19-أبريل-2017

خوف من المستقبل يكبل المصريين (كريس بورونكلي/أ.ف.ب)

تتزايد معدلات القلق بشكل مستمر وسط قطاعات كبيرة من الشعب المصري؛ قلق من المستقبل على المستويين الاقتصادي والسياسي تعود أسبابه إلى فقدان الثقة في الحكومة والنظام وتصريحاته، ما يجعل أي تطمينات رسمية محل شك دائم، فقد أخذ المصريون وعودًا كثيرة بخصوص ملفات عديدة من دون أن يتحقق أي تطور ملحوظ. "كل الوعود بشأن تراجع الأسعار أو حتى ثباتها تبيَّن كذبها جميعًا، سواء عن قصد أم غير قصد، وهذا ما جعل الشائعات المتعلقة بزيادات قادمة في الأسعار تروج وتنتشر في أوساط عديدة"، هذا ما يؤكده الباحث الاقتصادي محمد فكري في حديثه إلى "ألترا صوت" مشيرًا إلى أنه لا توجد لدى الدولة إجابة واضحة وصريحة عما يشغل بال المواطنين ما يجعلهم فريسة للشائعات وانتظار المجهول.

تتزايد معدلات القلق في مصر من المستقبل على المستويين الاقتصادي والسياسي وتعود أسبابه إلى فقدان الثقة في الحكومة والنظام

في آذار/مارس الماضي، غضب الرئيس عبد الفتاح السيسي حين سأله أحد الحاضرين في مؤتمر الشباب، المنعقد بمدينة أسوان، حول حقيقة ارتفاع سعر البنزين في المستقبل القريب. هذه الحادثة يرى فيها محمد فكري تلخيصًا للطريقة التي يتعامل بها النظام مع المواطنين، ففي الوقت الذي تتخذ الدولة خطوات متسارعة نحو برنامج "إصلاح اقتصادي" لا يضع في اعتباراته الفئات الأقل دخلًا، يخرج المسؤولون بكلام عن فوائد ذلك كله على الفقراء والطبقة المتوسطة وينتظرون من الناس تصديقه. يواصل محمد فكري: "الكلام عن تطهير البطاقات التموينية ومعايير هذا التطهير، وخروج ناس بسطاء كنتيجة لذلك. التصريحات بأن نقاط الخبز سيتم إلغاؤها. الكلام عن مدارس بالمشاركة بين القطاع الخاص والحكومة والتوسع في مدارس "النيل" والمدارس المميزة ذات التعليم المكلف بالنسبة إلى الطبقة الفقيرة. متابعة سعر الدولار يومًا بعد يوم والخوف من صعوده مرة أخرى، خصوصًا أن بعض الخبراء يبشروننا بأرقام مخيفة لسعر الدولار مع اقتراب شهر رمضان. الكلام بين الحين والآخر عن تسريح العمالة الحكومية، وأن الوطن ليس في حاجة إليهم وأنهم عبء على الموازنة، ودفعهم إلى الاستقالة أو المعاش المبكر، أو الفصل عن طريق قانون الخدمة المدنية الجديد. كل هذه الأمور تجعل معدلات الثقة في كلام الحكومة في أدنى مستوياتها، مما يجعل تلك التكذيبات محل سخرية وتهكم وسخط".

اقرأ/ي أيضًا: صور وفيديوهات.. الغلابة في مصر على صفيح ساخن!

العاملون بقطاع الأعمال الحرة، سواء التجارية أو الخدمية، غير بعيدين عن الأزمة الاقتصادية، فارتفاع الأسعار أصاب المواطنين بصدمة، والقلق يزيد من معدلات الخوف، والخائفون لا يرغبون في التوسع في الاستهلاك تحسبًا للمستقبل الغائم. أنور كامل (سائق تاكسي) لديه مجموعة تخوفات من أي وعكة صحية تصيب أحد أفراد الأسرة، في حالة تخلٍّ كبير من الدولة عن مسؤولياتها عن صحة المواطنين وتوفير خدمات صحية مجانية وجيدة، خصوصًا مع ارتفاع مهول في أسعار الدواء وأسعار الخدمات الصحية. الخوف من المستقبل يسيطر على كامل، الذي يعيل ثلاثة أبناء في مراحل تعليمية مختلفة، ويتسبب في حالة من القلق المُسرَّب في تصرفات عنيفة داخل الأسرة أو على مستوى أصدقاء العمل، أو حتى مع المجتمع في عمومه، يقول: "أحيانًا أجد نفسي متلبسًا باشتباك لفظي أو حتى اشتباك بالأيدي مع زبون أو سائق آخر لأسباب بسيطة قابلة للتسامح، لم يعد الواحد يطيق نفسه ولا قادرًا على السيطرة على انفعالاته وسط طوفان يومي من الأخبار التي تسدّ النفس. المستقبل؟ ربما من الأفضل عدم التفكير بشأنه".

في الجانب النفسي والسلوكي، توضّح الدكتورة النفسية رانيا عطية أن "انتشار القيم السلبية كالأنانية والحقد والحسد التي تتسع لتتحول إلى الاستغلال وعدم كفاءة العمل، أو الغش التجاري أو الخدمي، يصيب المجتمع بحالة من الكآبة وعدم الثقة، فالكل يستغل الكل، ويفقد الفرد الثقة في المجتمع المجاور"، وتؤكد أن كل هذا يزيد من معدلات القلق والتوتر والخوف من المستقبل، ما يجعل المجتمع يزداد تفككًا وتشرذمًا. وحول حدود مسؤولية النظام الحاكم عن تلك الحالة، تقول الطبيبة النفسية إن "النظام مسؤول بصورة كبيرة على تدهور نفسية المصريين، بعدم مصداقيته، وبإدارة أقل ما توصف به أنها غير رشيدة"، مشيرة في الوقت نفسه إلى عدم استطاعة أي حكومة إدارة مجتمع قلق تغلب عليه الطاقات السلبية إلى الأمام.

أحمد عبد الجواد (موظف بالقطاع الخاص) كان حلمه الوحيد الحصول على مسكن بسيط بجانب عمله في إحدى المدن الجديدة، وعندما علم بوجود وحدات سكنية عن طريق جهاز المدينة استدان من بعض أقاربه ليكمل مقدم الشقة، وعند استلامها لأول مرة صُدم عندما اكتشف أنه يحتاج إلى عدة آلاف أخرى لتجهيزها حيث أنها لا تصلح للسكن الآدمي وبعد أن بذل جهدًا في تجهيزها انتقل هو وأسرته إليها ولم يتأخر عن سداد أي قسط شهري للشقة طوال السنوات السابقة، غير أنه لم يعد قادرًا على تحمل قيمة القسط بعد تعويم الجنيه أواخر العام الماضي، وما زاد الأمر سوءًا أنه فوجئ بوجود متأخرات لا بد من تحصيلها ولم يكن يعلم عنها شيئًا، حتى استيقظ ذات يوم ليجد إنذارًا من بنك التعمير والإسكان بطرده من الشقة لعدم قدرته على سداد الأقساط والمتأخرات.

يقول عبد الجواد لـ"ألترا صوت": "بعد أن كنت أعيش في أمان بين أربعة جدران أصبحت أشعر بالخوف الشديد ولا أدري ماذا يخبئ المستقبل لي. كل ذنبي أنني استمعت لكلام المسؤولين عن تعمير المدن الجديدة والتسهيلات التي تقدمها الدولة للمشترين، ولكن ما حدث كان عكس ذلك تمامًا. الآن لم يعد أمامي سوى الاقتراض من جديد أو ترك الشقة أو السجن، ولكن المشكلة الأكبر في أفراد أسرتي الذين استقروا هنا".

ارتفعت معدلات الفقر بين المصريين من 26.3% عام2013 إلى 27.8% في 2016، أي أكثر من 25 مليون مواطن لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم

ووفقًا لتصريحات اللواء أبو بكر الجندي، رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في تموز/يوليو الماضي، فقد ارتفعت معدلات الفقر بين المصريين من 26.3% عام 2012/2013 إلى 27.8% من تعداد سكان مصر في 2016، وهذا يعني أكثر من 25 مليون مواطن لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من غذاء وملبس.

الوضع الصعب الذي يتشاركه مصريون كثر دفع ببعضهم إلى الحنين إلى أيام مبارك، ولكن جمال محمود (طالب جامعي) يرى أن مبارك ليس هو المثال الأنسب للمقارنة مع الرئيس الحالي، فيقول: "تُعرف انحيازات النظم بما تقدمه عادة للطبقات الأكثر فقرًا واحتياجًا، فالجميع يقول عن جمال عبد الناصر ما يحلو له.. عن استبداده، وغلقه للمجال العام، وغياب الديمقراطية خلال فترة حكمه، لكن كل هؤلاء لا ينكرون أبدًا انحيازات عبد الناصر ونظامه للطبقات الفقيرة والمتوسطة".

اقرأ/ي أيضًا: العشوائيات في مصر.. أرقام ومعلومات

ويكمل محمود حديثه إلى "ألترا صوت" مشيرًا إلى المفارقة في تأكيدات الرئيس وحكومته أن هناك جهودًا لحماية الطبقات الفقيرة من آثار القرارات الاقتصادية التقشفية رغم ارتفاع نسبة الفقراء في السنتين الأخيرتين: "إذا كان عبد الناصر ديكتاتورًا فقد حقق حلم العدالة الاجتماعية لكثيرين، ولكن السيسي يبدو كأنه مصرّ على سحق أكبر عدد ممكن من أفراد الطبقات الفقيرة والمتوسطة". وحول رؤيته لمستقبله وفرص العمل، يقول محمود: "ضحايا القرارات الاقتصادية الكارثية للحكومة المصرية، وأنا منهم، لا يمكن لهم الحديث عن المستقبل بل أغلب الظن أنهم يفكرون دائمًا في تدبير احتياجاتهم اليومية. في تلك الحالة، يتعذّر رؤية المستقبل لأنك تحاول ألا تفكر فيه من الأساس".

التخوفات بشأن المستقبل لا تقتصر على الفئات التي لا تستطيع تدبير احتياجاتها الأساسية ولكنها تشمل أيضًا مواطنين مهمومين بالشأن العام، مثل هشام منير (أستاذ جامعي) الذي لا يجد مفرًا من الحزن وخيبة الأمل وهو يرى انغلاق المجال العام يومًا بعد يوم، ومعه تنغلق كافة الطرق الشرعية والسلمية للتعبير والتغيير.

"لدي تساؤلات كثيرة وذات شجون حول التغيير في مصر ومستقبل هذا البلد على المستويات المختلفة، مع تأكيد المؤشرات الحالية على عدم رغبة النظام فى إجراء تغييرات حقيقية، تساؤلات أخشى أحيانًا مواجهة نفسي بإجاباتها أو التورّط في مناقشتها"، يقول الأستاذ الجامعي في حديثه إلى "ألترا صوت"، ويستكمل: "هل يوجد لدى المواطن المصري حاليًا قدرة ورغبة في فرض أي تغيير حالي أو مستقبلي، مع غياب القدرة على التنظيم وافتقاد وجود تيارات سياسية قائدة ومعبرة؟ وهل من الوارد مع محاولات الهدم والتجريف للتعليم والثقافة أن يحدث التغيير في مصر دون اللجوء إلى أسوأ الحلول في صورة ثورة جياع تقضي على الأخضر واليابس وعلى المجتمع؟ وإلى أين ستقودنا العقلية الأمنية الغبية، التي تدير الأمور وتعتبر أن أحدًا لا يفهم شيئًا سوى خريجي الكليات العسكرية؟ وهل القيادة السياسية الحالية يمكن التعويل عليها في إدارة حكيمة لملفات الصراع الإقليمي والدولي بما يحقق مستقبلًا أفضل لمصر؟"، ويختم منير حديثه بالقول إن الإجابة على هذه التساؤلات كافية لبيان وضعنا الحالي.

وبكلمات تحاول أن تمهّد لما سيأتي بعدها، تبدأ منال جمعة (مهندسة برمجيات، 32 سنة) حديثها إلى "ألترا صوت"، فتقول: "الإنسان كائن غامض وملتبس ومشاعره متداخلة بشكل لا يستطيع هو نفسه تحديده، ورغباته المختلفة تتصارع مع نفسها طوال الوقت بداخل روحه المعذّبة. الإنسان كائن يكمن الكون كله بداخله، وهو لا يحتاج إلا إلى شيئين من خارج نفسه لكي يستمر على قيد الحياة: الغذاء والأمل، ولكن ماذا لو غاب الطعام وغاب الأمل؟ هذا للأسف هو المنظور الوحيد الذي يمكنني النظر منه إلى الغد في تلك الأيام السوداء التي نعيشها جميعًا والتي نعلم أنها تقودنا إلى أيام أكثر سوادًا".

وبنبرة يائسة ولكنها واثقة، تقول المهندسة إن إطلاق أي لفظ على ما يحدث حاليًا في مصر بخلاف لفظ "عكّ" يعد تجنيًا على الحقيقة وعلى الواقع الذي نعيشه وعلى أنفسنا أيضًا، لأنه وفقًا لكلامها "يكفي أن النظام بمؤسساته وهيئاته يكذبون علينا، فلا يعقل أن نكذب نحن أيضًا على أنفسنا. إذا نظرت حولي وحاولت الحديث عن الغد، فأغلب الظن أنني لن أستطيع رؤية ذلك الغد، وإذا حالفني الحظ وتمكنت من الإمساك بملامحه فربما لن أصارح نفسي بشكله، حيث أن شكله لا يسرّ عدوًا ولا حبيبًا. بكرة شكله مش كويس، للأسف".

 

اقرأ/ي أيضًا:

مول ضخم جديد في مصر.. من أجل من؟

أماني الخياط.. بوق السيسي لإسكات فقراء مصر