26-ديسمبر-2022
gettyimages

جندي أوكراني أمام جدارية كتب عليها "باخموت أوكرانية" (Getty)

زار الرئيس الأوكراني مدينة باخموت قبل أيام، وبعدها غادر منها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، قبل أن تعلن القوات الأوكرانية عن سيطرتها على المدينة بشكلٍ كامل، ومع ذلك بقيت المدينة هدفًا رئيسيًا للقوات الروسية في منطقة دونيتسك، فقد دفعت إليها مؤخرًا بتعزيزات كبيرة من قوات الاحتياط، ووحدات المظليين، بالإضافة إلى وجود مرتزقة مجموعة "فاغنر" بأفضل عناصرها على الجبهة. وأطلق رئيس المجموعة يفغيني بريغوجين، على المعركة "مسلخ باخموت"، متعهدًا بتدمير الجيش الأوكراني هناك، حيث تتحرك القوات الروسية نحو المدينة من ثلاث محاور  وتخوض أشرس المعارك في محيط المدينة.

زار الرئيس الأوكراني مدينة باخموت قبل أيام، وبعدها غادر منها إلى الولايات المتحدة، قبل أن تعلن القوات الأوكرانية عن سيطرتها على المدينة بشكلٍ كامل

في لقاء لمدير المخابرات العسكرية الأوكرانية كيريلو بودانوف، مع صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، كشف عن الهوس الروسي بالسيطرة على المدينة المرتبط بالطموحات السياسية لقائد مجموعة "فاغنر"، والذي فرض جزئيًا استراتيجيته على الجانب الروسي، وأكد بودانوف، أن مؤسس "فاغنر"، يفغيني بريغوجين، شن حملةً للسيطرة على مدينة باخموت للتغلب على القادة المتنافسين في الجيش النظامي الروسي. وتنسق مجموعة "فاغنر" مع الجيش الروسي لكنها القوة الأساسية في جبهة باخموت، حسب "نيويورك تايمز".

وأشار مدير المخابرات العسكرية الروسية إلى أن الجنرال سيرجي سوروفكين،  الذي تم تعيينه في أيلول/ سبتمبر الماضي، كقائدًا للقوات الروسية في أوكرانيا، تحالف مع بريغوجين في منافسة مع وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو، وحسب بودانوف فإن "تحالف بريغوجين والجنرال سوروفكين أدى إلى نقل الأسلحة الثقيلة من الجيش الروسي إلى مجموعة فاغنر، مما أدى إلى توسيع دور المجموعة في الحرب".

getty

وعن الهجوم العنيف على باخموت، قال "ليس هنا سوى سؤال أيديولوجي وإعلامي"، مضيفًا أن "وحدات فاغنر تحاول بشدة الاستيلاء على المدينة، لإثبات أنهم قوة، ويمكنهم فعل ما لا يستطيع الجيش الروسي القيام به، نحن نرى ذلك بوضوح ونفهمه".

على الجانب الأوكراني، قام الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بزيارة المدينة الأسبوع الماضي، والتقى خلالها بالمدافعين عنها، وسلمهم أوسمة ومكافئات، وخاطبهم، قائلًا: "أعتقد إن أبطال باخموت يجب أن يحصلوا على ما يمتلكه كل شخص، ويتعين أن يكون كل شيء على ما يرام لأطفالهم وعائلاتهم، مع تمتعهم بالدفء والصحة". مضيفًا "يسعى المحتلون منذ أيار/ مايو إلى قهر مدينتنا باخموت، لكن الوقت يمر وباخموت لا تقهر الجيش الروسي فحسب بل المرتزقة الروس أيضًا الذين يأتون ليحلوا محل جيش المحتلين الضائع".

بدورها، قالت نائبة وزير الدفاع الأوكرانية حنا ماليار، التي زارت باخموت أيضًا، في منشور على صفحتها في فيسبوك "باخموت هي القلعة الشرقية لأوكرانيا، 300 يوم من كفاحنا الذي يزيد على 300 عام من أجل التحرر من روسيا"، وأضافت "سنصمد ونقاتل، وسوف ننتصر".

التركيز الكبير على باخموت والصراع عليها، يطرح السؤال حول الأهمية الاستراتيجية للمدينة بالنسبة لأوكرانيا وروسيا؟

تقع مدينة باخموت على ضفة نهر باخموتكا شمالي مقاطعة دونيتسك شرقي أوكرانيا، وتبعد نحو 580 كلم عن العاصمة كييف، وكان عدد سكانها قبل الحرب حوالي 70 ألف نسمة.

تعتبر المدينة مركز تقاطع مواصلات مهم، يمر فيها خط سكة حديد يربط جنوب وشرق حوض دونيتسك مع الغرب والشمال الأوكراني، كما تقع  على أطراف الطريق الدولي "H-32"، الذي يصلها بمدن كونستانتينيفكا ودروجكيفكا وكراماتورسك وسلافيانسك، كما تقع بالقرب من الطريق الدولي "M-03" الذي يصلها مباشرة بسلافيانسك أيضًا، وتشكل باخموت واحدة من أكبر مراكز صناعة الآلات الثقيلة في أوكرانيا.

getty

تعد المدينة بالنسبة للأوكران حصنًا للدفاع عن مدن مقاطعة دونيتسك، ومنها توجه الضربات الصاروخية لمواقع القوات الروسية، بما في ذلك مدينة دونيتسك عاصمة المقاطعة، وتدرك القيادة العسكرية الأوكرانية جيدًا أن سقوط باخموت سيمنح للروس فرصة للتقدم، ومنذ أن بدأ الهجوم على المدينة في شهر أيار/ مايو الماضي، أجرت القيادة الأوكرانية بعض التغييرات للمسؤولين العسكريين، وأرسلت مزيدًا من الوحدات والتعزيزات العسكرية إلى هناك، وقد أدى ذلك إلى تراجع القوات الروسية حول باخموت، كلما حاولت التقدم.

وتستخدم القوات الأوكرانية المدفعية بشكلٍ كبير في المعركة، فقد منحتها امتيازًا على خط الجبهة، من خلال تقديمه تغطيةً ناريةً للجنود الأوكرانيين الموجودين في الخنادق.

ورغم صمود الأوكرانيين في المدينة وضواحيها، إلا أنه لا يستبعد أن تتبع القوات الروسية سياسة الأرض المحروقة، كما فعلت في مدن ماريوبول، وسيفيرودونيتسك، وليسيتشانسك قبل ذلك، للسيطرة عليها.

getty

أما بالنسبة للروس، فبعد تراجع وخسارتهم مدينة إزيوم جنوب مقاطعة خاركيف، خلال الهجوم الأوكراني المضاد في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، أصبحت باخموت البوابة الشرقية شبه الوحيدة لتقدم القوات الروسية في عمق منطقة دونيتسك، وخاصةً نحو المدن الرئيسية الخاضعة لسيطرة القوات الأوكرانية في المقاطعة، حيث توصف مدينة باخموت بأنها القاعدة الخلفية واللوجستية لمدينة سيفيرودونيتسك، وجارتها مدينة ليسيتشانسك، التي تدور فيها أعنف معارك الجبهة الشرقية.

ويرى مراقبون أن الانتصار في معركة باخموت يكشف عن  رغبة موسكو في تحقيق أول انتصار عسكري مهم، بعد الهجوم الأوكراني المعاكس الذي أدى إلى نكسات أمام القوات الأوكرانية، ويعود آخر نصر للقوات الروسية في أوكرانيا إلى بداية الصيف، حين تمكنت من السيطرة على مدينتي سيفيرودونيتسك وليسيتشانسك.

التقديرات الأوكرانية أن السيطرة على باخموت لا تعتبر مهمةً من الناحية الاستراتيجية، لكن إلى جانب العامل المعنوي، فإنه من شأنه أن يحسن موقع روسيا في الشرق من خلال فتح الطرق إلى مدن دونباس

وترى التقديرات الأوكرانية أن السيطرة على باخموت لا تعتبر مهمةً من الناحية الاستراتيجية، لكن إلى جانب العامل المعنوي، فإنه من شأنه أن يحسن موقع روسيا في الشرق من خلال فتح الطرق إلى مدن دونباس التي لا تزال تحت السيطرة الأوكرانية.