21-أكتوبر-2023
تكبّد الاقتصاد الإسرائيلي خسائر فادحة

تكبّد الاقتصاد الإسرائيلي خسائر فادحة منذ بدء العدوان على غزة (Getty)

بعد أن أطلقت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وفصائل فلسطينية أخرى في غزة عملية "طوفان الأقصى"، في سياق الرد على اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته ومقدساته، جاء الرد الإسرائيلي عنيفًا بحربٍ شعواء وعقابٍ جماعي على سكان قطاع غزة.

وفُتحت الجبهة مع المقاومة الفلسطينية التي استمرت بإطلاق الصواريخ على مختلف الأراضي المُحتلة، إذ طالت صواريخها تل أبيب ومطار بن غوريون عدّة مرّات، ويتوقع خبراء واقتصاديون من الداخل الإسرائيلي وخارجه انعكاسات وتداعيات كبيرة على الإقتصاد الإسرائيلي ضمن مختلف قطاعاته، إذ بدأت التداعيات منذ اليوم الأول لعملية "طوفان الأقصى".

انفخضت قيمة الشيكل الإسرائيلي إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار الأمريكي منذ 8 أعوام بعد عملية "طوفان الأقصى"

لا يزال الصراع في أوجه، ولم تتضح كلفة الحرب حتى الآن، ولكن رغم ذلك يظهر بشكل واضح توالي الخسائر وتداعياتها على الاقتصاد الإسرائيلي، ليستمر مسلسل الخسائر الاقتصادية بعد الأزمة التي مرت بها تل أبيب في الشهور الأخيرة على خلفية التوترات الداخلية التي إنعكست سابقًا على الاقتصاد الإسرائيلي.

ووفقًا لتقرير نشره موقع "غلوبس" المختص بالاقتصاد الإسرائيلي، فإن الحرب القائمة على قطاع غزة حاليًا تقرب إسرائيل من تباطؤ اقتصادي حاد. وبحسب الموقع، فإن الحرب الحالية دفعت إلى إغلاق قطاعات رئيسية في الاقتصاد، وسحبت قوى عاملة في السوق إلى الجيش، علاوة على غلق المدارس والمؤسسات التعليمية، وتعليق صناعة الضيافة.

ومن ناحية أخرى، أشار أوري غرينفيلد، كبير الإستراتيجيين في شركة "بساجوت" للاستثمارات، إلى أن الحرب الحالية قد يكون لها تأثير أكبر مقارنة بالعمليات العسكرية السابقة في الجنوب. وقال إنه من غير المرجح أن تتمكن الأسواق المحلية من التعافي بسرعة هذه المرة، لذلك لا ينبغي الإفراط في التفاؤل.

التداعيات على قطاع المال والأسهم

بعد اليوم الأول من اقتحام الفصائل الفلسطينية الجدار العازل، انخفضت قيمة الشيكل الإسرائيلي، إذ هبط سعره إلى أدنى مستوى له منذ 8 أعوام مقابل الدولار الأمريكي.

وفي السياق، يقول الخبير في اقتصادات الطاقة نهاد إسماعيل في حديثه لـ"ألترا صوت": "يعاني الاقتصاد الإسرائيلي حتى قبل بدء الحرب من عجز مالي وتدهور في قيمة الشيكل، ومن المتوقع أن يرتفع العجز الى 7 بالمائة من حجم إجمالي الناتج المحلي الذي يبلغ حوالي نصف ترليون دولار، هذا وقد وهبط الشيكل إلى أدنى مستوى منذ 2014 لأكثر من 4 شيكل مقابل الدولار. قبل بدء العمليات العسكرية كان سعر الصرف 3.85 شيكل للدولار".

وأضاف: "أنفق البنك المركزي 45 مليار دولار لدعم الشيكل ولكن لم يحقق الهدف بإيقاف تدهور العملة، لهذا يعتبر هذا الانفاق خسارة واضحة. كما أن الأسهم خسرت 10 بالمائة من قيمتها بما في ذلك أسهم المصارف والشركات. ومن المتوقع أن يتوقف النشاط السياحي والخسارة ستكون حوالي 3.5 مليار دولار. الاستثمار سوف يتراجع ويجف كليًا إذا استمرت الحرب لشهور بعد أن بلغ حجم الاستثمار الاجنبي 28 مليار دولار عام 2022. وعلّق البنك الأميركي الاستثماري الاستشاري محذرًا أنه من الأفضل عدم الاستثمار في إسرائيل ما دام هناك حرب، كما أن "وكالة موديز" للتصنيف الائتماني أعطت تصنيفًا سلبيًا بسبب الحرب. كما أن استدعاء 360 ألف عسكري من الاحتياط يعني إغلاق مصانع ومنشآت ونقص في العمالة وهذا يضاف للخسائر الاقتصادية".

كما وضعت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، تصنيف إسرائيل تحت المراجعة السلبية في ظل الخسائر التي بدأ الاقتصاد الإسرائيلي يتكبدها بسبب الحرب على قطاع غزة. وذكرت الوكالة في بيان صدر مؤخرًا أن تصنيف إسرائيل الائتماني طويل الأجل بالعملة الأجنبية والمحلية عند A+، تحت المراقبة السلبية.

ومن جانبه، قدّر استراتيجي الأسواق في بنك "هبوعليم" أكبر بنوك إسرائيل، مودي شافيرر، خسائره في الميزانية الحالية بنحو 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي (على الأقل 27 مليار شيكل ما يعادل 6.8 مليار دولار)، ما يعني زيادة العجز بما لا يقل عن 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المقبل. لتصبح الخسارة الأعلى منذ حرب تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973.

تكبّد قطاع السياحة والسفر الإسرائيلي خسائر فادحة مع إلغاء مئات الرحلات وتعطل معظم المطارات الإسرائيلية وإلغاء حجوزات فندقية لعشرات الآلاف من السياح

وتستند توقعات بنك "هبوعليم" جزئيًا إلى التكاليف خلال الحروب السابقة التي خاضتها إسرائيل. وقدرت تكاليف حرب لبنان الثانية عام 2006، والتي استمرت 34 يومًا، بنحو 9.4 مليار شيكل (2.4 مليار دولار)، أو 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا لمعهد دراسات الأمن القومي (INSS). وقُدّرت تكلفة عملية الرصاص المصبوب من كانون الأول/ ديسمبر 2008 إلى كانون الثاني/ يناير 2009 بنحو 3.3 مليار شيكل (835 مليون دولار).

ويقوم البنك المركزي بصياغة السيناريوهات المُحتملة لعواقب الحرب الاقتصادية. ووفقًا  للسيناريو الأقل تشاؤمًا بحسب تقديرات البنك المركزي، سيعاني الإقتصاد الإسرائيلي من خسارة الناتج المحلي بنحو 5 مليارات دولار.

وقد بدأ "بنك إسرائيل" ووزارة المالية بصياغة سيناريوهات وتوقعات تتعلّق بخسارة الناتج المحلي للاقتصاد الإسرائيلي، وحجم العجز والديون المتوقعين، بالإضافة إلى التخطيط المستمر للسياسة الاقتصادية المتوقعة بعد الأزمة، وتكمن الصعوبة الكبرى بالنسبة لهم في عدم يقين السيناريو نفسه. أي أنه لا وزارة الخزانة ولا "بنك إسرائيل" يعرفان إلى متى سيستمر القتال، وما إذا كان سيشمل المنطقة الجنوبية فقط أم أن الصراع سيمتد إلى جبهة أخرى في الشمال.

في ضوء هذا السيناريو، من المتوقع، بحسب "بنك إسرائيل"، أن يكون الضرر الذي يلحق بالاقتصاد مماثلًا لتداعيات حرب لبنان الثانية، مع فارق واحد مهم – وهو حجم جنود الاحتياط الذين تم تجنيدهم، حيث تم إستدعاء ما بين 300 ألف إلى 340 ألف جندي احتياطي.

يؤثر هذا التوظيف بشكل كبير على السيناريو والتوقعات، كما يؤثر على افتتاح المدارس والعديد من الشركات. ويتضمن السيناريو أيضًا افتراضًا بأن الحكومة ستزود النظام الأمني بكل التمويل المطلوب لإكمال المهمة العسكرية. ولذلك، فإن معظم التمويل سيتم توجيهه إلى الأمن، على الرغم من الاحتياجات المالية الكبيرة أيضًا فيما يتعلق بإعادة الإعمار في المستوطنات الإسرائيلية القريبة من حدود غزة.

لقد أصبح من الواضح لبنك إسرائيل أن الحرب ستكون لها عواقب بعيدة المدى، بما في ذلك زيادة دائمة في ميزانية الدفاع. أما بالنسبة لموضوع التعويضات، فمن غير المتوقع أن ينعكس في الموازنة، لأن الأموال تأتي في الغالب من صندوق التعويضات التابع لمصلحة الضرائب. وبالنظر إلى السيناريو الأساسي، وبحسب "بنك إسرائيل"، فإن الأضرار الكبيرة التي لحقت بالاقتصاد ستتركز في الربع الأخير من عام 2023. وبالتالي، سيتم تسجيل نمو سلبي في الربع الأخير من العام.

ويقدر "بنك إسرائيل" أن الانخفاض في الناتج المحلي الإجمالي سيصل في المجمل إلى حوالي 20 مليار شيكل، أي حوالي 1% من الناتج المحلي الإجمالي، بناء على تقدير الناتج المحلي الإجمالي بـ1.9 تريليون شيكل في عام 2023. وخسارة الناتج المحلي ستؤدي إلى تراجع كبير في النشاط الاقتصادي فضلًا عن المعنويات الاقتصادية السلبية، والتي ستنعكس بشكل أساسي في تراجع الاستهلاك الخاص، المحرك الرئيسي للاقتصاد.

التقدير الأول لنفقات الميزانية الخاصة لإعادة التأهيل والتعويض هو 10 مليارات شيكل، مما يعني أنه خلال السنوات 2024-2026، يجب إضافة 0.7-0.3 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي إلى العجز المتوقع كل عام. وكل هذا قد يؤدي إلى زيادة نسبة الدين إلى الناتج من 59% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 64%.

تقدّر خسارة قطاع الطاقة الإسرائيلي بملايين الدولارات يوميًا نتيجة التقليص الحاد في استخراج الغاز شرق المتوسط

بدوره، وفي حديث خاص لـ"ألترا صوت"، يقول الخبير الإقتصادي مازن إرشيد إن: "التأثيرات الاقتصادية للحروب عادةً ما تكون شاملة ومعقدة، والوضع في إسرائيل لا يقل قتامة ولكن قد يكون أقل حدة بسبب الدعم الاقتصادي لإسرائيل من الدول الغربية. فيما يخص الأسواق المالية، فإن الاضطرابات السياسية والعسكرية تجلب معها عادةً مستويات عالية من عدم اليقين، مما يقود إلى تقلبات كبيرة. يظهر ذلك في انخفاض سعر الشيكل حاليًا إلى أدنى مستوياته منذ صيف 2012، رغم تدخلات البنك المركزي الإسرائيلي".

وأضاف: "السيولة المحدودة وانسحاب المستثمرين يمكن أن يُعيق التمويل ويزيد التكلفة للشركات. ويعتبر قطاع الطاقة عصب الاقتصاد الإسرائيلي. استمرار إغلاق شركة شيفرون لحقل الغاز الطبيعي "تمار الكبير" سيكون له تداعيات واسعة النطاق على إمدادات الطاقة والتصدير، مما يُمكن أن يُسبب صدمات اقتصادية إضافية من خلال تراجع صادرات إسرائيل من الغاز إلى الخارج وبالتالي تراجع في إيرادات بيع الغاز. وعندما يتعلق الأمر بقطاع الأعمال والتكنولوجيا، فإن الحالة الطارئة واستدعاء الاحتياطيين يُعرقل الأعمال التجارية. شركات تكنولوجيا كبرى مثل مايكروسوفت وغوغل وآبل لديها مصالح كبيرة في إسرائيل، والأضرار هنا ستكون كبيرة وستؤثر على النشاط الاقتصادي لإسرائيل من خلال تجميد استثمارات الشركات الكبرى سواء في بناء مصانع جديدة أو لغايات توسيع نشاطها التجاري".

وتابع: "هذا التراجع في الاستثمارات الأجنبية كان واضحًا حتى قبل الحرب في غزة، حيث تراجعت الاستثمارات بأكثر من 60٪ خلال النصف الأول من العام الحالي، نتيجة للإضطرابات التي حدثت احتجاجًا على الاصلاحات القضائية. الواقع هو أنه كلما طالت مدة الحرب، فإن هذه التداعيات ستتضاعف وتؤدي إلى مزيد من تراجع الشيكل وتصبح الأمور، مثل التضخم وتراجع القوة الشرائية وتفاقم عجز الموازنة إلى أكثر من 3 مليار دولار هذا العام، مشكلات لا يُمكن التغاضي عنها".

التداعيات على قطاع السياحة والخدمات

تراجعت أيضًا عوائد السياحة مع توالى إلغاء الحجوزات والتعاقدات من شركات الطيران والفنادق، حيث تكبّد قطاع السياحة والسفر خسائر فادحة مع إلغاء مئات الرحلات وتعطل معظم المطارات الإسرائيلية وإلغاء حجوزات فندقية لعشرات الآلاف من السياح، تحديدًا بعد قصف المقاومة لمطار بن غوريون في تل أبيب، وعلقت معظم شركات الطيران الأميركية والكندية إلى جانب شركات أوروبية خدماتها خصوصًا بعد التحذير الذي أصدرته هيئة الطيران الفدرالية بسبب الحرب الدائرة.

تُشكّل هذه الخطوات مؤشرًا على الخسائر المتوقعة بقطاع السياحة الإسرائيلي الذي بلغت عائداته نحو 13.5 مليار شيكل (أكثر من 3.4 مليارات دولار)، بعدما وفد 2.67 مليون سائح إلى إسرائيل في عام 2022، مقارنة بـ397 ألف سائح تم تسجيل دخولهم عام 2021، قبيل العدوان على غزّة كان الكثيرون في قطاع السفر، بما في ذلك وزير السياحة، متفائلين بتوقعات عام 2023.

وقال مؤسس شركة "Tourist Israel"، بن جوليوس، الذي يدير إحدى أكبر وكالات السياحة في البلاد، إن السوق بدأ يشهد انتعاشًا أكثر جذرية من الوباء في الأشهر الستة الماضية فقط. وقال مؤسسها إن الوكالة تتوقع هذا الشهر وحده وصول نحو 15 ألف سائح. لقد اضطروا منذ ذلك الحين إلى إلغاء مئات حجوزات الرحلات.

التداعيات على قطاع التكنولوجيا

يّشكّل قطاع التكنولوجيا نحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو الأسرع نموًا في البلاد، وهو من القطاعات الأكثر تأثّرًا، ويتمثّل التأثير المباشر للحرب على شركات التكنولوجيا في نقص القوى العاملة بعد أن استدعت إسرائيل أكثر من 300 ألف جندي احتياطي عسكري للقتال في الحرب، معظمهم يعملون ويدرسون في إسرائيل، رغم أن بعضهم عاد من الخارج.

كما قدّرت شركة SNC أن حوالي 10% من موظفي التكنولوجيا في إسرائيل تم تجنيدهم، مع ارتفاع العدد إلى 30% في بعض الشركات.

وقد أعربت كبرى الشركات التكنولوجية عن مخاوفها، ومنها شركة (MNDY) المدرجة في بورصة ناسداك، وهي شركة يقع مقرها الرئيسي في تل أبيب وتقوم بتطوير برامج إدارة المشاريع، والتي قالت في وقتٍ سابق إنه تم استدعاء حوالي 6٪ من قوتها العاملة حول العالم.

أنفق البنك المركزي الإسرائيلي 45 مليار دولار لدعم الشيكل ولكنه لم ينجح في إيقاف تدهوره

ومن جانب آخر، قال خبراء الصناعة إن شركات التكنولوجيا العالمية الكبرى التي لها مكاتب في الأراضي المُحتلة قد تنقل عملياتها التجارية إلى الهند أو مواقع أخرى إذا تصاعد الصراع بين "إسرائيل" و"حماس". وأضافوا أن الشركات الهندية مثل TCS وWipro يمكنها أيضًا تفعيل خطط طوارئ الأعمال وتحويل العمليات إلى الهند.

تمتلك أكثر من 500 شركة عالمية متعددة الجنسيات، بما في ذلك "Intel" و"Microsoft" و"Google"، مكاتب في إسرائيل - بعضها مراكز قدرات عالمية (GCCs) ومراكز بحث وتطوير.

وعن انعكاسات الحرب على قطاع التكنولوجيا في إسرائيل، يقول الخبير الاقتصادي حسام عايشفي حديثه لـ"ألترا صوت": "في الحقيقة الاقتصاد الإسرائيلي كان يعاني على خلفية التعديلات القضائية وما قبلها التي أدخلتها هذه الحكومة المتطرفة والإجرامية، والمعاناة كانت أشد ما يكون على قطاع الشركات الناشئة في التكنولوجيا الفائقة أو في تكنولوجيا المعلومات. وإسرائيل تعتبر من أكثر الدول إجتذابًا لهذا النوع من الشركات، إذ اعتُبرت إسرائيل وادي السيلكون الجديد في هذا المجال، وبالتالي فإن تداعيات التعديلات القضائية أثرت كثيرًا على هذا القطاع، ودفعت الكثير من الشركات الناشئة لمغادرة إسرائيل، وكانت هناك تحويلات بمليارات الدولارات من إسرائيل للخارج، والتقديرات ذهبت إلى أن حوالي 68% من الشركات الناشئة كانت تنوي ترك إسرائيل، و80% تقريبًا من الشركات الإسرائيلية الناشئة الجديدة افتتحت أعمالها خارج إسرائيل".

وأضاف: "وعليه فإن هذا القطاع هو الأكثر تضررًا، وأعتقد أن الحرب الإسرائيلية على غزة ستدفع المزيد من شركات تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الفائقة والشركات الناشئة في هذا المجال لمغادرة إسرائيل أو للدفع بهذه الشركات للقيام بذلك تباعًا. واللافت أن حجم تأثير شركات التكنولوجيا والتكنولوجيا الفائقة في الاقتصاد الإسرائيلي ستكون الأكثر تأثرًا نتيجة العدوان على غزة لأن صورة إسرائيل الآمنة تهشمت وبالتالي لن تكون صالحة لا لاستقطاب الاستثمارات ولا لبقاء شركات التكنولوجيا. إن 40% من النمو في إسرائيل هو من التكنولوجيا الفائقة، وهذا يشير إلى حجم تأثير هذا القطاع في النمو الاقتصادي الإسرائيلي علمًا أن هذا القطاع يمثل حوالي 20% من إجمالي الاقتصاد الإسرائيلي".

وأردف: "إذا أخذنا أيضًا بعين الاعتبار أن حجم الصادرات الإسرائيلية مثلًا في العام 2022 كان 166 مليار دولار، حوالي 50 إلى 52% من هذه الصادرات هي صادرات خدمات و23% منها هي من الخدمات التكنولوجية والتجسسية وفي الصناعات الذكية، فإن 35% من إجمالي الضرائب تأتي من قطاع التكنولوجيا فضلًا عن أن هذا القطاع يوظف 14% من القوى العاملة".

وأوضح عايش: "لذلك نرى أثره وتأثيره في الاقتصاد الإسرائيلي وفي توظيف اليد العاملة، وعليه فإن عواقب خروج هذا القطاع من إسرائيل ستظهر تباعًا على الاقتصاد الإسرائيلي، حيث إن التوقعات بأن نمو الاقتصاد الإسرائيلي سيكون ربما أقل من توقعات "بنك إسرائيل" عند 3% ليكون حسب وكالات تصنيف إئتمانية دولية ومؤسسات دولية عند واحد ونصف في المئة، هذا قبل بدء العدوان على غزة. فضلًا عن أن وكالات مثل وكالة "موديز" أجلت إعلان التصنيف الإئتماني لإسرائيل ستة أشهر أخرى من أجل أن تستعيد إسرائيل جزء من عافيتها الاقتصادية ولا تضطر هذه الوكالة إلى تصنيفها بشكل منخفض ما يؤثر على استقطاب الاستثمارات إليها، حيث إن هذه الاستثمارات تراجعت 60% في الربع الأول من هذا العام وبالتالي فإن النمو في إسرائيل قد يتراجع ليكون بحدود الواحد أو الواحد والنصف في المئة في حدوده العليا بالنظر إلى تداعيات هذه الحرب وأخذًا بالاعتبار أن تجنيد ما يقارب 400 ألف من الاحتياط يعني سحبهم من الشركات والمؤسسات وقطاع الخدمات ومن النشاط الاقتصادي وتحويلهم من منتجين إلى مستهلكين في الجيش مع كل ما يستدعيه ذلك من إنفاق هائل على خدمة هؤلاء هذا قبل أن نفترض أيضًا دخولهم في الحرب وسقوط قتلى وجرحى ومرضى وما سيترتب على ذلك من كلف مالية. إذًا إسرائيل ستعاني من مشاكل إقتصادية جمة، وكل ذلك مربوط بأن قمة الذكاء الاصطناعي التي كانت ستعقد في إسرائيل أيضًا ألغيت".

التداعيات على قطاع الطاقة

خسارة القطاع تقدّر بملايين الدولارات يوميًا نتيجة التلقيص حاد في استخراج الغاز بشرق المتوسط، وضعف الثقة بالشيكل الإسرائيلي. وقد رصد تقرير لرويترز المواقع التي تأثرت بالحرب بين الإحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية حتى الآن.

علَقت إسرائيل في التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي الإنتاج في حقل غاز تمار، الذي تديره شركة شيفرون وتقع منصته على بعد 25 كيلومترًا على ساحل البحر المتوسط جنوب إسرائيل، وقالت الشركة في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي إنها أوقفت تصدير الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب غاز شرق المتوسط (إي إم جي) بين إسرائيل ومصر، وإنها ستورده من خلال خط بديل يمر بالأردن، كما قالت مصادر ملاحية وتجارية في التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي إن ميناء عسقلان ومرفأ النفط التابع له أُغلقا.

ومن شأن هذه الإغلاقات أن تكبد قطاع الطاقة والغاز الإسرائليين مئات الملايين من الدولارات أسبوعيًا حسب تقديرات وسائل الإعلام الإسرائيلية.

وحول رأيه في التداعيات على قطاع الطاقة، يعتبر الخبير الإقتصادي نهاد إسماعيل أن "إستهداف حقول الغاز، خاصةً تمار الذي أغلق الاسبوع الماضي، وأيضًا حقل ليفياثان العملاق؛ يعني أن إسرائيل لا تستطيع تصدير الغاز لمصر والأردن وأوروبا وستضطر للاستيراد من وسطاء وتجار وبأسعار عالية مثل غلينكور وفايتول وأيضًا من روسيا وبتكلفة عالية مما يعمق الأزمة الاقتصادية، ولا يتم استبعاد الاستيراد من الولايات المتحدة. كل هذا يعتمد على الفترة الزمنية للحرب، وإذا اتسعت رقعة الحرب سترتفع أسعار الطاقة في الاسواق العالمية".

يتمثّل التأثير المباشر للحرب على شركات التكنولوجيا في نقص القوى العاملة بعد أن استدعت "إسرائيل" أكثر من 300 ألف جندي احتياطي

وعن بدائل مصادر الطاقة بالنسبة لإسرائيل، يشير إسماعيل إلى أن "إسرائيل ستضطر للاقتراض أو الحصول على المزيد من المساعدات الأمريكية وأيضًا إصدار سندات حكومية طويلة الأمد مما يعكس أعباء إضافية على الخزينة الإسرائيلية".

كما تعتبر التجارة التي تتحرك داخل وخارج أسدود، على بعد حوالي 30 ميلًا من حدود غزة  "عرضة للهجوم بالصواريخ"، وفقًا لشركة التأمين على المسؤولية البحرية نورث ستاندارد، كما تخضع المواد الخطرة أيضًا لقيود دخول صارمة.

ويذكر أيضًا أن القطاع الزراعي الإسرائيلي تأثر من تداعيات الأحداث التى شهدتها مناطق مختلفة من مدن وبلدات الاحتلال الإسرائيلي والأراضي المحتلة أيضًا، حيث تعرضت عشرات الأفدنة والهكتارات للتدمير، وبالتالي تعرضت المحاصيل الزراعية للتلف والخراب وهو ما سيؤدي لمزيد من الخسائر الاقتصادية الجسيمة ونقص السلع الغذائية.

بالرغم من تردّد جيش الإحتلال الإسرائيلي من الإقدام على عملية بريّة واسعة النطاق في قطاع غزة وتأجيلها لعدة مرات، إلا أنه يعد العُدّة ويستكمل تجهيزاته للدخول بريًّا بحسب تصريحات القيادة السياسية والعسكرية. ويرى الخبراء والمراقبون الاقتصاديون أنّ الكلفة الاقتصادية سترتفع بشكل تصاعدي في حال أقدم جيش الإحتلال الإسرائيلي على مثل هذه العملية.