ففي بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، وأثناء اقتراب قوات موسكو من العاصمة كييف، أجرى الجنود الروس مكالمات هاتفية، وحملوا مقاطع مصورة على تطبيق "تيك توك"، مما سهل كشف مواقعهم وضربها.

getty

بالمقابل، يقول مسؤولون أوكرانيون إن "القوات المدعومة من روسيا استخدمت بيانات الهواتف المحمولة لاستهداف الجنود الأوكرانيين منذ 2014 على الأقل"، عام اندلاع المعارك في إقليم الدونباس شرق البلاد. وبعد أقل من عقد، تقول الصحيفة الأمريكية، فإن "كلاً من أوكرانيا وروسيا صقلت مهاراتهما في استخدام إشارات الهواتف المحمولة والراديو كأداة استهداف فعالة".

وبالرغم من أن بعض الوحدات الروسية والأوكرانية تتبع قواعد صارمة لضمان عدم وجود الهواتف المحمولة بالقرب من الخطوط الأمامية، تظهر منشورات وسائل التواصل الاجتماعي الموثقة لما يجري في ساحات المعارك، أن استخدام المحمول أمر شائع بين الجنود من كلا الطرفين.

هذا ويبقى حجم الخسائر الناجم عن استخدام الهواتف النقالة لدى القوات الأوكرانية غير واضح، لكنه أقل من خسائر نظيرتها الروسية. ويعتمد الأوكرانيون في تواصلهم داخل جبهات القتال على منظومة "ستارلينك"، المملوكة للملياردير إيلون ماسك، وهي خدمة إنترنت عبر الأقمار الصناعية، مما يعني أن المكالمات لا تستخدم الأبراج الخلوية وهو ما يجعلها آمنة.

ولا يقتصر استخدام أوكرانيا لرصد اتصالات الهواتف النقالة فقط في استهداف مواقع الجنود الروس، بل أيضًا في شن حرب معنوية عليهم وإعلامية ضد موسكو. وهو ما أظهره تقرير سابق لصحيفة "نيويورك تايمز"، سربت فيه الاستخبارات الأوكرانية من خلاله آلاف التسجيلات مكالمات أجراها عناصر القوات الروسية مع أقاربهم وأصدقائهم، يعبرون فيها عن تذمرهم من "الإخفاقات في ساحة المعركة والجرائم ضد المدنيين".

لا يقتصر استخدام أوكرانيا لرصد اتصالات الهواتف النقالة فقط في استهداف مواقع الجنود الروس، بل أيضًا في شن حرب معنوية عليهم وإعلامية ضد موسكو

وحملت تلك المكالمات انتقادات لاذعة لأوامر القادة، بعد أسابيع فقط من الهجوم العسكري للسيطرة على العاصمة كييف. وتحدث الجنود خلالها عن "انخفاض الروح المعنوية للقوات"، بالإضافة إلى "نقص في المعدات"، وقالوا إن قياداتهم "كذبت بشأن المهمة التي كانوا يقومون بها"، كما شملت بعض المحادثات "انتقادات حادة لبوتين والقادة العسكريين".

ومثَّلت هذه التسريبات ضربةً لروايات الكرملين بـ"نجاح أهداف المرحلة الأولى لعمليته العسكرية في أوكرانيا"، كما فضحت جرائم الحرب البشعة التي ارتكبتها قواته في بلدات بوتشا وإربين خلال الأسابيع الأولى من الحرب.