04-يناير-2023
gettyimages

من المتوقع أن يشدد الغرب عقوباته على روسيا (Getty)

منذ دخولها شهرها الحادي عشر، وسؤال "إلى أين تتجه الحرب في أوكرانيا؟" يشغل بال متابعي الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شرارته في 24 من شباط/فبراير 2022. ومع ما تسببت به الحرب، للطرفين الروسي والأوكراني، من خسائر مادية وبشرية فادحة، وما قادت إليه العالم من أزمات اقتصادية، خاصة على مستوى ارتفاع أسعار الطاقة واضطراب سلاسل توريد الغذاء، إذ تغطي صادرات البلدين من القمح حوالي 24% من عرضه في السوق العالمية، فإن هذا السؤال يصبح حاضرًا بشكلٍ أكبر.

منذ دخولها شهرها الحادي عشر، وسؤال "إلى أين تتجه الحرب في أوكرانيا؟" يشغل بال متابعي الغزو الروسي لأوكرانيا

وفي الأيام الأولى لانطلاق الغزو الروسي، تشير التقديرات إلى أن موسكو كانت ترغب بتوجيه ضربة خاطفة تمكنها من إسقاط العاصمة كييف، ومن ثم السيطرة على البلاد، وهو ما يؤشر عليه استمرار تمسك الخطاب الرسمي الروسي بوصفها "عملية عسكرية" إلى حدود شهر أيلول/ سبتمبر الماضي حين دعا بوتين إلى تعبئة عسكرية جزئية لـ 300 ألف جندي احتياط، ليتكشَّف بعدها أن الحرب في أوكرانيا أكثر تعقيداً مما توقع. وحسب ما يراه مراقبون، فإن أسوأ ما في هذه الحرب هو عدم قدرة أي من الطرفين المتنازعين حسمها عسكريًا، الأمر الذي قد يؤدي إلى تمديد أمد الاقتتال لعام آخر. 

أمام هذه الوضع، وللإجابة عن السؤال مسار الحرب المستقبلي، تبرز فرضيتان رئيسيتان تتوافر مؤشرات قوية لصالح كل واحدة منهما؛ تتعلق أولاهما بإمكانية وضع الحرب أوزارها وتوقيع اتفاق سلام في غضون العام الجديد الجاري. أمّا الثانية، فتتمثل في تحولها إلى حرب استنزاف، مع انخراط أكثر من قوة فاعلة في أطوارها.

فرضية السلام ومبادراته المجهضة

ومع اشتداد المواجهات بين الروس والأوكرانيين، خاصة في جبهات القتال في الشرق والجنوب، خرج الطرفان بتصريحات حول السلام والتوجه إلى المفاوضات لتسوية الصراع وإنهاء الحرب. فمن جهة أعلنت أوكرانيا عن توجهها لعقد مؤتمر للسلام بوساطة الأمم المتحدة، ومن جهة أخرى أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخرًا "عن استعداد بلاده للاتفاق مع جميع أطراف النزاع في أوكرانيا على حلول مقبولة".

غير أن الخلاف لا زال قابعًا في عمق تفاصيل هذه المبادرات، فروسيا تريد التفاوض "على أساس الأمر الواقع حيث أنها تعتبر المناطق التي سيطرت عليها منذ فبراير/شباط الماضي أراضٍ روسية". وهو ما ترفضه كييف التي تريد من الروس الانسحاب من كل الأراضي كشرط مسبق للتفاوض، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، حيث اشترط وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، إثر إعلانه عن مؤتمر السلام الذي دعت إليه البلاد في شباط/فبراير 2023، "لإنهاء الحرب في أوكرانيا، يجب على روسيا سحب قواتها من كامل أراضي أوكرانيا".

getty

وكان الرئيس الأوكراني قد تحدث في مجموعة العشرين المنعقدة في إندونيسيا، شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، عن عشرة شروط للتوصل إلى صيغة سلام تنهي الحرب، وهي ما عاد كوليبا لتأكيده عليها خلال دعوته للقمة المرتقبة. بالمقابل، ردّ الروس حينها برفضهم "إجراء مفاوضات سلام بشروط أوكرانيا"، حسب تصريح للمتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف.

ويمثل شرط الانسحاب من المناطق التي سيطرت عليها روسيا، وضمتها إلى أراضيها عبر استفتاءات غير معترف بها دوليًا، العقبة الرئيسية أمام الشروع في مفاوضات السلام بين البلدين. وسبق أن كان ذلك الشرط سببًا في إجهاض عدة محاولات تفاوض بين موسكو وكل من واشنطن وحلف شمال الأطلسي ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي. فبحسب المسؤولين الروسي، انسحاب موسكو من الأراضي الأوكرانية التي ضمتها أمر غير ممكن.

وفي ذات السياق، تقود تركيا جهود للوساطة بين روسيا وأوكرانيا، ونجحت في دفعهما إلى توقيع اتفاقية تصدير الحبوب في إسطنبول، برعاية من الأمم المتحدة. وقبل فترة قصيرة أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في اتصال هاتفي جمعه برئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، على ضرورة الإسراع بوضع أساس للتفاوض بين روسيا وأوكرانيا. 

فرضية الحرب وفخ الاستنزاف

ووفق ما يراه متابعون، فإن فصول الحرب في أوكرانيا لازالت مستمرة، وأن في جعبة الروس المزيد من الخيارات لاقتضام أراض أوكرانية جديدة، وتحقيق الهدف الاستراتيجي المتمثل في إبعاد الناتو عن حدودهم بالحيلولة دون انضمام أوكرانيا للحلف الأطلسي، ونزع السلاح الأوكراني الذي يمثل حسب بوتين تهديدًا لأمن روسيا. وفي هذا الصدد يأتي الحديث عن فتح جبهة شمالية من بيلاروسيا، بهدف تشتيت تركيز القوات الأوكرانية، ما قد يفسح المجال أكثر لروسيا بالتوغل في الشرق والجنوب حيث تتركّز جبهات القتال الرئيسية. التي تواجه فيها موسكو عثرات كبيرة خلال الأشهر الأخيرة، وفقد خلالها السيطرة على عدة مناطق.

تأثير العقوبات المفروضة على الطاقة والسلع سيبدأ بالظهور خلال العام الجديد

وردًّا على هذا السيناريو يتوقع أن يشدد الغرب العقوبات على موسكو بتعميقها أكثر، وهو ما يشير إليه الكاتب الروسي إيفان تيموفيف، في مقال له على صحيفة بروفايل الروسية، متوقعاً "تجديد قوائم الأشخاص المحظورين، وكذلك مجموعة السلع المحظورة للتصدير والاستيراد من روسيا، لتشمل جميع الشخصيات السياسية والعامة الروسية". واعتبر الكاتب أن تأثير العقوبات المفروضة على الطاقة والسلع سيبدأ بالظهور خلال العام الجديد، وستبرز آثاره أكثر نتيجة صعوبة استبدال أسواق المنتجات الأوروبية بأخرى آسيوية، وحتى لو تحقق ذلك فإن العائدات ستكون أقل في مقابل تكاليف أكبر.