15-مارس-2019

بدأت قوات النظام بحملة قصف عشوائية ضد إدلب (أ.ف.ب)

ألترا صوت – فريق التحرير

بدأ النظام السوري مدعومًا بسلاح الجو الروسي حملة جوية عسكرية على كبرى معاقل المعارضة السورية في شمال غرب سوريا مطلع الأسبوع الجاري، بالتزامن مع الذكرى الثامنة لانطلاق الاحتجاجات الشعبية التي نادت بإسقاط رئيس النظام السوري بشار الأسد، والأجهزة الأمنية التابعة له، وسط مخاوف من تهجير مئات الآلاف من المدنيين الذين يقيمون في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام قرب الحدود التركية.

النظام السوري يخرق التفاهات التركية–الروسية

بعد ساعات من التفاهم التركي–الروسي على تسيير دوريات مشتركة في المناطق منزوعة السلاح، بدأ النظام السوري مصحوبًا بالميليشيات التي تدعمها إيران يوم السبت الفائت قصفًا جويًا وبريًا عنيفًا على شمال وشمال غرب سوريا، استهدف المناطق المدنية، سرعان ما شمل الهجوم العنيف استخدام النظام القنابل الفوسفورية في محافظة إدلب التي تأوي العدد الأكبر من المدنيين المهجرين قسريًا من مناطقهم الأصلية خلال السنتين الماضيتين.

اقرأ/ي أيضًا: معركة إدلب الكبرى.. تحرير الشام عتبة لـ"حمام دم" الأسد

وعبر صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي، نشرت منظمة الدفاع المدني يوم الخميس مقطعًا مصورًا يظهر إخراج أحد المدنيين من تحت الأنقاض نتيجة القصف الذي طال محافظة إدلب، وهو واحدٌ من المقاطع التي توثق الهجمات العنيفة للنظام السوري، استخدم فيها القنابل الفوسفورية المحرمة دوليًا.

وعلى الرغم من توصل أنقرة وموسكو في أيلول/سبتمبر الفائت لاتفاق ينص على إنشاء منطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب ومحيطها بعمق يصل ما بين 15 إلى 20 كم، فإن الهجوم الأخير يعكس مدى الخلاف بين الطرفين الدوليين اللذين يبحثان عن حل للأزمة السورية، رغم بدئهما تسيير دوريات مشتركة، وامتلاك أنقرة لـ13 نقطة مراقبة في محيط المنطقة منزوعة السلاح. لكن الاتفاق بات مهددًا بالفشل وسط تقارير صحفية تتحدث عن مصير مجهول ينتظر نحو 50 ألف مدني في مدينة سراقب بريف إدلب، وهي واحدة من المدن التي يطالها القصف العشوائي للطيران الحربي الروسي بالاشتراك مع مقاتلات النظام السوري.

ويوم الثلاثاء قالت وزارة الدفاع الروسية إنها وجهت ضربات جوية استهدفت مستودعًا للأسلحة يتبع لهيئة تحرير الشام (هتش)، المدرجة على لائحة التنظيمات الإرهابية دوليًا بالتنسيق مع الجانب التركي، دون أن تصدر أنقرة أي تصريح حتى الآن يؤكد البيان الروسي، لكن القصف بحسب وكالة الأناضول التركية شمل سجن إدلب المركزي الذي يحتجز داخله عناصر من تنظيم الدولة ومهربي البشر واللصوص.

إدلب مصير مجهول.. واتفاقيات هشة

ويعكس الهجوم الأخير على محافظة إدلب حجم الخلاف بين الأطراف الدولية الفاعلة في سوريا نتيجة لتضارب المصالح فيما بينها، ما ينبئ بانهيار للاتفاق الروسي–التركي، رغم تأكيد الكرملين في وقت سابق عدم وجود أي عملية عسكرية في المنطقة، لكن الخلاف على القوة العسكرية التي يجب أن تسيطر على مدينة منبج المسيطر عليها فعليًا من قبل قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، أدخل إدلب في دوامة الصراع الدولي، ويهدد مصير قرابة أربعة ملايين مدني.

واعتبارًا من عام 2016 أصبحت مدينة إدلب وجهًة لمقاتلي المعارضة السورية مع أسرهم، بالإضافة للمدنيين الرافضين إجراء تسوية مع النظام السوري في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في مختلف المناطق السورية، حيثُ شن النظام مدعومًا بالقوات الروسية، والميليشيات الأجنبية التي تقودها إيران عملية عسكرية انتهج فيها سياسة الأرض المحروقة لاستعادة السيطرة على أكثر من 60% من المناطق الخارجة عن سيطرته، في أكبر عملية تهجير قسري شهدتها الأزمة السورية.

تواجه المحافظة التي أحكمت هتش سيطرتها عليها نهاية العام الفائت مصيرًا مجهولًا، كون الأخيرة مدرجة على لائحة الإرهاب، وبعد بروز تواجد لتنظيم "حراس الدين" الموالي لتنظيم القاعدة، الذي يضم في صفوفه مقاتلين من جنسيات أجنبية وعربية مختلفة معظهم قاتل في العراق وأفغانستان. وهو ما يجعل المحافظة تواجه مستقبلًا معقدًا نسبيًا، نتيجة توافق جميع الأطراف الدولية على إدراج التنظيمين ضمن لائحة الإرهاب الدولية، وعدم وصولهم لحل توافقي ينهي مأساة مئات الآلاف من المدنيين.

هل تتفق الأطراف الدولية على تسوية حول إدلب؟

بالاستناد إلى التقارير الصحافية حول مستقبل المنطقة، يلمس المتابع مصيرًا مجهولًا تسود التوقعات حوله، فقد ذكرت صحيفة ذا تايمز البريطانية أن النظام السوري شن حملة اعتقالات طالت مئات الذكور المقيمين في مناطق سيطرتها، مشيرة إلى أنه من غير المعروف إن كان هؤلاء الرجال المقتادين إلى الجبهة، سيكونون من ضمن المقاتلين الذين سيهاحمون محافظة إدلب، بعد أن رفع النظام السوري سن خدمة الاحتياط الإلزامية من 40 إلى 43 عامًا.

وتشير التوقعات إلى أن المساقين إلى القتال إجباريًا في جانب النظام السوري يحضرون لهجوم بري على أكبر معقل خارج عن سيطرة النظام في الشمال السوري، رغم تقليلها من إمكانية نجاح النظام في ذلك، كون المساقين للقتال لم يتلقوا التدريبات العسكرية اللازمة مع حجم الإمكانيات التي يملكها مقاتلو هتش، وخبرتهم في حرب العصابات، وامتلاكهم لمقاتلين انغماسيين أو انتحاريين في الوقت ذاته.

وعمدت هتش خلال الفترة الأخيرة للاندماج ضمن السكان المحليين، تجنبًا لأي هجوم محتمل يستهدف محافظة إدلب، بحسب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، التي أشارت إلى أن مقاتلي التنظيم بدأوا بالاندماج ضمن المجتمع المحلي من خلال تزويج عناصرهم الأجانب من النساء السوريات، واستثمارهم في المنطقة عبر افتتاحهم لمشاريع صغيرة مثل الأفران والمطاعم.

وفي الجانب الآخر تحاول موسكو من خلال التصعيد الضغط على أنقرة، التي تحاول بدورها التوصل لتفاهم مع واشنطن ينص على انسحاب قسد من مدينة منبح مقابل دخول القوات التركية إلى المدينة، فيما تشدد موسكو – التي يفصل بين قواتها والقوات الأمريكية مئات الأمتار – على انسحاب القوات الأمريكية من المدينة حتى تتمكن من الدخول إليها، ما وضع محافظة إدلب في خانة المساومة الروسية على التوصل لتفاهمات بين الطرفين.

اقرأ/ي أيضًا: الغرب يوحد موقفه.. "جرس النهاية" يقرع في إدلب

أما أنقرة فإنها تجد نفسها أمام خيارين، إما التخلي عن حماية المدنيين في مدينة إدلب مقابل البدء بعمليتها ضد قسد في شرق سوريا، التي تسعى لانتزاع حكم ذاتي من النظام السوري تخشى تركيا أنه يهدد أمنها القومي، أو المضي في عمليتها العسكرية شرقي الفرات، الأمر الذي سيؤثر على حدودها مع الشمال السوري بسبب تدفق اللاجئين، ويجعلها ضامنًا هشًا أمام المجتمع الدولي. لذا فإنها لا تزال تحاول التوصل لاتفاقين منفصلين يضمنان أمنها القومي في المنطقة التي باتت مهددة بنزاع طويل الأمد.

وعلى ضوء ذلك فإن الشمال السوري الذي يشهد تصعيدًا عسكريًا عنيفًا، محكوم بتفاهمات يجب أن تتوصل إليها الأطراف الدولية رغم عدم وجود أي بوادر في التوصل إليها، حيث تعم المحافظة التي أصبحت منذ عام 2017 مسرحًا للخلاف بين الأطراف الدولية، مخاوف من نزوح جديد للمدنيين ، إذ تبين تقارير، أنه في حال تهجير السكان من جديد، فستشهد المدينة أكبر حركة نزوح عرفها القرن الحادي والعشرين.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

إدلب.. حصن المعارضة الأخير في مواجهة جحيم النظام السوري

إدلب من جديد.. هل سيكرر الأسد "جحيم" حلب؟