17-يوليو-2017

أهالي جزيرة الوراق يشيعون جثمان سيد طفشان الذي قتل على يد الشرطة المصرية (إبراهيم رمضان/الأناضول)

ما الذي يحدث في جزيرة الوراق بمصر؟ ولماذا تعمل الدولة الآن على محاصرة الأهالي؟ ولماذا ترغب في إخراج أكثر من 60 الف أسرة من بيوتها؟ وهل هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها الحكومة بتشريد أهالي منطقة عشوائية دون حتى تعويضهم بشكل لائق؟ ما هو رأي القانون فيما يحدث؟ وهل تحرك الدولة ضد أهالي جزيرة الوراق من منطلق قانوني أم من منطلق المصالح المشوبة بأطماع قديمة في الجزيرة؟ هل تتبع الدولة لتحقيق مرادها أيًا كان، استراتيجية ما، أم أن أداءها خاضع للفوضى ويراهن على عجز الفقراء قليلي الحيلة؟

جزيرة الوراق.. مطمع قديم لحكومات متعاقبة

تتجمع خيوط الحكاية ببطء لترسم الصورة الكاملة لجزيرة الوراق. الصورة الحقيقية بلا رتوش لما يعايشه أهل الجزيرة الفقراء، منذ عقود.

والوراق هي جزيرة في نهر النيل، وهي الأكبر من بين جزر النيل في مصر، وتتبع لمنطقة الوراق في محافظة الجيزة، وتقدر مساحتها لـ1400 فدان، فيما يبدو أن مساحتها تلك وموقعها هذا، كانا نقمة على سكانها منذ البداية.. فمتى بدأت القصة؟

موضوع صحفي قديم على صفحة التحقيقات بصحيفة الأهرام القومية التابعة للحكومة، تحت عنوان "بعد نزع ملكية الوراق للمنفعة العامة.. موت الجزيرة". بدت الصحيفة الرسمية وكأنها منحازة لمعاناة أهل جزيرة الوراق، في تحقيقها المنشور بتاريخ حزيران/يونيو 2001، ويتضمن صورةً للمخرج المصري الراحل يوسف شاهين جالسًا مع أهالي الجزيرة تضامنًا معهم، وفقًا لما ورد في الخبر.

الصراع بين الدولة وأهالي جزيرة الوراق قديم، بدأ عام 1998 في عهد الجنزوري، قبل أن ينتهي مع  السيسي باستخدام العنف المفرط ضد الأهالي

وجاء في التحقيق أن جزيرة الوراق يقطنها 55 الف نسمة، وبها 3 آلاف منزل، وبعض المنشآت الحكومية، فهي تتضمن وحدة محلية تابعة لمدينة الوراق بالجيزة، ووحدة صحية ومدرستين ابتدائي وإعدادي وجمعيتين زراعيتين ووحدة للمصل واللقاح ومكتب بريد ومحطة لمياه الشرب ومساجد وكنائس ومراكز للشباب، وغير ذلك مما اعتبره الأهالي اعترافًا رسميًا من الدولة بأنّ قاطني الجزيرة لهم الحق في سكناها، وإلا فلماذا وفرت لهم الدولة من خدماتها؟! ومع ذلك تفاجأ الأهالي في أبريل/نيسان 2001 بالقرار رقم 542 الذي تنص مادته الأولى على "تخصيص أراضي الجزيرة للمنفعة العامة"!

اقرأ/ي أيضًا: ما لن تراه إلا في المساكن الشعبية

ولكن الصراع على جزيرة الوراق جاء سابقًا على هذا التحقيق بحوالي أربع سنوات، حين قام رئيس الوزراء آنذاك، كمال الجنزوري، عام 1998، بإصدار القرار رقم 1969 بتحويل جزيرة الوراق إلى محمية طبيعية، وعلى إثر ذلك خضعت الجزيرة إلى الإدارة البيئية، وبناءً عليه قرر الأهالي رفع قضية في مجلس الدولة، بما يفيد ملكيتهم للأراضي، ونحجوا بالفعل في الحصول على حكم من المحكمة الإدارية العليا عام 2002 بأحقيتهم في تملك الأراضي.

بعد هذا الحكم بحوالي سبع سنوات، أي في عام 2010، أعاد رئيس الوزراء المصري آنذاك أحمد نظيف، موضوع الجزيرة إلى الواجهة مرة أخرى، حيث أمر بـ"تشكيل لجنة من وزراء الإسكان والبيئة والري‏‏، لدراسة الأوضاع البيئية للجزيرة، بهدف وضع خطة للتصحيح البيئي فيها‏"، بحسب نص القرار، وهو ما أعاد إثارة مخاوف أهالي الجزيرة مرة أخرى .

وفي آب/أغسطس 2014، تداولت عدة صحف مصرية أنباءً عن طرح مصطفى مدبولي وزير الإسكان وقتها أمر جزيرة الوراق للمناقشة مع عدة وزارء مختصين، بهدف "تجميع المتناثرات مع الكتلة الرئيسية وتطويرها، وإنشاء امتداد للمنطقة البنائية على مسطح 50 فدانًا، وتحويل الجزيرة إلى متنزه سياحي ثقافي ترفيهي تجاري على ضفاف النيل".

أما الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، فقد كان أكثر جرأة وكأنه قد أخرج المارد الباطش من قمقم الحكومات الأخرى، وذلك بعد أن أمر علنًا بإزالة ما أسماها بـ"التعديات على أراضي الدولة"، مُطلقًا تصريحات مثيرة للجدل والسخرية معًا، من قبيل: "محدش يلوي دراعي. اللي عايز يقنن يجيب شنطة فلوس"، و"بين البايع والشاري يفتح الله"!

بعد تلك الحملة التي دشنها السيسي، سجلت مصر أرقامًا ضخمة في إزالة التعديات، وفقًا لصحيفة الأهرام وصل إلى 53 مليون متر مربع، بخلاف 65 مليون متر مربع مقام عليها مبانٍ مأهولة بالسكان، ومقدم عنها طلبات للتقنين.

أما الضوء الأخضر الذي كان بمثابة الإذن باقتحام جزيرة الوراق، فقد كان بتصريحه في مؤتمر التعديات، والذي قال فيه السيسي: "هناك جزيرة في وسط النيل، مساحتها أكثر من 1200 فدان، مليئة بالعشوائيات"، وإن لم يذكر اسمها، إلا أنه من الواضح والجلي إشارته لجزيرة الوراق. وتساءل: "الصرف الصحي هايصرف فين؟ هايصرف في نهر النيل؟! وبعد كده تقولي محطات معالجة ومحطات صرف، ونبقى بنأذي نفسنا، ويجب على المواطنين الانتباه إلى هذا الأمر، قبل الدولة"! 

دماء على تراب الجزيرة.. و"البلدوزر" هو الحل

استفاق أهالي جزيرة الوراق، أمس الأحد، على قوات من الشرطة المكلفة بإزالة  "التعديات"، تهاجم الجزيرة في السابعة صباحًا. استشاط الأهالي غضبًا وقاوموا هدم منازلهم بـ"البلدوزرات" التي جاءت بها قوات الشرطة، وعلى إثر ذلك اندلعت المواجهات التي سقط بسببا قتيل وعديد المصابين.

 وادعت قوات الشرطة أن هناك 31 مصابًا بينها، وذلك وفقًا لما ورد على صفحتها الرسمية بفيسبوك. لكن الأهالي نفوا استخدامهم السلاح، مُؤكدين على أنّ كل ما قاموا به عو الدفاع عن أنفسهم وحرامت بيوتهم، علمًا بأنّ قوات الشرطة قد استخدمت القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي على الأقل، لتفريق أهالي الجزيرة، وهو ما أدى إلى سقوط قتيل يُسمى سيد حسن علي الجيزاوي، الشهير بـ"سيد طفشان"، فضلًا عن العديد من المصابين الذين جرى اعتقالهم فور وصولهم للمستشفى لتلقي العلاج.

ولأنّ التطورات على الأرض كانت سريعة ومكثّفة، ويشوبها الكثير من الأخذ والرد، تواصل "ألترا صوت" مع الصحفي المصري أحمد عطا الله، الذي ذهب إلى الجزيرة لتفقد الأوضاع. وقال عطا الله إنّه تحدث إلى أحد الأهالي المتجمهرين أمام المستشفى، وأكّد له أن لديه عقود تؤكد ملكية عائلته للأرض، تعود لأيام الحكم الملكي.

وفيما يخص زعم قوات الأمن تعرضها للاعتداء من جانب الأهالي ووقوع إصابات بينهم، وهو ما يؤكد الأهالي على نفيه، طرح عطا الله المسألة بالتساؤل عن كيفية حدوث ذلك في حين أنّ قوات الشرطة هي من تمتلك السلاح، مُؤكدًا على أنّ سبعة على الأقل من أهالي القرية أصيبوا بطلقات الخرطوش، ثم اعتقلوا من المستشفى التي نقلوا للعلاج فيها، وذلك بالنقل عن أهالي جزيرة الوراق.

أهالي جزيرة الوراق أمام مستشفى إمبابة لاستلام جثة القتيل (أحمد عطا الله)
أهالي جزيرة الوراق أمام مستشفى إمبابة لاستلام جثة القتيل (أحمد عطا الله) 

ووفقًا لعطا الله، حاول الأهالي تشييع جثمان سيد طفشان حتى المعديات (مراكب النقل النهرية)، إلا أنّ القوات الأمنية وقفت لهم بالمرصاد وأرهبتهم بالسلاح، فاعترض الأهالي سيارات الشرطة في محاولة لإبعادها، فما كان من الشرطة إلا أن أطلقوا القنابل المسيلة للدموع لتفريق الأهالي، وكان ذلك الساعة 11 مساءً.

وحصل "ألترا صوت" أيضًا على شهادة الصحفي وليد ناجي، بصحيفة الشروق الذي قال إنّ أهالي الجزيرة غير معترضين على المشروعات التي ترغب الدولة في إقامتها على الجزيرة، شريطة أن تلقيهم تعويضًا لائقًا عمّا سيخسرونه بالضرورة، مُؤكدًا أن كثيرًا منهم أبدى استعداده للتفاهم. لكنّهم حين فوجؤوا في السابعة صباحًا بقوات الأمن "فوق رؤوسهم" بتعبير ناجي، لإزالة منازلهم اعترضوا عليهم بالتجمهر، ثُم في مقابل قنابل الغاز وطلقات الخرطوش والمطاطي، ردّ الأهالي على قوات الأمن بالحجارة.

وعن الإصابات التي تعرض لها سكان جزيرة الوراق جراء العنف من قبل قوات الشرطة، تواصل "ألترا صوت" مع أحد سكان الجزيرة، ويدعى أيمن، وهو أب لأربعة أطفال، بينهم طفل بعمر عام وأربعة أشهر، أجريت له عملية قلب مفتوح قبل نحو عام، وقد اُصيب جراء إلقاء قوان الأمن لقنابل الغاز المسيل للدموع.

يقول أيمن: "كان ابني جالسًا أمام المنزل في حجر أمه، حين ألقت قوات الأمن الغاز بالقرب منه. أسلمته فورًا إلى بعض الناس على الجانب الآخر لنقله إلى المستشفى، وأنا إلى الآن لا أعرف شيئًا عن مصيره"، يقصد بسبب الحصار الذي فرضته قوات الأمن على أهالي الجزيرة، والذي تسبب في ضرر من نوع آخر، فمعظم سكان المدينة من العمال باليومية، وهم الآن محاصرون لا يستطيعون الخروج من الجزيرة لمزاولة أعمالهم.

جانب آخر من مضار الحصار غير المبرر الذي فرضته قوات الأمن على أهالي جزيرة الوراق، يشير إليه يحيى الشحات، أحد سكان الجزيرة، وكان في السابق رئيسًا للمجلس المحلي، إذ قال الشحات لـ"ألترا صوت": "الوضع مأساوي. لدينا تلاميذ في الإعادات والملاحق لم يستطيعوا الذهاب للمدارس. وكانت هناك سيدة على وشك الولادة، وكانت ستلقى حتفها لولا استطعنا تهريبها عبر قارب أحد بائعي السمك". 

وعن زعم الشرطة وقوع 31 حالة إصابة بين افرادها، قال الشحات: "لقد تواصلت مع محافظ الجيزة، وأتحداه أن يكون هناك هذا العدد من المصابين في صفوف الشرطة".

"القاهرة 2050".. خطة ضد المواطنين

من جانبه قال محمد عبدالعال، المستشار القانوني سابقًا للمركز المصري للحق في السكن، في حديث لـ"ألترا صوت"، إنه "على الأهالي ومعهم الرأي العام، أن يدركوا جيدًا أن ما يحدث في الجزيرة هو جزء لا ينفصل عن ما تسمى بخطة القاهرة 2050"، مُوضحًا أن هذه الخطة، الهدف منها هو "الاستيلاء على المناطق المميزة في مجرى النيل، وهو ما سبق أن حدث في جزيرة الدهب وومثلث ماسبيرو وجزيرة البياضية في أسوان"، والدافع وراء ذلك "رجال النظام الذين يمنون أنفسهم بإعادة استخدام هذه المناطق، وبيعها لشركات رأسمالية كبرى، دون أن تكون هناك خطة واضحة لإعادة تسكين سكان وأهالي هذه المناطق".

في حين تصالحت الدولة مع كبار المتعدين من المستثمرين ورجال الأعمال، تعاملت مع الفقراء بلا رحمة أو تصالح!

وأضاف عبدالعال: "سيكون أي حكم قضائي في صف الأهالي، وهو ما سبق وأن حدث من قبل مع جزيرة البرمبيل في إطفيح بالجيزة، وهي جزيرة كان عليها مجتمع سكني عشوائي، أرادت الدولة إزالته، إلا أنّ المحكمة الإدارية العليا حكمت لصالحهم، خاصة بعد إثبات ملكيتهم للأراضي والعقارات بملكيات مسجلة". وبسؤاله هل سيكون الأهالي ضحية إطالة إجراءات التقاضي؟ أجاب عبدالعال: "يمكنهم الحصول على حكم بوقف التنفيذ لحين الفصل في الأمر، وهو أمر ليس صعبًا".

اقرأ/ي أيضًا: مصر.. أين ذهبت الطبقة الوسطى؟

وأشار المستشار السابق للمركز المصري للحق في السكن، محمد عبدالعال، إلى أنّه في حين تصالحت الدولة مع كبار المتعدين من المستثمرين ورجال الأعمال، متغاضية عن النغمة التي ترددها طوال الوقت عن "هيبة الدولة"، إلا أنها مع الفقير "بلا رحمة أو تصالح"، على حد تعبيره.

واختتم عبدالعال حديثه بالقول: "يكون التباهي بهيبة الدولة في عدلها، وليس في إخراج الناس من بيوتها بالبلدوزر"، مُتسائلًا باستنكار: "ثم أين كانت الدولة حين كان هؤلاء يبنون ويعتمدون على أنفسهم، ويدفعون المال مقابل الخدمات التي تقدمها الدولة لهم؟!".

 

اقرأ/ي أيضًا:

"بكره مش كويس".. المصريون يخافون المستقبل

العشوائيات في مصر.. أرقام ومعلومات