06-فبراير-2024
مقال تيم سكوت.. فن جمع المتناقضات

تيم سكوت وفن جمع المتناقضات

يشقّ تيم سكوت مسارًا سياسيًا حافلًا بالمفارقات إن لم نقل المتناقضات، كسياسي أسود، جمهوري محافظ اكتوى بنار العنصرية ومع ذلك يتعايش مع تغلغل عقيدة تفوق العرق الأبيض داخل الحزب الجمهوري، ولا يجد حرجًا في نفي واقع العنصرية المتزايد في الولايات المتحدة، بل يرى في الديمقراطيين وما يسميه اليسار الراديكالي تهديدًا للقيم الأمريكية.

 وكما كان ترشحه للرئاسة مفاجئًا، جاء انسحابه واختياره دعم ترامب على حساب نيكي هايلي. ذات الأصول الهندية والآسيوية التي صادقت على تعيينه في مجلس الشيوخ عندما كانت حاكمة لولاية كارولينا الجنوبية ـ مفاجئًا أيضًا. 

يرى منتقدو تيم سكوت أنّ مواقفه تلك تعبير عن انتهازية سياسية، وعن رغبة عمياء في السلطة تدفعه للقفز فوق منطق الوقائع والأشياء من جهة، وتفضيل الوقوف دائمًا إلى جانب الأقوى ولو كان شعبويًّا كترمب الذي ساوى أخلاقيًا بين اليمين البديل الذي يتبنى قناعات تفوق العرق الأبيض وبين اليسار البديل، وذلك في العام 2017 عندما تجمع مناصرو عقيدة تفوق العرق الأبيض في تشارلوتسفيل.

 وقد دفعت تناقضات تيم سكوت، التي يبدو أنها ليست وليدة اليوم، بعض أصدقائه السود أثناء الدراسة إلى أن يطلقوا عليه اسم أوريو (اسم البسكويت الشهير الأسود المحشو بكِريما بيضاء)، بينما عمد بعض الليبراليين حاليًا إلى تسميته بالعم توم، في استعادة لنفس مضامين الخنوع والخضوع لرموز السلطة. وهو خضوع قاده، حسب منتقديه إلى تفضيل المحافظين على الديمقراطيين. 

يفسر سكوت مثل هذا الهجوم من رفقائه السود بكونه "لم يكن يحقق توقعات التفكير الجماعي داخل المدرسة". بينما يعزو بعض متابعيه تفضيله الحزب الجمهوري وتعايشه مع المحافظين، إلى احتضان الحزب الجمهوري له وترشيحه في وقت امتنع فيه الديمقراطيون عن ذلك. وحدث ذلك في بداية مشواره السياسي عندما قرر الترشح، حيث طلب منه الديمقراطيون "انتظار دوره" فيما قال له الجمهوريون "لن تفوز على الأرجح لكن يسعدنا أن نراك تترشح"، ليكون أول سياسي أسود في الجنوب يفوز في انتخابات مجلس الشيوخ منذ أكثر من قرن.

يرى منتقدو تيم سكوت أنّ مواقفه تعبير عن انتهازية سياسية، وعن رغبة عمياء في السلطة تدفعه للقفز فوق منطق الوقائع والأشياء

 مسار شاق 

يرى المتتبعون لحياة توم سكوت أنّ قصة حياته قصة ملهمة. استطاع هو نفسه أن يستغلّها أحسن استغلال في شق مساره السياسي الذي قاده إلى أن يكون أحد أبرز السياسيين الأمريكيين المحافظين في البلاد. فتوم سكوت قادم من أوساط السود الفقراء، تولت تربيته والدته المطلقة التي انفصل عنها زوجها وتيم في سن السابعة.

في الـ19 من أيلول/سبتمبر 1965 ولد تيموثي يوجين سكوت في نورث تشارلستون بولاية كارولاينا الجنوبية، لأبوين من الطبقة الفقيرة، وهو أخ لشقيقين أصبحا فيما بعد ضابطين في الجيش الأمريكي. استطاعت والدته، تخصيص القسط الأكبر من دخلها كمساعدة تمريض، لتغطية جانب من تكاليف دراسته وأشقائه.

التحق تيم سكوت بمدرسة آر بي ستال الثانوية التي تخرج منها في العام 1982، قبل أن يتعرض في نفس العام لحادث سير تضرر منه على مستوى الظهر والكاحل، الأمر الذي قلل من اهتمام الجامعات الكبرى به بوصفه لاعب كرة قدم. 

اضطرّ سكوت للعمل مبكّرًا للمساهمة في مصاريف أسرته ودراسته، فعمل في دار سينما محلية، قبل أن يلتحق بالعمل في محل "شيك فيل إيه" للوجبات السريعة، وكانت تلك المحطة فارقة في حياته، حيث ربطته صداقة قوية بمالك المحل وهو رجل أبيض محافظ يُدعى جون مونيز الذي لعب دور المرشد والقدوة لتيم سكوت، حيث نقل له "مبادئ الأعمال المحافظة"، ويقول تيم سكوت عن معلّمه مونيز "لقد مكّنني من أن أفكر في طريقي للخروج من هذا الفقر". 

في الأثناء وبالتحديد عام 1988 التحق تيم سكوت بالكلية المعمدانية في تشارلستون، مستفيدًا من منحة رياضية، لكنه لم يلبث في تلك الكلية سوى سنة واحدة انتقل بعدها إلى جامعة تشارلستون سوذرن التابعة أيضًا للكنيسة المعمدانية البروتستانتية، ومنها حصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية.

وبعد تخرجه من الجامعة ظهرت براعة تيم سكوت في مجال الأعمال، وبدأ تجربته في هذا الإطار من قطاع التأمينات، بعد تأسيسه وكالة للتأمين يوجد في رصيدها اليوم 3 آلاف عميل. ومع تحسن وضعه المهني بدأ جديًا في التفكير في خوض غمار السياسة. ويقول تيم إنه همس لنفسه ذات ليلة وهو في سرير نومه "الرئيس تيم سكوت"، ثم قال لصديق له: "أنا سأفعل ذلك... سأترشح للرئاسة".

إحدى المفارقات الغريبة في تجربة تيم سكوت حديثه مليًا عن الممارسات العنصرية التي تعرض لها وهو صغير ويافع وما يزال يتعرض لها حتى اليوم، ومع ذلك يصر على إنكار واقع العنصرية الأمريكية ويتشبث بموقعه بين المحافظين، ففي كتابه الذي ألفه عام 2022 يقول تيم إنه كان يتلقى "رسائل مليئة بالكراهية مع إهانات عنصرية، هي معلّقة الآن على خزانتي"، وفي ذات الكتاب يعترف تيم سكوت بتعرضه "للتوقيف من قِبل رجال الشرطة، أكثر من 20 مرة، خلال 20 سنة، ليس لأنني تجاوزت الحد الأقصى للسرعة، بل لكوني أسود"، وحتى في مبنى الكابيتول الذي كان عضوًا فيه، يؤكد أن شرطة المجلس بدورها، أوقفته 5 مرات بينما كان في طريقه إلى المبنى للإدلاء بصوته "وفي كل مرة، بعد أن أُظهِر للضابط أوراق اعتمادي، كانوا يعتقلونني. وفي كل مرة، كان عليّ أن أطلب من زملائي البيض التعريف عني".

رجل أسود استطاع شق طريق وعرة، وتوصّل بعناء كبير لافتكاك مكانة متقدمة في مشهد الأعمال والسياسة في الولايات المتحدة

التجربة السياسية

يعد تيم سكوت أول عضو مجلس شيوخ أمريكي من أصل أفريقي من ولاية كارولاينا الجنوبية، كما يعد ثاني جمهوري أمريكي من أصل إفريقي يمثل الحزب الجمهوري المحافظ في مجلس الشيوخ منذ مغادرة إدوارد بروك في عام 1979.

ففي العام 2010 تمكن تيم سكوت، بدعم من قادة جمهوريين محافظين بينهم سارة بالين وكيفن مكارثي وإريك كانتور، من التغلب على بول ثورموند نجل السيناتور الجمهوري العنصري ستروم ثورموند في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في مقاطعة ثلاثة أرباعها من السكان البيض، ليصبح بذلك عضوًا في مجلس نواب كارولينا الجنوبية. وقبل ذلك التاريخ نال تيم سكوت عضوية المجلس المحلي في الولاية في الفترة 1995 ـ 2008.

والجدير بالذكر أنّ تيم سكوت كان خلال التسعينيات مقربًا من ستروم ثورموند أحد دعاة الفصل العنصري، وبرر سكوت تلك العلاقة لاحقًا بقوله "إن الأشخاص يغيرون آراءهم"، لكنّ الحقيقة التي لا يريد تيم مواجهتها هي أنّه لم يكن يومًا شخصًا معتدلًا، بل إنّ انتخابه جاء "كجزء من موجة حزب الشاي الأوسع التي أدخلت إلى مجلس النواب مجموعة من المحافظين المحرضين غيروا فيما بعد طريقة عمل المجلس".

بسرعة قفز سكوت إلى عضوية مجلس الشيوخ الأمريكي في العام 2014، بعدما صادقت حاكمة ولاية ساوث كارولينا حينها نيكي هايلي على تعيينه بعد انتخابات خاصة لملء الفراغ الذي سببته استقالة السيناتور جيم ديمينت. وفي العام 2016 انتخب سكوت لولاية كاملة وأعيد انتخابه عام 2022. ومن لحظتها بدأت طموحاته السياسية للوصول إلى البيت الأبيض في التبلور بشكل واضح.

 

الترشح للرئاسة والانسحاب لصالح ترمب

"إن الناخبين وجهوا إلي رسالة واضحة، وقالوا لي إن الوقت غير مناسب لترشحي الآن".

منتصف أيار/مايو 2023 أعلن تيم سكوت خوضه السباق الرئاسي، مقدمًا أوراق ترشحه إلى لجنة الانتخابات الفيدرالية، ساعيًا بذلك إلى أن يكون أول رئيس جمهوري أسود للولايات المتحدة. وفي إعلان الترشح ظلّ سكوت وفيًا لمحافظته حيث التزم بالكفاح من أجل العودة إلى طريقة العيش الأميركية التي يصرّح دائمًا أنها باتت مهددة في ظل حكم الديموقراطيين.

حيث صرّح أمام تجمع من مؤيديه في مسقط رأسه نورث تشارلستون قائلا إن "جو بايدن واليسار الراديكالي يهاجمان كل شخص ساعدني على صعود سلم السلطة، ولهذا السبب أعلن اليوم ترشحي لمنصب رئيس الولايات المتحدة"، مضيفًا القول: "كما ترون، هم يهاجمون قيمنا الأميركية ومدارسنا واقتصادنا وأمننا. لكن ليس في عهدي. هذا لن ينجح. لا يمكنني الوقوف مكتوف اليدين فيما يحصل هذا الأمر لأميركا".

وإلى جانب ذلك كان سكوت يشدد في كل محطة من جولاته الانتخابية على ديانته المسيحية وكونه أول أمريكي من أصل إفريقي يمثل الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ. حيث لم يفوت سكوت فرصة كهذه للّعب على وتر معاناته في طفولته، لا من أجل تأكيد واقع البؤس والحرمان والعنصرية التي يعاني منها سود أمريكا، ولكن من أجل إظهار ما يسميها عظمة أمريكا، حيث قال سكوت في تلك المناسبة "نعيش في أرض حيث من الممكن تمامًا لطفل نشأ في فقر في أسرة مؤلفة من معيل واحد، في شقة صغيرة، أن يخدم في أحد الأيام في مجلس الشعب وربما في البيت الأبيض".

منتهيا إلى القول "هذه أعظم أمة على أرض الله".

وقبل إعلان ترشحه الرسمي للمنافسة على نيل ترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية المزمعة 2024 أمضى سكوت أشهرًا وهو يجوب ولايات تعدّ حاسمة لكسب زخم مبكر قبل الانتخابات التمهيدية للحزب.  

لكنّ تيم سكوت فشل في المهمة واضطر للانسحاب 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 وإعلان دعم ترمب بسبب تدني النسب التي حصل عليها في استطلاعات الرأي، وفشله في إعطاء دفعة كافية لحملته الانتخابية لينال ترشيح الجمهوريين. وهو ما أكدته نتائج استطلاعات الرأي التي جمعها موقع "ريلكلير بوليتيكس" التي بينت أنه يحل في المرتبة السادسة بين المرشحين لنيل بطاقة الحزب الجمهوري مع دعم نسبته 2,5 %.  وأعلن سكوت بناء على ذلك وقف حملته قائلًا في لقاء مع قناة فوكس نيوز "إن الناخبين وجهوا إليه رسالة واضحة، وقالوا لي إن الوقت غير مناسب لترشحي الآن". 

وحول سؤال له عما إذا كان يتطلع لمنصب نائب الرئيس في انتخابات الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر 2024، أجاب تيم سكون أن لا نية لديه في هذه المرحلة أن يكون مرشحًا لمنصب نائب الرئيس.

ومع ذلك من المؤكد أن دعم سكوت لترامب ليس مجانًيا. ففي العام 2017 وعقب الأحداث التي انجرت عن تجمع العنصريين البيض في مدينة تشارلوتسفيل أبدى انزعاجًا من ترمب الذي ساوى أخلاقيًا بين العنصريين ونشطاء اليسار، قائلًا إنه لا يعتقد أن ترمب حساس عنصريًا، لكنه نفى عنه في ذات الوقت أن يكون رئيسًا عنصريًا. وفي مقابلة أخرى مع الإعلامي اليميني شون هانيتي، على محطة فوكس نيوز، صرح قائلًا "ربما لا توجد خلافات كثيرة معه على الإطلاق. أنا ممتنّ جدًا لوجود ترمب في منصبه".

كما رفض تيم سكوت تحميل ترامب مسؤولية أحداث مبنى الكابيتول الذي اقتحمه أنصاره في محاولة للتمرد والانقلاب على الديمقراطية، حيث اكتفى سكوت بتوجيه اللوم لأنصار ترمب واعتبار ما حدث يومها مأساويًا.

فضلًا عن ذلك يتقاسم سكوت مواقف عديدة مع ترمب، فهو يقدم نفسه اجتماعيًا ك "مؤيد للحياة، ومعارض صريح للإجهاض". كما يعارض سكوت زواج المثليين، وصوّتَ ضد قانون احترام الزواج لعام 2022، الذي ينصّ على الاعتراف القانوني الفيدرالي بزواج المثليين.

وبشأن الهجرة يدعو سكوت صراحة إلى تشديد العقوبات على أصحاب العمل الذين يشغِّلون مهاجرين غير شرعيين عن علم. 

وكان سكوت من بين السياسيين الذين عارضوا التدخل العسكري في ليبيا 2011، في حين انتقد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وينظر إلى إيران بوصفها "أخطر دولة في العالم".

وفيما يتعلق بالصين روّج سكوت في العام 2017 برفقة ثمانية من زملائه لمشروع قانون يوسع قدرة الحكومة الفيدرالية على منع المشتريات الأجنبية للشركات الأميركية، وذلك من خلال تعزيز لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، والسماح لها بمراجعة، وربما رفض الاستثمارات الصغيرة، وإضافة عوامل الأمن القومي. وكانت تلك الخطوة بمثابة رد على جهود الصين لشراء شركات التكنولوجيا الأميركية.

وبالمجمل تعدّ قصة تيم سكوت بحسب متابعيه قصة ملهمة لرجل أسود من الجنوب الأمريكي استطاع شق طريق وعرة لمغادرة ظروف الفقر التي نشأ فيها، وتوصّل بعناء كبير لافتكاك مكانة متقدمة في مشهد الأعمال والسياسة في الولايات المتحدة، من خلال نيل عضوية مجلس الشيوخ ونجاحه في عالم المال والأعمال. ولذلك يرى متابعون أنه لا عجب من أن يحبذ زملاؤه الجمهوريون فكرة ترشحه للرئاسة، خاصة أنه متشبث بمحافظته، التي يصفها بعض المتحمسين له بالمتفائلة، ولا يجد صعوبة في التعايش وقبول الأفكار العنصرية التي تكاد تكتسح الحزب الجمهوري وقواعده الشعبية.