07-مايو-2017

مشهد عام لأهرامات الجيزة (أ.ف.ب)

لطالما شكّلت الطبقة الوسطى غالبية الشعب المصري، ترتفع فوقها طبقة فاحشة الثراء يملك أفرادها كل شيء، ويمتازون باحتكارهم للموارد وانعزالهم التام عن باقي فئات المجتمع، فيسكنون تجمعات سكنية خاصة بهم يحرسها أفراد أمن -من الطبقة الوسطى أو الدنيا- يعملون لدى شركات خاصة يتملكها آخرون من الفئة البرجوازية العليا وهكذا، ثم تأتي الطبقة الدنيا أسفل الطبقى الوسطى، وهي فئة ليست بالقليلة وليست بضخامة الطبقة الوسطى، أو هكذا كان الأمر في الماضي.

في مصر، الطبقة الوسطى تتغير كل يوم، وفي كل أزمة اقتصادية تمر بها البلاد يزداد انكسارها 

اتجه جيل الآباء الحاليين صوب الخليج في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات من القرن الماضي، باحثين عن مصدر رزق يحفظ لهم كرامة عائلاتهم، ويمكّنهم من تعليم أولادهم تعليمًا جيدًا، محاولين جهدهم الحفاظ على موقعهم في الطبقات الوسطى، وفي بعض الأحيان يسعون للقفز درجات أخرى على السلم الطبقي من خلال الاندماج في مجتمعاتهم أو المصاهرة أو الصداقة، والتشبه بهم في ملابسهم ولغتهم ووسائل الترفيه، ومحاولة ادخار الأموال اللازمة لضمان البقاء داخل هذه الطبقة الاجتماعية التي يمكن إطلاق لفظ "البرجوازية الصغيرة" عليها.

اقرأ/ي أيضًا: هكذا نجح السيسي في فرض الرتابة والملل

توسعت الفجوة الفكرية والثقافية بين جيل الآباء وجيل الأبناء ووصلت إلى أقصاها مع دخول التكنولوجيا كمتطلب أساسي للفرد، وحتى لا ندخل في تفصيلة بعيدة عن فكرتنا الأساسية، نكتفي بذكر التكنولوجيا ومساهمتها في الحفاظ على الهرم الطبقي، حيث سعى المجتمع الرأسمالي لإيجاد احتياج تكنولوجي جديد في كل لحظة حتى يستمر في استنزاف المستهلكين والحفاظ على تفاوت الطبقات وعدم السماح بمرور شخص من طبقة إلى أخرى إلا بصعوبة بالغة، فالشاب الذي يمتلك حاسوبًا وهاتفًا جوالاً اليوم، يحتاج من أبيه أن يشتري له النسخة الأحدث غدًا ليواكب العصر الحديث، ويحافظ على مكانه في الطبقة البرجوازية الصغيرة، الأمر الذي تطلب جهدًا أكبر من الآباء وعملًا أكثر ليعزلهم تمامًا عن أسرهم ظنًا منهم أنهم ينجون بذلك من الهبوط إلى الطبقة الأكثر فقرًا.

ظل الأمر يسوء أكثر فأكثر على مدار سنوات عديدة وظلت الطبقات الاجتماعية تتباعد وتتفاوت، الطبقة العليا كما هي مع بعض التغيرات الطفيفة في الأسماء العظمى ذات السيادة والسيطرة، وقد ينجح القليل في اقتحام مجتمعاتهم والتحول من طبقة إلى أخرى، بينما شهدت الطبقة الوسطى التغير الحقيقي، ففي كل يوم وفي كل أزمة اقتصادية تمر بها البلاد ينكسر جزء من البرجوازيين الصغار وينهارون منضمين إلى طبقة الفقراء التي تزداد يومًا بعد يوم حتى توحشت وابتلعت الطبقة الوسطى تقريبًا، ليتحول المجتمع بالكامل إلى قلة من الأغنياء، وجموع من الفقراء، بينهم مجموعة صغيرة مترنحة لا تعرف موقعها من الإعراب، تحاول النهوض وصعود السلم الطبقي ويجذبها الظرف الاقتصادي نحو الأسفل.

في مصر، من العاديّ أن ترى شخصًا يلبس من الثياب أفخمها لكنه لا يملك ما يكفي لوجبة غداء

أصبح من المعتاد أن ترى شخصًا يلبس من الثياب أفخمها لكنه لا يملك ما يكفي لوجبة غداء، أو علبة سجائر، أو يحسب أمواله جيدًا قبل أن تطأ قدماه تراب الطريق، ويحسب مشروبًا واحدًا سيطلبه على مقهى ما ولن يزيد عن المشروب شيئًا ولن يغير مجلسه، فتغيير طفيف في الخطة قد يفسد عليه الغد أو يحرمه من ركوب أتوبيس النقل العام عائدًا لمنزله لمدة أسبوع قادم. 

اقرأ/ي أيضًا: جمعية المتفائلين بالسيد الرئيس

وأصبح من المعتاد أن ترى شابًا عازبًا يعمل في وظيفتين معًا ليكفي بالكاد متطلبات حياته الأساسية، حتى أن مَن تبقى مِن الطبقة الوسطى التي تحدثنا عنها وجد نفسه فجأة يواجه شبح الانضمام إلى طبقة الفقراء، ففي ظرف ليلة انهارت قيمة ما ادّخره طيلة حياته إلى أقل من النصف، لنجد أنفسنا أمام سؤال لا إجابة له، أين ذهبت الطبقة الوسطى، وكيف حدث هذا التفاوت الفج بين الطبقات في ظرف سنين قليلة دون أن نلحظ الخطأ، والسؤال الأهم من ذلك هل تنفجر الطبقة الدنيا في وجه الأغنياء؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

مصر بين إرهاب الدولتين.. داعش والعسكر

الدكتاتور المجنون.. مارك زوكربيرغ