21-ديسمبر-2021

غادرت ميركل عالم السياسة من أوسع أبوابه في عام 2021 (Getty)

ألتراصوت- فريق التحرير

من منّا لا يتذكّر المشاهد المأساوية لتعلّق وسقوط مواطنين أفغان من طائرات الإجلاء إثر سيطرة طالبان على الحكم وانسحاب القوات الأمريكية من آخر موطئ قدم لها في كابُل، ومن منّا لم تفاجئه صور أنصار دونالد ترمب وهم يقتحمون مبنى الكابيتول ويعيثون فسادا في إحدى أعتى قلاع الديمقراطية وربّما رمزُها الأول في الولايات المتحدة. 

لا يعكس هذان الحدثان، بالرغم من رمزيتهما، إلا الجانب التراجيدي من أحداث العام 2021 الذي يمكن وصفه بعام التحولات الكبيرة، بدءً بتنصيب بايدن وما رافقه من تهديدات وتشكيك في الديمقراطية الأمريكية من طرف أنصار ترمب، مرورا  بانهيار الليرة التركية وأزمة صفقة الغواصات بين فرنسا من جهة وأستراليا والولايات المتحدة وبريطانيا من جهة ثانية، والانسحاب الأمريكي من أفغانستان وما اتسم به من فوضى وعودة طالبان إلى الحكم بعد انهيار القوات الحكومية وفرار أشرف غني إلى الإمارات، وفضائح وثائق باندورا والملاذات الضريبية لأغنياء العالم والنافذين فيه، وقمة المناخ وما رافقها من احتجاجات، وصولا إلى الانتخابات الألمانية ومغادرة الدكتورة ميركل للحكم من الباب الكبير، وانطلاق الجولة السابعة من مفاوضات فيينا في ظل تلويح أمريكي بخيار الضربة العسكرية لمنشآت إيران النووية، وما تخلل ذلك كلّه من كوارث طبيعية أرعبت العالم، ولاسيما الحرائق التي فحّمت غابات بأكملها في تركيا واليونان وغيرها من البقاع. 

هذا على الصعيد العالمي، أما على مستوى الأحداث في المنطقة العربية فستكون موضوع تقرير آخر لأهميتها، خاصّة وأن هذا العام شهد إجهاض آخر نموذجين للتحول الديمقراطي بعد ثورات الربيع العربي، ونعني بالتحديد النموذج التونسي والسوداني بعد انقلاب عبد الفتاح البرهان وقيس سعيّد.

1. تنصيب بايدن

في العشرين من كانون الثاني/يناير 2021 أقيم حفل تنصيب جو بايدن الذي أصبح الرئيس ال 46 للولايات المتحدة الأمريكية، بعد فوزه على منافسه الجمهوري دونالد ترمب الذي تردّد في الاعتراف بنتائج فوز غريمه وحرّض أنصاره على رفضها. وفي مخالفةٍ لتقليد دأَب عليه الرؤساء السابقون لم يحضر ترمب ولا زوجته حفل التنصيب ولم يهنئ بايدن على الفوز.

وبخلاف ما كان معهودا أيضا غابت حشود المواطنين الكبيرة ممن كانوا يحرصون على المشاركة في مشاهدة مراسم التنصيب كل أربع سنوات بسبب الإجراءات الوقائية من فيروس كورونا والمخاوف الأمنية بعد اقتحام المتطرفين الموالين للرئيس دونالد ترامب مبنى الكابيتول.

وفي خطابه الذي ألقاه بمناسبة تنصيبه قال بايدن إنه سيكون رئيسا لكل الأميركيين بغض النظر عن كونهم من المؤيدين له أو المختلفين معه، مبرزا أن حفل تنصيبه رئيسا هو انتصار للديمقراطية، واعدا ب"إلحاق الهزيمة بنزعة تفوق العرق الأبيض والإرهاب الداخلي"، بعد أسبوعين على اقتحام مبنى الكابيتول.

ومن بين أهم القرارات التي اتخذها بايدن في سنته الأولى كرئيس للولايات المتحدة " إلغاء سياسات ترامب للهجرة، وإعادة الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية"، هذا فضلا عن قرار الانسحاب من أفغانستان والعودة للمفاوضات حول برنامج إيران النووي في فيينا والتي كان ترمب قد انسحب منها فارضا المزيد من العقوبات على إيران.

2. اقتحام مبنى الكابيتول

في السادس من كانون الثاني/يناير2021 اقتحم العشرات من المتطرفين من أنصارترمب مبنى الكابيتول "الكونغرس الأمريكي" في سابقة من نوعها، دفعت بعض المتابعين إلى وصف ذلك اليوم "باليوم الحالك في تاريخ أمريكا"، لأنه هز النظام السياسي في البلاد، وقد أدى اقتحام مبنى الكابيتول إلى سقوط 5 قتلى، واختار المقتحمون هذا اليوم بالتحديد لأن الكونغرس كان سيصادق فيه على نتائج الانتخابات التي أعلنت فوز بايدن وخسارة ترمب، وبسبب اقتحام المبنى عُطّلت الجلسة بعد تهديد المشرعين وكسر نوافذ المبنى وسرقة بعض مقتنياته.

وكانت الدعاية السياسية التي ركز عليها ترمب، ومقتضاها أن الانتخابات سُرقت منه، دافعا أساسيا لجمهور المقتحمين، وفي هذا الصدد استدعت اللجنة المعنية بالتحقيق في أحداث اقتحام الكونغرس 4 من كبار مساعدي الرئيس السابق دونالد ترامب من بينهم كبير موظفي البيت الأبيض مارك ميدوز، وكبير مستشاري البيت الأبيض السابق ستيف بانون، حيث ذكرت لجنة مجلس النواب الأميركي المكلفة بالتحقيق في بيان لها أن هناك مزاعم تشير إلى أن هؤلاء الأشخاص الأربعة أجروا يوم السادس من كانون الثاني/يناير وقبله مباحثات واتصالات مع الرئيس ترامب بخصوص اقتحام الكابيتول، وتغيير نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز بها الرئيس الحالي جو بايدن.

في الوقت الذي انصرف فيه بعض المحللين، على إثر اقتحام الكابيتول، إلى دق ناقوس الخطر بالقول إن الديمقراطية الأمريكية باتت مهدّدة بسبب شعبوية ترمب وزحف اليمين المتطرف على المشهد السياسي، اعتبر محللون آخرون أن ما حدث أثبت على النقيض من ذلك رسوخ ومتانة الديمقراطية الأمريكية المتأتية بالأساس من صمود المؤسسات ودفاعها عن الخيار الديمقراطي، والإشارة هنا أساسا إلى الجيش وقوى الأمن.

3. انهيار الليرة التركية

لم يكن عام 2021 إيجابيا بالمرة بالنسبة للليرة التركية التي عانت من انخفاض كبير وتدهور غير مسبوق في قيمتها أمام الدولار وسلة العمولات الصعبة بشكل عام، حيث خسرت في وقت قياسي أكثر من 55% من قيمتها، وذلك منذ شهر آذار/مارس الذي شهد الإطاحة بناجي أغبال محافظ البنك المركزي المؤيد لقواعد السوق بحسب وصف بلومبرغ.

 وقد أدى انخفاض سعر الليرة إلى مجموعة من المشاكل الحياتية مسّت المواطن التركي، لناحية ارتفاع نسبة التضخم التي ناهزت نسبة 20% وغلاء الأسعار والإيجار وتراجع المقدرة الشرائية، ويعزو المحللون الاقتصاديون انهيار الليرة والتحاقها بركب أسوإ العملات أداءً لإصرار الرئيس التركي على تخفيض نسبة الفائدة التي استقرت حاليا عند 14%، ويُبرر أردوغان حربه على الفائدة بمنح الأولوية للصادرات والإقراض، ولوقف نزيف الليرة وجد البنك المركزي التركي نفسه مرغما على التعهد بوقف تخفيضات أسعار الفائدة،  كما أعلن عن ضخ 4.3 مليارات دولار في السوق، فضلا عن ذلك اتخذت السلطات التركية قرارا برفع الحد الأدنى للأجور إلى 4250 ليرة أي ما يعادل 250 دولارًا أمريكيًا تقريبًا وفق سعر الصرف لليوم الإثنين.

لكن حزمة الإجراءات تلك لم توفّق بعد في وقف نزيف الليرة، حيث سجّلت نسبة انخفاض تاريخي جديد اقترب من عتبة 18 ليرة بحسب أسعار الصرف حتى يوم أمس الإثنين، قبل أن تنتعش انتعاشًا مفاجئًا وتعود إلى 14 ليرة مقابل الدولار الواحد. 

ويعتقد خبراء بلومبرغ أنّ أكبر المستفيدين من خفض أسعار الفائدة هم "أباطرة العقارات"و"المصدّرين"، الذين يستفيدون من انخفاض تكاليف الاقتراض وضعف الليرة فيعمدون  لاقتناص العقارات كتحوط ضد تقلبات الليرة. وفي المقابل فإن أكثر المتضررين هم الفقراء وذوو الدخل المحدود بسبب التضخم وارتفاع أسعار الإيجار والمواد الغذائية وتراجع قيمة العملة لمستويات قياسية أمام الدولار. والنتيجة حسب بلومبرغ هي ارتفاع مؤشر التفاوت بين الأتراك وزيادة معدلات الفقر.

في الطرف الآخر يُحاجج المؤيدون لخفض الفائدة بأن هذا الإجراء جعل المنتجات التركية أكثر قدرة على المنافسة في الخارج، وسمح للشركات بزيادة إنتاجها مع تسجيل نمو في الناتج المحلي الإجمالي بمتوسط ​​8.9% لعام 2021، بحيث أصبح الاقتصاد التركي الأكثر  نموًا مقارنة مع الاقتصاديات المشابهة له، كما أنه من المتوقع أن تتجاوز الصادرات التركية هذا العام حاجز ال 200 مليار دولار.

4. أزمة الغواصات الفرنسية

تسببت ما باتت تعرف بأزمة الغواصات الفرنسية هذا العام في مشكلة دبلوماسية كبيرة بين فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا، فقد كانت الصفقة بدايةً من نصيب فرنسا، وكانت تقضي بتصميم 12 غواصة من نوع باراكودا من طرف باريس لصالح أستراليا بغلاف مالي يصل إلى 34 مليار يورو، في واحدة من أكبر صفقات القرن الواحد والعشرين، واعتبرت فرنسا حصولها عليها بمثابة اعتراف بمكانتها التصنيعية في العالم.

 وبحسب تحقيق لصحيفة ليبراسيوه الفرنسية فقد تخللت الصفقة منذ بدايتها "ضبابية وعمى وأكاذيب وسذاجة ومفاجآت" أدت إلى إخفاقها والتسبب بكارثة دبلوماسية من العيار الثقيل، بين أربع دول هي الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا من جهة وفرنسا "المغدورة" من جهة ثانية.

وتعود بداية مشاكل الصفقة المثيرة إلى ربيع وصيف العام 2016، عندما بعث الطرف الأسترالي أول إشارة تفيد بتحفظ الأستراليين على المشروع، وذلك بعدما دخلوا مع شركة (DCNS) المصنعة للغواصات في اجتماعات سرّية تجارية لتحديد المبالغ والمواعيد النهائية للدفع ونقل التكنولوجيا وتصميم الغواصات، إذ أعرب جزء من مجتمع الدفاع الأسترالي حسب صحيفة ليبراسيون عن تحفظات كبيرة بشأن المشروع عبّر عن جانب منها المستشار السابق لوزير الدفاع الأسترالي هيو وايت عندما صرح أن إدارة بلاده كانت تحت الضغط بسبب اختيار التعامل مع محاور واحد من دون منافسة.

 وفي العام 2018 -2019 جرت الرياح في أستراليا بما لا تشتهيه "غواصات" فرنسا، فقد اضطر مالكولم تورنبول أحد أهم المروجين لصفقة الغواصات الفرنسية إلى الاستقالة، لتبرز إلى الواجهة صعوبات جديدة، تمثلت في "التصميم وإنشاء مصنع تصنيع جديد ونقل التكنولوجيا وخلق ثقافة عمل، حيث يمكن للنهجين الأسترالي والفرنسي أن يشكلا شراكة فعالة في كلا الاتجاهين".

ومثل العامان 2019 و2020 منعرجا كبيرا في صفقة الغواصات، فبالرغم من قيام فرنسا في 14 تموز/يوليو 2019 بإطلاق الجيل الجديد من غواصة "سافرن" (Suffren) الهجومية النووية الأولى من سلسلة باراكودا، من أجل "صديقتها أستراليا"، وحضور وزيرة الدفاع الأسترالية ليندا رينولدز للحفل المقام بتلك المناسبة وتعبيرها عن فخرها بالغواصة الجديدة، إلا أن الأستراليين  عادوا من باريس بمخاوف جدية، فقد تحدث أحد أعضاء الوفد  الأسترالي، حسب ليبراسيون، عن الطريقة الفرنسية التي تعتمد كثيرا على عدم المبالاة، ومن تلك اللحظة بدأت كانبيرا تدرس بديلا عن باراكودا في حالة تعذر تلبية التوقعات الأسترالية، ولذلك ظهرت الخطة "ب" في أواخر عام 2019  وأوائل 2020، حسب تحقيق الصحيفة الفرنسية.

ونشأت في تلك الفترة أيضا وعلى مسار آخر موازٍ مجموعة عمل جديدة لبناء السفن المطلوبة أسترالياً، وتم تعيين وزير البحرية الأميركي السابق دونالد وينتر مستشارا خاصا لرئيس الوزراء الأسترالي لهذه المهمة بشكل خاص.

ومع تقلد بيتر داتون منصب وزارة الدفاع الأسترالية، اقتربت أستراليا من الولايات المتحدة بشأن التكنولوجيا النووية و"وجدت أنها مستعدة للشراكة معها أكثر"، حسب تحقيق ليبراسيون، كما وجهت كانبيرا دعوة للاستفسار عما إذا كان البريطانيون والأميركيون سيساعدون الأستراليين في بناء أسطول من الغواصات تعمل بالطاقة النووية وتكون لديها طاقة تحمل غير محدودة تقريبا.

وهكذا ولدت عملية هوليس، الاسم الرمزي لهذه الصفقة البالغة السرية، حسب تحقيق ليبراسيون، ووقع الجميع على وثيقة تعهدوا فيها بعدم إفشاء محتوى مناقشاتهم، وتزامن ذلك مع إعلان وزارة الدفاع الأسترالية أنها "تدرس خيار غواصة ألمانية مع تصاعد التوترات مع المجتمع الفرنسي".

تقول الصحيفة الفرنسية إنه في قمة مجموعة السبع التي استضافتها لندن كان مفاجئا الظهور المشترك للرئيس الأمريكي جو بايدن مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، ومتسلل آخر من خارج القمة -حسب تعبير الصحيفة- هو رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون.  لتستيقظ باريس في 15 أيلول/سبتمبر على غرق صفقة الغواصات وتبدأ بذلك أزمة ثقيلة بين الحلفاء ما تزال تتصاعد حتى اليوم، حيث اتهمت فرنسا حلفاءها الغربيين بالغدر والطعن من الخلف.

5. الانسحاب الأمريكي من افغانستان

في ال 31 من آب/أغسطس من العام الجاري أنهت الولايات المتحدة وحلفاؤها انسحابهم من أفغانستان، بعد احتلال للبلاد دام 20 سنة، لتعود حركة طالبان من جديد إلى حكم أفغانستان بعد انهيار القوات الأفغانية أمام زحف الحركة على الولايات والمحافظات التي سقطت الواحدة تلو الأخرى من دون أبسط مقاومة، ومثّل فرار الرئيس الأفغاني أشرف غني بالإضافة إلى ما سبق ذكره صورة دراماتيكية لهشاشة ما شيّده الأمريكان والحلفاء طيلة 20 سنة من مطاردة طالبان وبناء الجيش الأفغاني للحيلولة دون رجوع طالبان إلى الحكم.

وقد شابت عملية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان فوضى عارمة، تسبّبت في تزاحم الأفغان بالآلاف عند بوابات مطار كابل طمعا في الالتحاق بإحدى طائرات الإجلاء، بالرغم من تطمينات طالبان، الأمر الذي أسفر عن وقوع عشرات الضحايا، بعضهم تعلّقوا بالطائرات وهي تطير قبل أن يسقطوا منها في مشهد أسال الكثير من الحبر.

وقد أقرّ قادة عسكريون في زارة الدفاع الأمريكي أمام مجلس الشيوخ، بأخطاء في التقدير أدت إلى "فشل استراتيجي'' في البلاد مع استحواذ حركة طالبان على السلطة في كابول دون صعوبات بعد عشرين عاما من الحرب.

اقرأ/ي أيضًا: ملف خاص |أفغانستان: مستقبل قلق بعد عقدين من الاحتلال الأمريكي

وكان الانسحاب الأمريكي من أفغانستان قد تمّ بعد جولات من المفاوضات احتضنتها العاصمة القطرية الدوحة بين حركة طالبان من جهة والحكومة الأفغانية والولايات المتحدة من جهة ثانية.

وما تزال المفاوضات بين طالبان والحكومة الأمريكية مستمرة، من أجل الاعتراف بالسلطة الجديدة في كابل وتحرير الأموال الأفغانية من القيود المفروضة عليها في البنوك الغربية بعد سيطرة طالبان على الحكم، وتشترط واشنطن الإفراج عن تلك الأموال والاعتراف بحكم طالبان مجموعة من الشروط تتعلق بنمط الحكم الذي ستتبعه طالبان وبوضع الحقوق والحريات، فضلا عن الحفاظ عن المصالح الأمريكية التي تمثل أولوية بالنسبة لصانع القرار الأمريكي، علمًا بأن الدوحة هي التي تتولى حاليا تمثيل المصالح الدبلوماسية الأمريكية في كابل ومصالح دبلوماسية عدة دول غربية أخرى.

6. أوراق باندورا

مطلع تشرين الثاني/أكتوبر من هذا العام نشر الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين بالتعاون مع عشرات المؤسسات الإعلامية حول العالم تحقيقا استند إلى 12 مليون وثيقة مسربة من 14 شركة تقدم خدمات قانونية ومالية لتسجيل شركات الأوف شور في الملاذات الضريبية، من أجل الاستثمار بسرية بغية التحفظ على هوية المالك أو المستفيد النهائي، ما يجعلها في نهاية المطاف خارج نطاق المقاربة، ومجالا خصبا لغسيل الأموال والعمليات المالية المشبوهة وغير القانونية. وجرت تسمية هذا التجقيق ب "أوراق باندورا" وتتصل هذه التسمية بقصة شهيرة في الميثولوجيا اليونانية القديمة، تقول إن "زيوس كبير الآلهة أهدى صندوقاً لسيدة تسمى "باندورا" وأمرها ألا تفتحه، وكان زيوس قد وضع في الصندوق كل صور الشرور البشرية، لكن باندورا عصت الأمر وفتحت الصندوق فانتشر الشر في أنحاء الكون".

قام الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين بمشاركة الوثائق المسرّبة مع قرابة 600 صحفي حول العالم، وأكثر من 150 مؤسسة إعلامية في 117 دولة، لاستخدامها كطرف خيط في تحقيقاتهم الاستقصائية.

وقد تم الكشف من خلال وثائق باندورا عن أسرار مالية تعود إلى 35 من قادة العالم، الحاليين والسابقين، وزهاء 330 من السياسيين والمسؤولين الحكوميين وعدد من الفنانين والمجرمين والشخصيات الملاحقة بتهم جنائية في 91 دولة وإقليمًا.

ومن بين أبرز الشخصيات السياسية التي ركّز التقرير على أنشطتها الاستثمارية والعقارية، كان العاهل الأردني عبدالله الثاني (59 عامًا)، والذي كشف التحقيق بأنه قد أنفق 100 مليون دولار أمريكي لشراء عقارات فخمة في كل من الولايات المتحدة وأوروبا، على الرغم من الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الأردن. كما كشف التحقيق عن أصول سريّة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موناكو. ومن بين الشخصيات البارزة التي تناولها التحيق الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، ورئيس الوزراء التشيكي أندريه بابيس، وبعض كبار المسؤولين المقربين من رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، والرئيس الكيني أوهورو كينياتا.

كما سلّط التقرير الضوء على الأنشطة المالية لعدد من المسؤولين في لبنان الذي تعاملوا مع ملاذات ضريبية آمنة، من بينهم رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، وحاكم مصرف لبنان المركزي، رياض سلامة، ورئيس الوزراء السابق حسان دياب، ووزير الدولة السابق ورئيس مجلس إدارة "بنك الموارد"، مروان خير الدين.

اقرأ/ي أيضًا: ما هي "وثائق باندورا" وما الذي تكشفه عن أساليب "الكبار" في إخفاء أموالهم؟

بالرغم من الخضّة التي أحدثتها وثائق باندورا إعلاميًا، فإنها لم تسفر كسابقتها "وثائق بنما" عن تغيير جوهري في النظام المصرفي وزيادة مستوى الشفافية، ما يصعّب على الأثرياء والسياسيين إخفاء ثرواتهم وأصولهم، فوثائق باندورا تثبت بجلاء أن هذه الأنشطة لم تتراجع.

7. قمة المناخ في غلاسكو

شهدت مدينة غلاسكو في 31 من تشرين أول /أكتوبر انعقاد قمة المناخ التي استمرت 13 يوما.

القمة التي عُقدت عليها آمال كثيرة، لم تكن في مستوى التطلعات، بالرغم من التوصل في الساعات الأخيرة، إلى اتفاق يقضي بتسريع وتيرة مكافحة الاحتباس من دون أن يؤكد الاتفاق إبقاءه ضمن سقف 1,5 درجة مئوية، ومن دون أيضا تأكيد تلبية طلبات المساعدة من الدول الفقيرة.

وجاء التبني النهائي لنص ميثاق غلاسكو للمناخ بعد أسبوعين من المفاوضات الشاقة وتحذيرات وجهتها بعض الدول والمنظمات، كما جاء التوقيع على الاتفاق بعد تعديلات في اللحظات الأخيرة أدخلتها الصين والهند حول قضية مصادر الطاقة الأحفورية.

ويعزى هذا التردد والنتائج المخيبة لآمال النشطاء البيئيين إلى تباين المواقف بين مطالب الدول المعرضة للتأثر بالمناخ والقوى الصناعية الكبرى وتلك الدول التي يُعتبر استهلاكها أو صادراتها من الوقود الأحفوري أمرا حيويا لتطورها الاقتصادي. 

يشار إلى أن قمة غلاسكو للمناخ كانت "تستهدف الوصول إلى مستوى الحياد الكربوني بحلول عام 2050، وذلك عبر تسريع التخلص التدريجي من استخدام الفحم، والحد من إزالة الغابات، وتسريع التحول إلى السيارات الكهربائية، وتشجيع الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، بحسب ما جاء في الموقع الرسمي للقمّة".

وترعى الأمم المتحدة قمة المناخ منذ العام 1995، بسبب التحديات الكبيرة التي يواجهها العالم على صعيد المناخ والبيئة، حيث باتت جزر وغابات بأكملها معرّضة للاختفاء مع الارتفاع الكبير في مستوى غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، ما يساهم في رفع معدلات درجات الحرارة.

وتشير معطيات صندوق النقد الدولي إلى أن الحكومات حول العالم تنفق 11 مليون دولار في الدقيقة الواحدة، لتمويل إنتاج الوقود الأحفوري الذي يتسبب بالانبعاثات الحرارية المسببة للاحتباس الحراري.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس علّق قائلا في نهاية غمة غلاسكو بأن "الكارثة المناخية لا تزال ماثلة" رغم التوصل إلى الاتفاق. واعتبر في بيان صادر عن مكتبه أن "إنهاء الإعفاءات على مصادر الطاقة الأحفورية والاستغناء عن الفحم وفرض ضريبة على الكربون إضافة إلى تأمين المساعدة المالية للدول الأشد فقرا مسائل ضرورية".

مضيفًا في بيانه أن "النصوص التي تم تبنيها هي تسوية. إنها تعكس المصالح والوضع والتناقضات وحال الإرادة السياسية الراهنة في العالم. (...) المؤسف أن الإرادة السياسية المشتركة لم تكن كافية لتجاوز التناقضات العميقة".

 وتابع بيان غوتيريس "حان الوقت للانتقال إلى أسلوب الطوارىء"، منوّها إلى أن "الالتزامات الراهنة للحد من الانبعاثات لا تتيح الحفاظ على الهدف الذي حدده اتفاق باريس لجهة احتواء الاحتباس الحراري "إلى ما دون" درجتين مئويتين مقارنة بالحقبة ما قبل الصناعية".

يُذكر أخيرا أن القمة رافقتها مظاهرات احتجاجية دأب النشطاء في حماية البيئة على تنظيمها للضغط على الدول الكبرى المصنّعة وعلى القادة المجتمعين للالتزام بحماية البيئة وبالتقليل من الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري.

8. الانتخابات الألمانية ومغادرة ميركل

أسدل العام 2021 الستار على تجربة سياسية مثيرة للانتباه وهي تجربة حكم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي استمرت في المحافظة على منصبها 16 عامًا لمدة أربعة ولايات انتخابية، وذلك بقرار شخصي منها.

وفتحت "استقالة ميركل" من الحياة السياسية الباب أمام "حزب الديمقراطيين الاشتراكيين" وممثلة أولاف شولتز للفوز بالانتخابات أمام "حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي" وممثله آرمين لاشيت في الانتخابات التي أُجريت في ال 26 من أيلول/سبتمبر 2021. وتحصل بموجبها "حزب الديمقراطيين الاشتراكيين على 206 مقعدا في البوندستاغ، يليه الاتحاد الديمقراطي المسيحي ب 196 مقعدا، وحزب الخضر ب 118 مقعدا"

وبعد تقدمه في الانتخابات أصبح أولاف شولتز المستشار الألماني ويترأس ائتلافًا حكوميا يضم إلى جانب حزبه كلا من حزبيْ الخضر والليبراليين.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

كيف يبدو مستقبل ألمانيا وأوروبا بعد رحيل أنجيلا ميركل؟

عام مليء بالخيبات.. 6 أحداث شغلت الأردنيين في عام 2021

9 شخصيات برزت في عوالم السياسة والصحافة في 2021

21 سابقة فريدة سجّلها التاريخ في العام 2021

دلالات: